الإنتصارات دية الأمهات
أرحام النساء مصانع الرجال، تلك الأمهات العظيمات اللواتي أهديننا كل هؤلاء الأبطال المدافعين عن البلاد، ماذا قدمنا ونقدم لهن.. هذا هو السؤال.. ذلك أن الإستثمار في المرأة هو مايميز الأمم المزدهرة عن تلك الفاشلة، وقدرة الدولة على خلق حاضنة نسوية متطورة هو مايؤمن لها مواطنين نجباء يحققون لها أمجادها التي تفخر بها، لهذا يجب أن نوجه شكرنا وجهدنا اليوم لنساء سورية اللائي تحملن أكبر خسائر حروبنا وأعظم آلامها منذ حرب تشرين عام 1973 وحتى تشرين 2019 الحالي.. فتقدم البلاد يبدأ بإعمار شخصية المرأة المثقفة الحرة القوية، وهذا ماعمل عليه رواد النهضة السورية والآباء المؤسسين للأحزاب التقدمية، حيث نادوا بتحرير المرأة ومساواتها للرجل في الحقوق والواجبات، غير أننا اليوم بتنا نخسر هذه المكتسبات على يد السلفيين وحركة الداعيات للعودة بالمرأة إلى الماضي العثماني وشرنقتها من جديد تحت سمع وبصر وموافقة السلطات الحامية سليلة الآباء المؤسسين لتحرر المرأة من الإرث العثماني الرجعي، الإرث نفسه الذي ساد في المناطق التي تمردت على الدولة وشكلت غيتوات سلفية متعصبة وخربت العمران واغتالت نخبة أفراد الجيش وأثكلت الأمهات الماجدات اللواتي أهديننا كل انتصاراتنا وحمين البلاد من شر الإرهابيين الأوغاد..
فانتصارات "تشرين" بالأمس تحتاج اليوم إلى حركة تنوير نسوي تبدأ بإعادة تعميم التدريس المختلط الذي يؤكد للطلاب الذكور أن الطالبات مساويات ومنافسات لهم ، كما يفترض عدم السماح بارتداء كل ما يدل على الإنتماء الديني والمذهبي من أجل التقريب بين الطالبات أنفسهن، وإضافة "النسوية" إلى المناهج التربوية لكي يتعرف أبناءنا إلى نتائج حركات النضال النسوي في العالم، كما يتعرفون على رائدات التحرر النسوي في سورية، إذ من غير المعقول أن نرى جيل بنات اليوم أقل وعيا وتحررا من أمهاتهن بالأمس.. أين السوريات المدافعات عن حقوق المرأة، أين الأحزاب التقدمية والمؤسسات الحكومية من مجتمعات مازالت ثقافتها الماضوية تقتل المرأة وتغتصب حريتها ثم تتوقع تكرار انتصاراتها التي حققتها عندما كانت دولة تنحو باتجاه التقدم والتحرر الإجتماعي ..
ذكرى: في عام 2005 قدمت طلب ترخيص مجلة نسوية لاعتقادي بأن المرأة هي نقطة المركز التي ترسم دائرة المجتمع، وأن الثقافة النسوية هي مقدمة ازدهار الأمم ، وقد أحصيت حينها في أسواقنا أكثر من عشرين مجلة نسوية عربية تقدم المرأة بوصفها شكلا كما لو أنها جارية في سوق النخاسة.. ولم يعطني رئيس الوزراء آنذاك الترخيص فبدأت بكتابة مقالات ساخرة عن سياسته الحكومية حتى استدعاني وقال لي أن وزير الإعلام (صديقي) هو من أوصى بعدم إعطائي الترخيص تجنبا للشغب والإرباك الذي قد أسببه لهم !؟ كان اسم المجلة "بنت البلد" وقد جهزت مع طاقم التحرير العدد الأول الذي لم ير النور فخسرت البلاد منبرا تنويريا وخسرت ربع مليون ليرة .. والآن أتساءل: هل لدينا مجلة نسوية محترمة تتابع شؤون نساء سورية ومظالمهن .. بل هل لدينا حركة نسوية مبشرة بانتصارات قادمة .. الجواب هو ماسيحدد مستقبل حروبنا المستمرة.. المجد للشهداء الأحياء منهم والأموات.
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد