أدونيس: أسئلة، تعريب، أعاجيب
1- الأسئلة
قال لي صديق فرنسي: لو سألتك، في ضوء الحالة الراهنة في البلدان العربية: كيف تحدد موقع العرب اليوم، سياسياً وثقافياً، في العالم، فهل عندك جواب، وما هو؟
لم أجب. لم أعرف أن أجيب، وكيف؟ غير ان السؤال ظل يدور في نفسي. قلتُ: عليَّ أن أجزّئه، لكي أحسن الإحاطة بمقتضياته وأبعاده. وأخذت أتساءل حائراً، متأملاً:
أ) حقاً، من نكون نحن العرب في القرن الحادي والعشرين؟ من نحن، بدءاً من سقوط بغداد تحت حراب هولاكو، في السنة 1258؟ ألسنا نتراجع منذ ذلك الوقت؟ أهناك مثيل لنا اليوم: آخذون في الانحدار، والعالم كله، تقريباً، آخذٌ في الصعود؟
ب) حقاً، أية قوة نمثل أو سنمثّل، نحن العرب، في هذا القرن، في هذا العالم؟
هل سنكون إحدى قوى الحرية؟ إحدى قوى العمل والإنتاج؟ إحدى قوة العلم والتقنية؟ احدى قوى الفلسفة والفكر؟ إحدى قوى الفن – شعراً وتصويراً، موسيقى ومسرحاً، غناء ورقصاً؟ وماذا اذاً، سنكون؟
ح) حقاً، كيف نتحدث نحن العرب، اليوم مع العالم في هذا القرن، وما رسالتنا أو خطابنا؟
ماذا نقول لروسيا؟ للصين؟ لليابان؟ للهند؟ لأوروبا؟ للولايات المتحدة؟
لكن، هل نتحدث مع بلدان العالم الثالث، وهل عندنا ما نقوله لشعوبها؟
اذاً، عمَّ نتحدث، نحن العرب، ومع مَن؟ وما خطابنا؟
ء) حقاً، ماذا استخلصنا، نحن العرب، من الاحداث الكونية الكبرى القريبة العهد؟
من سقوط الاتحاد السوفياتي؟ من 11 أيلول (سبتمبر) 2001؟
من غزو العراق؟ من مآل فلسطين، والثورة الفلسطينية؟ من صعود الاصوليات الدينية و «تقنياتها» البارعة في الجهاد؟ وماذا يقول العرب الحاكمون لنا، نحن العرب المحكومين، هذا إن كانوا يؤمنون أنهم يحكمون بشراً لا أشياء؟
هـ) وهؤلاء العرب المتنوّرون، القائلون بالعلمانية والديموقراطية والمجتمع المدني، ماذا يقولون للصراع السنّي – الشيعي؟
للصراع العربي – الفارسي، والعربي - الكردي، والعربي - العربي، والإسلامي – الإسلامي، والإسلامي – المسيحي (الذي يمكن افتراضه، استناداً الى أكثر من حالة ووضع، في أكثر من بلد عربي)؟
ماذا يقولون لذلك «الحِلف» العربي – الاسرائيلي، الغامض، الصامت، الفعّال؟
وماذا يقولون للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، والفلسطيني – الفلسطيني، داخل هذا الحلف؟
وماذا يقولون للفقر المتزائد في مجتمعاتهم؟ للنهب المتزايد؟ للقمع المتزايد؟ للفساد المتزايد؟ للأمية المتزايدة؟ للبطالة المتزايدة؟ للسجون المتزايدة؟
و) طبعاً، طبعاً،. إنها مجرد كلمات. مجرد أسئلة. الا اذا تفضّل بعضهم، كالعادة، وقال عنها إنها «مصنوعة» خصيصاً لإشاعة اليأس، للتشكيك، و «تهديم التراث العربي»!
2 - تعريب الاعلانات
قرار تعريب الاعلانات في سورية (من اتّخذه؟) يذكرني بقرار مماثل في بداية الخمسينات من القرن الماضي. كانت، مثلاً، احدى دور السينما في دمشق تسمى باسم أدونيس، فأجبر صاحبها على تغيير الاسم بحجة انه أجنبي. وسميت الدار باسم بلقيس كأن أصحاب القرار آنذاك لا يعرفون شيئاً من كتب الفلسفة العربية أو الكتب التاريخية والجغرافية.
كان على الذين اتخذوا القرار الجديد ان يكونوا أكثر فطنة، ورحابة، ومعرفة. ان يفكروا بما هو أبعد وأعمق، خصوصاً أنهم يهيئون دمشق لتكون عاصمة للثقافة العربية في السنة المقبلة 2008. أن يتخذوا قراراً بالتعريب يكون ثقافياً، حقاً، وينهض باللغة العربية حقاً:
أ - ان يحرروا المثقفين السجناء باسم أفكارهم وآرائهم الثقافية: ميشيل كيلو، وعارف دليلة، تمثيلاً لا حصراً.
ب - أن يضعوا خطة لتحرير المناهج التربوية السورية، والمدارس، والجامعات، من المربين، والمعلمين والأساتذة، في مراكز التعليم الابتدائي، وفي المدارس الثانوية، وفي الجامعات، الذين لا «شهادة» لهم غير بطاقة «الانتماء»، أو بطاقة «الموالاة».
الذين يعرفون اللغة العربية، يعرفون ان مستواها في المدارس، والجامعات، وعند كثير من الكتّاب، ليس مخجلاً وبحسب، وإنما هو كذلك إهانة لتراث لغويّ بكامله، ولتاريخ ثقافي بكامله. ذلك أنه مستوى «يكرّس» باسم اللغة العربية، وباسم العروبة.
يكفي للتثبت من ذلك ان تقرأ بعض الكتب التي ينشرها كتّاب الدولة، وتموّل بمال الدولة، أو ترى طالباً جامعياً متخرجاً في اختصاصه – اللغة العربية وآدابها – لا يعرف ان يقرأ نصاً عربياً قراءة صحيحة، أو تصغي الى «شيوخ» و «أئمة» في مساجد وجوامع، وترى كيف تتحول اللغة العربية بين شفاههم الى ركام من التراب والحصى.
وما يصح على «انهيار» اللغة العربية في سورية، يصح على بقية البلدان العربية قليلاً أو كثيراً، بشكل او آخر.
في كل حالٍ، ليس قرار تعريب الاعلانات مجدياً، كيفما نُظر اليه، في النهوض باللغة العربية. ثم إنه ضد تاريخ الحركية والتطور، الذي عرفته هذه اللغة. فهو يحفل بالكلمات الاجنبية أو «الدخيلة»، والتي استبقيت، غالباً، بلفظها الأجنبي ذاته، منطوقاً أو مكتوباً بالعربية، بدءاً من لغة القرآن الكريم ذاته، لغة الله (اقرأ: المهذَّب في ما جاء في ألفاظ القرآن الكريم من المعرَّب، للإمام السيوطي)، مروراً بالترجمات التي قام بها العرب القدامى، وانتهاءّ بالفلسفة العربية، والشعر العربي.
3- أعاجيب
-1-
أعجب ما يقوله الرقباء ان المنع الذي يأمرون به، أحياناً، ليس الا سماحاً وتسامحاً، بوصفه «تهذيباً» و «تعليماً».
-2-
أعجب ما في ذلك العاشق،
أنه لا يجلس إلا على مَقْعدٍ في الظل،
حالماً بالمرأة التي يعشقها،
والتي لا تجلس إلا في الضوء.
أعجب ما في هذه المرأة العاشقة،
أنها عندما بَكَت،
كان دمعها يوزّع الورد على الناس.
-4-
أعجب ما في أحلامه،
أنها تختبئ، غالباً، تحت وسادته،
وأن الوسادة تتحوّل آنذاك الى ريشة طائرة.
-5-
أعجب ما في الشعر أنه كالفضاء:
حتى عندما يختنق،
لا يخرج من حنجرته إلا الهواء.
-6-
أعجب ما في سريرها،
أنه لا يتزيّن إلا بالليل
وأنه لا يتوقف عن سؤال الوسادة:
لماذا يبدو النهار كمثل القفص؟
-7-
أعجب ما في هذا المسافر،
أنه أخذ يشتم الأرض،
عندما بلّله مطر السماء.
أدونيس
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد