هل هناك نقد تلفزيوني عربي؟
لا يفسر العاملون في التلفزيون، أو أكثريتهم ولا سيما <النجوم> منهم، أي مقال نقدي عن أعمالهم ومحطاتهم، إلا من زاوية شخصية.
البعض يعتبر ذلك تضخماً في <الذات> عندهم. وقلة من <النقاد> تعترف بأن <الخط مقطوع> بين العاملين في الصحافة المكتوبة وبين التلفزيونيين، مما يترك الساحة خالية للتفسيرات الخاصة التي ترضي الغرور، وترمم الصورة التلفزيونية التي تحتاج يومياً إلى العناية.
فالنقد التلفزيوني ما زال بلا <تقاليد> علمية. ولم يتمكن بعد من ترسيخ نفسه وإنتاج لغته وقاموسه وأدواته. باختصار، ما زال انطباعات شخصية ومزاجاً في معظم الحالات. فغالبية العاملين فيه لا ينطلقون من قاعدة أكاديمية أو من خبرة وتجربة، ولا يحركها دافع الاقتراب من التلفزيون، صناعة ومؤسسات ولغة وعالماً وعاملين، لفرض حوار يغني العمل بالخبر والمعرفة وبالتواضع.
فوق هذا، وفي مقابل تضخم الذات التلفزيونية، تدجج الغالبية النقد بالسياسة والأيديولوجيا، لتواجه من موقع <المشاهد الصلب> العدو أو الآخر، أي <الآلة التافهة>.
فالحرب الباردة مستمرة بين الجريدة والتلفزيون الذي يعتقد كثيرون من العاملين فيه، ومن الناس عامة، أن الجريدة تغار منه. ولعل هذا صحيح، أحياناً، لكنه ليس سبب النقد. فالسبب الأبرز للنقد هو الاحتقان الثقافي والأخلاقي والسياسي الموجود لدى <النخبة>، بل لدى فئات واسعة من <الشعب> تجاه التلفزيون، كآلة وكمادة وكأداة دعائية...الخ. ومن هذا الخلل تتسلل قلة المعرفة بالتلفزيون ومعها المشاعر الشخصية والحسابات الخاصة وعدم وجود ثقافة وتقاليد نقدية... فتنطلق الأحكام يميناً ويساراً.
إذاً، ثمة عنجهية وتعنت متمكنان على <الجبهتين>، حالا دون حوار بين التلفزيون و<نقاده>، مما جعل النقد، في العموم، قراءة شخصية غالباً ما تفتقد إلى <المعلومة> والمعرفة.
لا بد، هنا، من الإشارة إلى أن تعالي <النقاد> وقلة المعرفة لدى معظمهم، تقابلهما لا شفافية التلفزيون والعاملين فيه، بالإضافة إلى تضخم الذات لا سيما لدى النجوم أو من يحسبون أنفسهم كذلك.
لعل هذا ما حال دون أن يتمكن النقد الصحافي من ممارسة إحدى أهم مهماته، وهي التوثيق للتلفزيون من الداخل. والسبب نفسه، مع أسباب شخصية لدى <النقاد>، يجعل الكثيرين من <كتاب> المقالات يعتقدون أنهم <نقاد> ويترفعون حتى عن العمل الصحافي في البحث عن المعرفة والمعلومة والرأي والرأي الآخر... فتقرأ <قطعة> يفترض أنها عن التلفزيون فإذا بها عن <نفس> كاتبها ومن نفسه ولنفسه أحياناً.
أخيراً، ليس أمراً عابراً أن تكون الغالبية الساحقة من <النقاد> الذين يكتبون للصحف، ليسوا متفرغين للعمل الصحافي المتابع للإعلام المرئي والمسموع. فهم إما صحافيون معنيون بقطاعات أخرى، وإما <يبحثون> عن عمل. أما <الصحافيون> الذين يكتبون عن التلفزيون وبرامجه ونجومه في المجلات الفنية (لا الصحف)، فلعلهم أقرب إلى المعلومة، لكن المشكلة مع معظم هؤلاء هي أن مصادرهم شخصية، بالإضافة إلى أن منسوبها المعرفي محدود.
ربما، ما زالت الإجابة عما إذا كان هناك نقاد تلفزيون عرب أم لا، سابقةً لأوانها.
هذا التحقيق الذي يعرض كل رأي مشارك على حدة يطرح السؤال.
مهند الخطيب (ATV):
هناك نقاد وهناك مفسدون
أعتقد أن أي إجابة عن هذا السؤال، حول الناقد والنقد التلفزيونيين العربيين، لا بد أنها ستكون تحت تأثير تجربة الشخص الذي يجيب مع النقد. فثقافة النقد ممارسة وقبولاً متدنية في مجتمعاتنا، وغالباً ما تكون شكلية وتحت تأثير المصلحة والانفعال الشخصيين.
هذا في المطلق، أما في ما يخص النقد التلفزيوني، فأعتقد أن إشكاليته تكمن في أن كاتبه يقوّم ما يراه على الشاشة، بينما يحسبه صاحبه العامل في التلفزيون نقداً له شخصياً واستهدافاً لاسمه ووظيفته، لا سيما أن البيئة التلفزيونية معقدة ولا تخلو من الأذية، والمنافسة فيها تأخذ أحياناً أشكالاً سلبية وغير شرعية بالمعنى الأخلاقي.
أحاول أن أبقي قراءتي النقد التلفزيوني في منأى من الفعل ورد الفعل، أتعامل مع ما أقرأه يومياً حول التلفزيون وبرامجه عموماً باعتباره مادة أحاورها، أوافق على البعض ولا أتفق مع البعض الآخر. منها ما يستحق أن يعتبر نقداً ومنها ما لا تتوافر فيه الشروط المهنية لأن ينشر. وهناك نقاد وصحافيون حقيقيون ومجتهدون وهناك من هم عكس ذلك ويسيئون إلى النقد والصحافة. فأنا هنا قارئ ولا أقبل أن أتحول إلى كاتب أو سلطة على الكاتب، كما يحلو لبعض التلفزيونيين الذين يجدون أقلاماً تقبل أن يملى عليها، تماماً كما لا أقبل أن يتدخل أحد من موقع الرقيب أو الموجه في ما أقوم به ويظهر على الشاشة.
فيصل القاسم:
التلفزيون كان بوقاً وهم الآن أبواق
مع وجود نحو مئة وأربعين قناة فضائية عربية والعديد من المحطات الأرضية، بات التلفزيون يستهلك جزءاً كبيراً من وقت الإنسان، وغدا مصدراً للتسلية والتثقيف والتنوير الأقوى بين وسائل الإعلام الحديثة، ناهيك عن أنه بدأ يلعب دوراً خطيراً في صوغ السلوك الاجتماعي والتوجهات السياسية لدى المشاهدين، إلا أن نخبنا لم تحاول، حتى الآن، سبر أغوار الوافد الجديد وترشيده وكشف مخاطره وفوائده وتأثيراته في الأجيال بطريقة علمية نزيهة.
ليس غريباً أن يكون محدوداً عدد النقاد التلفزيونيين البارزين الذين يمكن الاعتماد على تحليلاتهم وتعليقاتهم. فالتلفزيون لم يكن منذ ظهوره على الساحة العربية إلا بوقاً للبيانات والتصريحات الرسمية. ربما لهذا السبب لم يكن هناك داع للنقد. لكن الأمر تغير الآن بعدما تغير دور التلفزيون. صحيح أن بعض الصحف والمجلات العربية بدأت تفرد صفحة خاصة بالتعليق على البرامج التلفزيونية وتقويم أداء الفضائيات، إلا أن المادة التي تقدمها ضعيفة ولا تتناسب مع حجم التدفق التلفزيوني في كثير من الأحيان، ناهيك عن أن الكثير من المتنطحين للتصدي للمادة التلفزيونية لا علاقة لهم بالعمل الإعلامي، وتنقصهم المهنية والصدقية. والأنكى من ذلك أنهم أشبه بمحققين مخابراتيين.
طالما أن مهنة النقد التلفزيوني مرتبطة بالحياة السياسية، فإنها ستظل أقرب إلى العمل الحزبي والدعائي منه إلى العمل التنويري والتحليلي.
محمود سعد (MBC):
كل من يشاهد التلفزيون ناقد
لا أرى مبرراً لوجود ما يسمى نقدا تلفزيونيا. لا حاجة اسمها نقد تلفزيوني. فالتلفزيون مادة مفتوحة وتصل إلى الناس جميعاً، وتالياً يمكن لأي كان أن يكتب عما يشاهده. كاتب سياسي مثلاً يشاهد برنامجاً كلامياً فيعلق عليه، أو أديب أو مخرج يشاهد مسلسلاً فيكتب عنه. فكل من يشاهد التلفزيون هو ناقد، أو يجب أن يكون كذلك.
هذه ميزة التلفزيون. إنه ملك الناس جميعاً، على خلاف السينما التي يقصدها من يريد أن يتفرج على الأفلام.
وجهة النظر هذه لا تعدم وجود نقد تلفزيوني متخصص في العديد من الصحف العربية، وأنا أقرأه وأتابع العديد من النقاد والصحافيين المعنيين بهذا الشأن، وأحترم عملهم وأقلامهم، وأستفيد من آرائهم، من موقعي كصحافي وكعامل في التلفزيون على حد سواء.
زاهي وهبي (المستقبل):
الناقد هو المحب
هل هناك نقد تلفزيوني؟ السؤال يضمر تشكيكاً في ما يسأل عنه. إذ لو كان الأمر محسوماً لما خطر في البال مثل هذا السؤال.
إذا كان من الفضل البدء بالنصف الملآن من الكوب، أي بالنعم، فلا شك ثمة <نقد> تلفزيوني، لكنه نقد صحفي على الأغلب، انطباعي في معظم الأحيان، شأن نقد الشعر ونقد المسرح ونقد الرواية حيث يغيب النص الأكاديمي والمتخصص إلا نادراً وفي <منابر> متخصصة. ولست أفاضل بين الانطباعي والأكاديمي، إذ قد يكون الأول، مرات، أكثر صدقاً وحرارة، أو لنقل إن الانطباع الإنساني هو الأصدق في التعبير عن وجهة نظر صاحبه. لكن آفة هذا النقد أنه يقع في الحيز العاطفي الوجداني أكثر من وقوع في الحيز العقلي المهني.
ومرد اللا، في الإجابة، إلى كون معظم النقد لا كله، ينطلق من مواقف جاهزة وآراء مسبقة وأفكار معلبة، بحيث يفقد الكثير من صفات <النقدية>. إذ إن إشكالية العلاقة بين الناقد والمنقود، خصوصاً في الصيغة اللبنانية، لا تخلو من التباسات الصيغة نفسها، حيث الخلفيات الطائفية والسياسية والأيديولوجية حاضرة في كل أمر، ومن ضمنها أمور التلفزيون ونقده ونقاده.
<الناقد الكبير لا بد أن يكون محباً كبيرا>، يقول الروائي العربي الطيب صالح. وأشاركه الرأي، لا بمعنى أن يعطي الناقد علاوة للمنقود، بل بمعنى أن يحبه ليستطيع أن يعلمه وأن يضيف إليه.
جوزف عيساوي (الحرة):
هيمنة الأيديولوجيا
السؤال نفسه يطرح على الصحافة العربية وحقها النقدي في الأدب كما في الفن والتلفزيون وسواه.
نعم ثمة متابعات جيدة لما تعرضه الشاشة الفضية، بمقدار من الأيديولوجيا ينقص أو يزيد بحسب الكاتب والمنبر. وأرى في العديد من الفضائيات العربية أو التي تبث بالعربية مساحات من الحرية والتنوع أكبر مما تحويه الصحف العربية التي تحتاج، أكثر من المحطات، من ينقدها.
برهاني على ذلك نسبة القراء الهزيلة بحيث لا يزيد أكبر توزيع لصحيفة لبنانية عن 15 ألف نسخة يومياً، بينما وصل في سبعينيات القرن الماضي إلى 60 و70 ألف نسخة يومية حين عدد السكان أقل إلى حد النصف.
ألا يعني هذا هيمنة الممنوعات واللغة الأيديولوجية ونقص الحرية والمرونة والمهنية؟
من ناحية ثانية، ورغم توافر الاسهامات النقدية للتلفزة في الصحافة المكتوبة، لا بد أن تتولى وسائل الإعلام الجماهيرية بمفاعيلها الضوئية ساحقة القوة والجبروت، نقد قيمها نفسها وبرامجها وتنميطها للحياة وتوحيد الذوق والتحكم بأدق المشاعر والرغبات.
فهل من شاشة عربية تتجرأ على برنامج مماثل لما تعرضه القناة الرابعة البريطانية من نقد لبرامجها وبرامج المحطات الأخرى، ولما تعرضه tv5 و 6 وسواهما من كشف لآليات تركيب الصورة والإعلان التلفزيونيين؟
زافين قيومجيان (المستقبل):
لا تطور
نعم هنالك ناقد عربي. لأنه ببساطة كل عربي ينتقد في الصحافة أو الإذاعة هو ناقد عربي. ولكن المشكلة هي أن هذا الناقد لم يتطور مع تطور التلفزيون وخصوصاً في السنوات القليلة الماضية. ولا يشمل كلامي الجميع، وإنما يركز على الأغلبية الطاغية.
فالتلفزيون اليوم في العالم العربي لا يشبه نفسه كما كان قبل خمس سنوات، بينما النقاد هم هم كما كانوا قبل خمس سنوات، لا بل تتراجع أفكارهم تحت وطأة <تقديس> ما هو أبيض وأسود وقديم.
المشكلة الثانية هي أن الناقد العربي غير محترف وغير متفرغ وغير متخصص في مجال نقده. والأهم أنه مسكون بهاجس التعالي وعقدة الثأر التاريخيين للصحافة المكتوبة، من منطلق أن التلفزيون هو وسيلة <بنص عقل>، وكثيراً ما تكون المقالات النقدية بمثابة <فشة خلق> وأخذ بالثأر.
أما المشكلة الثالثة هي أن عدداً من النقاد يعملون في تلفزيون ما وينتقدون التلفزيونات الأخرى... وهذا يقع في باب جنحة تضارب المصالح.
هنالك منحى ليكون النقد سلبيا وسلبيا فقط... وهذه أكبر المشاكل.
عبد الرحمن الراشد:
الوقت باكر
أعتقد أن لدينا نقاداً فنيين أكثر مما عندنا نقاد تلفزيونيون. ولعل السبب يعود إلى حداثة عهد هذا النقد، بينما كثيرون يواكبون الفنون والفنانين، ومنذ زمن بعيد. فالصناعة التلفزيونية، عندنا، لم تتحول بعد إلى موضوع للنقد والمواكبة. ومتى حصل ذلك يمكن الحديث عن نقد تلفزيوني.
جابر عبيد (أبو ظبي):
متابعات مزاجية
أتمنى أن نجد بيننا ناقداً تلفزيونياً. فدور الناقد مهم بالنسبة إلينا نحن العاملين في هذه الصناعة المزدهرة والتي تشهد تحولات متسارعة، سواء أكان على المستوى العربي أو على المستويات المحلية المختلفة والمتفاوتة، بالإضافة إلى الإطار العالمي الأوسع.
ثمة مفارقة غريبة، ألا وهي أن النقد ما زال كما كان في العقود الماضية حين كان التلفزيون أداة دعائية رسمية، أي أن معظم ما يكتب عن التلفزيون هو متابعات متفرقة مزاجية أكثر مما هي نقد. وما يلفتني في هذا الإطار هو أن النقد لا يواكب التطور الذي تشهده الصناعة التلفزيونية، ولا يستفيد بالشكل المطلوب من مناخ الحرية.
شخصياً، كنت في السابق أهتم أكثر للنقد، لكنه أحبطني وجعلني لا أثق به.
سامر حمزة:
علاقة فوقية
نادرة هي فرصة أن يتاح لأحد <الصحافيين الاستهلاكيين> (بحسب تعبير الصحافة المكتوبة) أن ينقد النقاد. فالتلفزيون في العالم العربي لم ينقد جريدة بمضمونها أو بشكلها، إلا إذا كان الهدف سياسياً أو حزبياً تنافسياً. فالتلفزيون يتعامل مع الجريدة كالمعلن المجاني، يعرض عناوينها كل صباح من دون تعليق في معظم الأحيان، بينما تفرد الصحف صفحات نقدية لمضمون التلفزيون وشكله. وما يلفتني هنا، هو تسمية هذه الصفحات مثل <صوت وصورة>، <فن وتلفزيون> و<فضائيات وفنون> الخ. وهذه مفارقة كامنة في اللاوعي عند الصحافة المكتوبة. فالتسميات لا تشير بشكل مباشر إلى صحافة مرئية أو إعلام مرئي أو غيره، وكأن في إغفال الهوية الإعلامية عن التلفزيون عدم اعتراف بأهليته للوصول إلى هذه المرتبة السامية، وربما في الأمر محاولة احتكار للصحافة من قبل الصحف، أو بعضها على الأقل. فعلاقة الجريدة بالتلفزيون تتسم بالفوقية.
<النقد المكتوب> هايد بارك للريموت كونترول، يرفع بحسب الذوق الشخصي من شأن هذا المذيع ويصف تلك المذيعة بالسذاجة. لعلي أتذكر نقاد الطعام في أميركا. ففي استطاعة هؤلاء رفع شأن مطعم نيويوركي أو إقفاله بمقال. هؤلاء يتناولون الطعام مثلما نفعل جميعا لكنهم لم يحصلوا على لقب <ناقد> إلا بعد شيب وخبرة.
