كيف يتعامل نيكولاس ساركوزي مع إرث شيراك
الجمل: يقول أنصار الرئيس الفرنسي الجديد نيكولاس ساركوزي، بأنه سوف يقوم الديناميكية والمسار والأسلوب الجديد المبتكر للسياسة الخارجية الفرنسية.
· السياسة الخارجية الفرنسية ومسيرة الاستقلالية الأوروبية:
هرعت دول غرب أوروبا للولايات المتحدة الأمريكية طلباً للمساعدة في أعمال إعادة إعمار وبناء أوروبا من خراب الحرب العالمية الثانية، وبرغم ذلك لم تتخلَ فرنسا عن كبرياء (البريستيج) الامبريالي التاريخي الذي كانت تنعم امبراطورياتها في ظلاله، وظل الجنرال شارل ديغول متربصاً بمسيرة التبعية الأوروبية للولايات المتحدة، وبذل أكثر من محاولة لإنزال أوروبا من قاطرة هذه التبعية.. وعندما لاحت له الفرصة حاول ذلك، وعندما أدرك أن الأوروبيين وعلى وجه الخصوص بريطانيا وإيطاليا واسبانيا لن يقوموا بذلك، قام بسحب فرنسا من اتفاقية الناتو العسكرية، مع الاحتفاظ بعضوية الاتفاقية السياسية، وقد أدى ذلك إلى قيام انتفاضة عارمة في الشوارع الأوروبية بواسطة الجماهير المطالبة بعدم نشر القواعد وأسلحة الدمار الشامل الأمريكية.
· ساركوزي والتعامل مع إرث جاك شيراك:
ورث نيكولاس ساركوزي إرثاً سياسياً صعباً خلفه الرئيس السابق جاك شيراك، وكان من أبرز معالم هذا الإرث: فقدان فرنسا لنفوذها في السياسة العالمية.
ومن ناحية فسر البعض ذلك باعتباره يعود إلى تداعيات حرب العراق التي أجهدت توتراتها علاقات محور البيت الأبيض- قصر الاليزيه، وأضرت بموقف فرنسا القيادي في الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب تأييد دوله الأخرى لأمريكا ودعمها لتوجهات إدارة بوش. أما من الناحية الأخرى، فإن رفض الرأي العام الفرنسي للدستور الأوروبي في أيار 2005م الشهير الذي أمر بإجرائه الرئيس جاك شيراك بنفسه، أدى إلى الإضرار بموقف الرئيس الفرنسي وأدخل الاتحاد الأوروبي برمته في نفق الأزمة السياسية، وبالذات في الاعتبارات المتعلقة بسياسة الأمن والدفاع الأوروبية المشتركة.
· ساركوزي والعمل من خلال أوروبا:
أعلن ساركوزي عن نيته دعم وتعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على العمل، وقال بأن هذا المطلب يمثل البند الأكثر أهمية في أولويات سياسته الخارجية.
ويقول الخبراء بأن على ساركوزي مواجهة ثلاثة تحديات، هي:
- تجاوز أزمة الدستور الأوروبي.
- ملف توسيع الاتحاد الأوروبي، وبالذات عدم قبول عضوية تركيا.
- ضبط علاقات دول الاتحاد الأوروبي البينية، وعلى وجه الخصوص العلاقات الفرنسية- الألمانية، والعلاقات الفرنسية- البريطانية.
· ساركوزي ومحور البيت الأبيض- قصر الأليزيه:
تناقلت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة الكثير عن علاقة ساركوزي (الوثيقة) بجماعة المحافظين الجدد، خاصة وأن كل المؤشرات والدلائل الدامغة كانت تؤكد دعم جماعة المحافظين الجدد وإدارة بوش، وإسرائيل لتولي نيكولاس ساركوزي منصب الرئيس الفرنسي.. كذلك كان أداء ساركوزي خلال توليه منصب وزير الداخلية الفرنسية كافياً لإدراك مدى (الفائدة) الكبيرة التي سوف تعود على إسرائيل وجماعة المحافظين الجدد من جراء فوز ساركوزي ودخوله قصر الاليزيه.
وبشكل متزامن مع خروج طوني بلير من داونينغ ستريت دخل ساركوزي إلى قصر الاليزيه رئيساً لفرنسا، بشكل أعقبه بعد فترة قصيرة جداً حصول حزبه (الاتحاد من أجل الحركة الشعبية) على أغلبية مريحة في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان).
على غير ما كان متوقعاً، فقد حاول ساركوزي إبطال مفعول الشكوك والاتهامات، عن طريق التركيز على العمل ضمن الاتحاد الأوروبي، وتوثيق تحالفاته مع ألمانيا وبلدان غرب أوروبا الأخرى، إضافة إلى قيام (محاميه) بمقاضاة الوزير الفرنسي السابق دوفيليبان الذي اتهمه ساركوزي بأنه قدم لأجهزة الإعلام مستندات ووثائق غير صحيحة هدفت إلى الإضرار بسمعة ساركوزي الشخصية والسياسية من أجل الإضرار بموقفه في الانتخابات الرئاسية السابقة.
وعموماً، مهما حاول ساركوزي إخفاء الحقيقة و(تجيير) لونه الحقيقي بحيث يظهر بمظهر الزعيم الفرنسي والأوروبي المستقل، فإن سياسته الخارجية إزاء قضايا الشرق الأوسط، وقضايا الصراع العربي- الإسرائيلي سوف تؤدي إلى إذابة الثلج وإظهار ما يختبئ تحته.. وبرغم الجهود الكبيرة التي قام بها كوشنير وزير خارجية ساركوزي إزاء الملف اللبناني، ومحاولة إظهار فرنسا في دور الزعيم المحايد الذي يسعى من أجل استقرار لبنان والمنطقة، حملت أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة صباح اليوم خبراً يقول بأن فرنسا تطالب بممارسة الضغوط على سورية وإيران، وذلك من أجل منع وقوع حرب أهلية في لبنان.
التصريح والمطالبة الفرنسية التي جاءت اليوم سكبت الماء (الساخن) على الرؤوس (الباردة)، وكشفت ليس عن ارتباط ساركوزي وتورطه في مخططات محور الليكود- جماعة المحافظين الجدد، وإنما عن تورطه في محاولة هذا المحور السيطرة على الاتحاد الأوروبي وتوجيهه بحيث يعمل مثلما كانت تعمل حكومة طوني بلير السابقة.
السياسة الخارجية الفرنسية، بعد مطالبة ساركوزي بالضغط على إيران وسورية، سوف لن تقوم على توازن (الدور) و(المكانة) على خط محور البيت الأبيض- تل أبيب، وإنما على الاندماج التدريبي، بحيث تصبح (المكانة) الفرنسية مكملة للـ(مكانة) الأمريكية، و(الدور) الفرنسي جزءاً متمماً مكملاً للدور الأمريكي، وذلك على النحو الذي تعمل فيه السياسة الخارجية الفرنسية في المنطقة بـ(الوكالة) عن السياسة الأمريكية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد