الدور الروسي المتعاظم في آسيا

الجمل: برزت منظمة شنغهاي للتعاون (S.C.O)، كتجمع دولي متعاظم الوزن. ورغم أن نشوءها كان هادئاً، إلا أن أمريكا والدول الغربية، ركزت عليها بقوة. تضم منظمة شنغهاي روسيا، الصين، منغوليا، ودول آسيا الوسطى، إضافة إلى بعض الدول الأخرى. وهناك بعض الدول النووية الهامة مثل الهند وإيران، حصلتا على صفة مراقب في هذه المنظمة، تمهيداً لانضمامهما.
إن تطور هذه المنظمة إلى حلف سياسي، اقتصادي، عسكري، ما يزال يقلق أمريكا وجيرانها، لأن ذلك معناه العودة إلى ثنائية القطب، والقضاء على هيمنة أمريكا وفرادتها. وقد أطلق بعض المحللين الاستراتيجيين على منظمة شنغهاي للتعاون، تسمية: ناتو الشرق، في إشارة منهم إلى أنها قد تمثل المعادل الشرقي الجديد لحلف وارسو السابق، الذي كان يعادل كفة الناتو في توازنات الحسابات الاستراتيجية الدولية.

الدور الروسي في منظمة شنغهاي
ظلت روسيا أكثر انشغالاً بإعادة مكانتها ومركزها، كقوة عالمية كبرى، وذلك طوال حقبة عالم ما بعد 1991، التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي. كان ضعف روسيا الداخلي قد جعلها غير قادرة على القيام بدور بارز، كالدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفييتي السابق، ولا القيام أيضاً بدور الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، اللذين تجاهلا روسيا وانفردا بالمشاورات بينهما، وقاما بإجراءات ضرب يوغسلافيا والبوسنة والعراق، وبعض مناطق العالم، مثل أمريكا اللاتينية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا، التي كان فيها لموسكو سابقاً نفوذاً أثناء فترة الاتحاد السوفييتي.
ترافق تراجع الدور الروسي، بعوامل الضعف الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وغيرها. ورغم ذلك، فإن مغادرة الرئيس بوريس يلتسين للكرملين، ومجيء بوتين، يعتبر في نظر الكثيرين بمثابة بداية لمرحلة جديدة في التاريخ الروسي، على اعتبار أن روسيا قد شرعت بحركة صعود بطيئة، لاستعادة مكانتها السابقة، كقوة عالمية عظمى.
خلافاً لما كان يحدث في الاتحاد السوفييتي السابق، فإن الرئيس بوتين لن يلجأ إلى اتباع سياسات لمجاراة الولايات المتحدة، في المجالات الجيوبوليتيكية والجيواستراتيجية. ورغم افتقار روسيا للموارد الطبيعية، والوهن الذي أصيبت به جراء الحرب الباردة، إلا أنها قامت بتطوير التنمية عن طريق الوسائل الاقتصادية البحتة، دون اللجوء إلى الوسائل السياسية، حيث أصبحت صادرات النفط والغاز والأسلحة، أهم وسائل الحصول على العملات الصعبة. الأمر الذي جعل روسيا حالياً مصدراً هاماً للطاقة في العالم، وثاني أكبر مصدر للسلاح في العالم، وهذا مكنها من الحصول على أموال طائلة.
تكتسب عضوية روسيا في منظمة شنغهاي للتعاون، أهمية كبرى. وما يعطي هذه العضوية وزناً أكبر، هو وجود الصين في نفس المنظمة، الأمر الذي يكتسب وزناً مشابهاً لعضوية أمريكا وفرنسا وبريطانيا في حلف الناتو، وغيره من التحالفات والتكتلات الغربية.

العلاقات الصينية - الروسية
بسبب عدم قدرة روسيا منفردة على القيام بدور الاتحاد السوفييتي السابق، فقد لجأت إلى تعزيز مكانتها الدولية بتوقيع الاتفاقيات وتعزيز تعاونها الدولي مع القوى الكبرى. وتعتبر الصين الشريك الأساس لروسيا. وحسب مواثيق منظمة شنغهاي، فقد تم الاتفاق على مد خط أنابيب لنقل النفط الروسي إلى الصين بشكل مباشر، وتبادل المواد الخام والسلع الصناعية والزراعية الأخرى، بمعدلات هائلة، تكفي لتطوير النمو الاقتصادي الروسي والصيني، بعيداً عن تأثيرات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
يتوقع المحللون بأن التعاون الاقتصادي الروسي - الصيني، سوف يترتب عليه تعاوناً وتنسيقاً سياسياً، لأن الصين لن تتخلى عن تعاونها مع روسيا، عندما يتم تمديد خط النفط، إضافة إلى أن الصين أصبحت تدرك الخطر الأمريكي المحدق في جزيرة تايوان، وكوريا الجنوبية، واليابان، وأستراليا، وتعي خطورة الحشد المتزايد للترسانات النووية الأمريكية في منطقة المحيط الهادي.
إن السنوات الخمس القادمة، ستشهد بروز منظمة شنغهاي للتعاون، ككيان جيوبوليتيكي هام، يحسب له الجميع حساباً كبيراً. وسوف يكون كل توجه سياسي مضاد لمصالح روسيا، هو بالضرورة مضاد لمصالح منظمة شنغهاي، وبالتالي مضاد للصين وبقية دول المنظمة الأخرى. وتسعى روسيا لإقامة مصالح اقتصادية ونفطية وتسليحية مع الدول الأخرى الهامة في القارة الآسيوية، مثل الهند وإيران.
وأخيراً، سوف تتحول منظمة شنغهاي إلى تكتل عظيم التأثير في الشؤون الدولية الاستراتيجية، عندما تقوم كل من الصين وروسيا، بعملية صنع واتخاذ القرار المشترك إزاء المواقف الدولية، وتنسيق التعاون في مواجهة التحالف الغربي، الذي تقوده الولايات المتحدة.

الجمل: قسم الترجمة
المصدر: بينير