هل تكفي «البطاقة الذكية» لمواجهة «قيصر»؟
تطور الفساد وتنامي الرشى وتراجع أسعار الصرف إلى مستويات قياسية، كل هذه الأمور لم تعد مستغربة، بل وقد تزدهر أكثر فأكثر حال تفعيل «قانون قيصر» الذي يُنذر بقائمة جديدة من العقوبات، تطاول إعادة الإعمار وقطاع المحروقات، على وجه الخصوص، فضلاً عن كل ما من شأنه دعم الاقتصاد السوري. نحن موعودون إذاً (على الأرجح) بأزمات متواترة، لجهة توافر المحروقات وارتفاع أسعارها. علاوة على غلاء أسعار مواد البناء ومن ثم العقارات، بما يشمل أيضاً سوق الإيجارات، ويضاف إلى ذلك استمرار اضطراب سعر الصرف.
لا شك في أن توجيه الاهتمام إلى تغطية حاجة البلاد من القمح، يمثل أولوية أكبر من من توازن سعر الصرف الآن، مع التذكير دائماً بأن الأزمة الأكبر تتمثل في إهمال وجوب ضبط أسعار السلع. طبعاً، سيصعب ضبط أسعار سلع، معظمها مستورد أو مهرّب، وهي بالتالي خاضعة لسعر الصرف. ويزيد الطين بلة غياب الرقابة الحقيقية، ما يجعل ارتفاع السلع المحلية الإنتاج أيضاً أمراً بديهياً، بحجة الدولار.
لا شيء ممّا سبق خارج عن التوقعات، في ظل غياب أي دعم حقيقي للقطاعين الزراعي والصناعي، على امتداد السنوات الماضية (المضحك، رواج تنظيرات تحاجج بأن البضائع الصينية تغرق العالم، ولن تستطيع المنتجات السورية منافسة رخصها، وجودتها. ولا ندري حقيقة عن أي رخص أو جودة يتحدثون، بينما يختار مستوردونا أدنى مستوى من البضائع).
لا شك في أن سوريا قد اعتادت العقوبات الاقتصادية، منذ ثمانينيات القرن الماضي، وليس الانهيار الاقتصادي نتيجة حتميّة للعقوبات الجديدة، لكن أبسط البديهيات تقتضي وجود خطط (بديلة/ موازية) لمواجهة العقوبات، قبل دخولها حيز التنفيذ. قد يظن البعض أن الحديث عن «تحويل التهديد إلى فرصة» هو ضرب من المبالغة، لكن واقع الأمر أن الإمكانية واردة، شريطة توافر الرغبة والمنهج. منذ أكثر من عام، غدا إقرار «قانون قيصر»، أمراً مرجّحاً، ولا يزال السوريون ينتظرون أن يخبرهم أحد بما تعتزم حكومتهم القيام به، استعداداً ومواجهةً للحُزَم الجديدة (نقصد خطط إدارة الأزمة، لا تكرار الخطب الرنّانة).
مثلاً، هل هناك خطة فعلية لاستقطاب رؤوس الأموال السورية المهاجرة؟ هذا أمر يستوجب أكثر بكثير من قانون استثمار يعفي من الضرائب. يحتاج ذلك بداهةً إلى ضبط سعر الصرف، أو تخفيف اضطرابه على الأقل، بما يضمن للمستثمر ألا يتآكل رأس ماله، أو إلى تعديلات تسمح لكل الشركات بتثبيت رؤوس أموالها بالدولار في المصارف، وإن استُتبع ذلك بوضع شروط تضمن رفع الأجور في تلك الشركات، فسيتحسن واقع السيولة نوعاً ما. حتماً، هناك حاجة إلى توفير شعور بالأمان لرؤوس الأموال المستقطبة، وكف أيدي الحيتان عن التحكم في كل شيء.
تفعيل القروض العقارية بضمان العقار وحده، مع تخفيض الدفعة الأولى، سيسهم نسبياً في ضبط جنون سوق العقارات. منح التسهيلات للصناعيين، بدلاً من وضع العصيّ في عجلاتهم، ردع عرّابي التهريب وكبار المضاربين في سوق العملة، بدلاً من استهداف الحلقات الأضعف. كثير، كثير من الإجراءات ممكن، وكفيل بتكرار تجربة الثمانينيات التي خرجت منها البلاد بالتأسيس لانفراجة صناعية مثالية، ومستوى معيشي مقبول. استمرت العقوبات، واستمر الاقتصاد بالنهوض والنمو، إلى اليوم الذي نسي فيه الشعب وجود عقوبات، وهذه ليست معجزة. كل الخطوات البديهية لا تعجبكم؟ لا بأس. دعكم منها، وأخبرونا بخططكم. ولنتذكر معاً أن الأمر أكبر بكثير من منح السكر والأرز بالبطاقة الذكية (رغم أنه إجراء احترازي جيد).
نسرين زريق: الأخبار
إضافة تعليق جديد