وزارة التربية ودورها التربوي "الضائع"
الجمل: يارا انبيعة
عندما تَرِد إلى مسامعك تسمية وزارة "التربية" أول ما يجولُ في خاطركَ أنها وزارةٌ مسؤولةٌ عن تربية أطفال البلاد وتنشئتهم، ومن هذا المنطلق فنجاحها يكمنُ في تحقيقِ مسؤوليتها تلك، ولكنّها في بلادنا -وياللعجب- فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلب بشر!
وفي ظل ما تشهدهُ البلاد من وصول الموجة الثانية من انتشار فايروس "كوفيد 19"، علينا أن نسأل: هل سمعت الوزارة الموقرة به وبتأثيره على العملية التربوية؟، وإذا سمعت به فما هي الإجراءاتُ التي اتخذتها لوقاية الكوادر التابعة لها وماذا أضافت للمناهج وطريقة العمل المتبعة لتحقيق الهدف التربوي؟
بعد أن فرضت الأحداث الجارية على الأرض السورية واقعها على الوعي المجتمعي جاء الفايروس مباغتاً الجميع، الأمرُ الذي دعا إلى اتخاذ إجراءات وقائية عاجلة في بداية انتشار الفايروس، لتنتهي هذه الإجراءات بانتهاء الموجة الأولى من الإنتشار، مرت بعدها عدة أشهر على البلاد التي كانت تعاني من آثار الحرب والحصار، وأصبحت تعاني معهما من آثار "كورونا"، فماذا اتخذت وزارة التربية من إجراءات تحضيرية قبل بدء العام الدراسي وقبل بدء الموجة الثانية من انتشار الوباء؟
كثرت الدراسات التي تتحدث عن أهمية التغييرات السلوكية للمجتمع لمجابهة الوباء ومن أهم أدوات التغيير السلوكي للمجتمعات هي وزارة التربية وما يترتب عليها من دورٍ ومسؤولية، ويبدو أن وزارتنا الموقرة لم تعر أي اهتمام لأي من هذه الدراسات، وقررت التفرّد بتجربة تعليمية ارتجالية في ظل صعوبة اعتماد التعليم عن بعد نتيجة ضعف إمكانيات البلاد المادية وظروف الحصار.
شارف الفصل الدراسي الأول على الانتهاء تزامناً مع وصول الفايروس إلى ذروة الموجة الثانية من انتشارهِ، وما زالت العملية التعليمية مستمرةً في وزارة التربية، كأنها منعزلة عن البلاد التي قام السيد الوزير بزيارة مدارسٍ نموذجيةٍ فيها،وبعد أن ساهم بزراعة القمح في إيحاء منه أن الأمور جيدةٌ وتحتَ السيطرة، لذلك كان لا بد لنا من مراجعة إنجازات الوزارة الارتجالية.
فبعد ما يقارب السنة على انتشار الوباء العالمي أصبح معلوماً لدى الجميع أن الأطفال هم أهمّ وسائل نقل الوباء، وأن الاختلاط في المدارس هو أحد أهم أسباب انتشارهِ ونقله، واذا كانت الوزارة لا تريد إيقاف التعليم فمن حقنا أن نسألَ لماذا أوقفت التربية الصحية؟.
يكفي أن ترى طريقة خروج الأطفال من المدارس لتعرف أن الفشل التربوي وحدهُ هو الناجي الوحيد، ناهيكَ عن الأساتذة الذين لم تحرص الوزارة على التزامهم بأساليب الوقاية من ارتداء للكمامات واستخدام المعقمات، على الرغم من كونهم الخط الأول في العمل على توعية الطلاب، كما لم تعمل الوزارة على تأمين مستلزمات الوقاية لهم في ظل التكلفة العالية للكمامات والمعقمات.
ولا تزال التدفئة والكهرباء شبهُ معدومةٍ في المدارس رغم أهمية التدفئة في رفع المناعة، وتكدّيس الطلاب في الصفوف لا يزال قائماً حتى اللحظة، ولم يتم وضع أي برنامج توعوي ضمن المنهاج ولا حملات نظافة شخصية، ورغم مناشدات السوريين المستمرة على اختلاف شرائحهم في مواقع التواصل الاجتماعي لإيقاف العام الدراسي، تصرّ وزارة التربية على صمّ آذانها، وعدم اتخاذ أي اجراء فعال للوقاية.
وفي ظل إصرار الوزارة على استكمال العملية التعليمية -جعلها الله كذلك- وإدارتها بهذا الشكل، علينا أن نسأل ما هي الرسائل التي تحاولُ الوزارة إيصالها للسوريين؟.
وعلى طريقة وزارة الإعلام التي تضع في زوايا شاشات قنواتها "وعيك أمانك"، تعتمد وزارة التربية على وعي الطلاب، هذه هي الخطة الوحيدة المتبعة، فيما تتابع صفحة الوزارة على موقع فيسبوك نشر المعلومات عن وضع "كورونا" في المدارس وعند تصفحها لابدّ أن تشعر لك أن تشعُرَ بالهلع.
"مدير التربية في اللاذقية: إغلاق 33 شعبة صفية بسبب كورونا"
"مديرة الصحة المدرسية: وفاة طالبة و8 معلمين وإصابة 600 طالب وطالبة بكورونا و800 مدرس"
"6 إصابات كورونا لمعلمين في حمص اليوم"
"2000 معلم مدرسة يطلبون إجازات مرضية و27 مصاباً بكورونا بين المعلمين والتلاميذ في السويداء"
"وفاة مدير الصحة المدرسية في الشيخ بدر بريف طرطوس بفايروس كورونا"
وبعد أن تشعرُ بالهلع لا بد لك أن تقول: "هنيئاً لكم ضحايا الإنجاز التعليمي غير المسبوق."ورغم كل هذه الأخبار السيئة التي تنشرها الصفحة، تُخبرك في أحد منشوراتها الأخيرة: "نفى وزير التربية دارم طباع ما يشاع عن تعليق الدوام في المدارس، مؤكدا أن العملية التربوية مستمرة والطلاب يتحضرون لاختتام الفصل الدراسي الأول وبدء الامتحانات النصفية وفق ما هو محدد في البرنامج الدراسي للعام الحالي".
وهو ما تستطيعُ أن تفهمَ منه أن القرار لا تراجعَ عنهُ مهما بلغت الحالة سوءً، ومهما كان رأي السوريين فيه لا يهم، عليهم أن يرسلوا أولادهم إلى المدارس تاركين كل احتمالات انتقال العدوى لهم مفتوحة، أو أن يبقوهم في المنازل ليكون غيابهم غير مبرر يعقبهُ إنذارٌ أو فصلٌ إذا تطلّب الأمر.
وتجدر الإشارة إلى أن الصفوف التي تظهر فيها حالات إصابة بالفايروس يتم إيقافها عن الدوام وتعقيمها، لكن هذا الإجراء متأخرٌ ولا يكفي خاصةً أن فترةَ الحضانة للمرض تبدأ قبل ظهور أعراض الإصابة بالعدوى بعدة أيام، فمن يستطيع خلال هذه الأيام معرفة وجود الإصابة ليستطيع حصر اختلاط الطلاب في باحات المدرسة؟.
المستجير "بتربيةٍ" عند كربتهِ كالمستجيرُ من الرمضاءِ بالنار
على ما يبدو أن الوزارة تريد استمرار العملية التعليمية وستمضي في خطتها بتجاهل ما يقتضيه العقل والمنطق، دون أن تتخذ إجراءات حقيقية لتربية الطلاب وتثقيفهم صحياً على أملِ إنشاء جيلٍ واعٍ للقضايا الصحية، والإصرار الوزاريّ على متابعة التعليم ضمن هذه العقلية لن يحدث فرقاً إلا في ازدياد أعداد الضحايا وانتشار المرض.
إنه لمن المضحك بمكانٍ أن تتم مناقشةُ موضوع مماثل في هذه العجالة علاوةً على أنّه لا ينبغي أن يكونَ موضوعاً للنقاش أصلاً!،
لقد بات كل سعينا في هذه الأيام البقاء على قيد الحياة فقط، وبعد ذلك سنفكرُ بمناقشة صفة هذه الحياة، كريمةً أم غيرُ كريمة، تعليميةً أم "تجهيلية"، حبّذا لو أن وزيرنا النشيط كان قد وفّر مجهودهُ لصحة وسلامة تلاميذه، والأرقام المرعبة التي تتهددهم، وترك بذر البذار لوزير الزراعة.
المؤلم في الوضوع عامّةً أن يكون كلامنا هذا وكل ما يُقال ويكتبُ في هذا السياق محط سخرية عند أصحاب المعالي، لربما يظنوننا أغبياء لا نفقهُ شيئاً، نعم يا سادتي ستنتصرون على كل من راهن على أن "التعليم" سيتوقف في سوريا، ستنتصرون بجيوش من المعلمين الذين لا يرتدون كمامة تُخفي ضحكاتهم، بجيوش من الأطفال المريضة والسعال والأكفان.دامت ضحكاتكم.
إضافة تعليق جديد