ضحى شمس:
اختراع مهنة
أعتقد أن الناقد النقد التلفزيوني العربي هو مهنة قيد التكوين. مشكلة النقد في بلادنا انه ليس علماً يدرس بقدر ما هو، شأن صنائع أخرى، حرفة يتتلمذ فيها الناقد صبياً على شيوخ المهنة. والمشكلة هنا انه لا شيوخ تقريبا في هذه المهنة الفتية في بلادنا. مشكلة الناقد التلفزيوني العربي انه يتعلم المهنة وهو يخترعها. فالتقنيات المتطورة من جهة، وتعدد طيف أشكال التمويل والبث والأداء في عالم التلفزيون، يجعلان من هضم هذه التفاصيل التي لا يستكين تطورها وتغيرها شيئا بالغ الصعوبة.
لا أظن أن هناك وصفة يقوم بها المرء من أجل أن يصبح ناقدا تلفزيونيا. فالنقد في الأساس موهبة تصقلها التربية والمتابعة والانصات والمشاهدة، إضافة إلى التقيد بأخلاق المهنة. ولا تستطيع أن تتطور إلا في مناخ من حرية التعبير والبلوغ الفكري. وبلوغ الرشد عليه أن يصيب الجمهور والنقاد، والمنتقدين من أهل الإعلام المرئي والمسموع. وما زلت أذكر سجالا دار بيني وبين رئيس هيئة الإذاعة البريطانية كان من أرقى أشكال التعاطي مع النقد. أما المحليون من الزملاء، فمعظمهم يتصل بصاحب الجريدة ليشتكي، ومنهم من يتملق بالدعوة إلى مقابلات حول أي موضوع، كأن الأمر شبيه بالنصيحة الانتهازية <طعمي التم بتستحي العين>، كما لو أن الظهور على الشاشة هو نوع من غذاء جاع إليه الناقد فانتقد، ولو لم يجع لما اعتدى.. وفي الأمر من ظلم ذوي القربى، المهنية بالطبع، ما لا يطيقه الإنسان.
أخيراً، ان النقد التلفزيوني متعدد وتنوع. وفي كلمة ناقد تلفزيوني تعميم ربما يجب تفريعه بالقول: هذا ناقد تلفزيوني، وهذا ناقد برامج تلفزيونية.
مريم الكعبي:
نقد انطباعي
النقد عملية مستمرة ترتبط بعملية المشاهدة، فإذا اعتبرنا أن المادة التلفزيونية هي الرسالة فلا بد للمتلقي أن يكون بالضرورة ناقدا، إذا كان متفاعلا إيجابيا لا سلبيا مع الرسالة الموجهة إليه.
الاختلاف في هذا الموضوع يعود إلى مستويات النقد، أسلوب النقد، الحجة والبرهان والخلفية الثقافية التي تحدد مصداقية الناقد، ونوع النقد.
هناك نقد انطباعي نقوم به كردة فعل إزاء ما نشاهده، نعبر عنه بالرفض والاستنكار أحيانا، بالهجوم أحيانا، بالقبول والموافقة على ما يبث في أحيانا أخرى كثيرة. ولا يدخل هذا الأمر في إطار النقد إلا إذا دعمنا تلك التوجهات بحجج وبراهين وأمثلة، وأعدنا الأمر إلى أسباب معينة بنينا عليها آراءنا النقدية. هناك نقد متخصص، وهو أكثر موضوعية. فالشخص يحيّد مشاعره وآراءه الخاصة لصالح النقد المهني المعتمد على نظريات، وعلى أسس علمية تبنى على أساسها مادة النقد. لعلنا في وطننا العربي نفتقد هذا النوع من النقد، إلا أنه لا يمكن تجاهل أهمية النقد الانطباعي ودوره في التوعية والإرشاد، وأهميته في التطوير والتحسين.
غسان حزين:
بوادر
نادر هو الناقد التلفزيوني عربياً، بالرغم مما يشكله التلفزيون من <حالة> في المجتمع العربي، بخاصة مع انتشار الفضائيات، وازدياد ساعات البث، وتخصص المحطات. فالمجتمع العربي ما زال ينظر إلى التلفزيون بوصفة وسيلة ترفيه بالدرجة الأولى، وبالتالي فإن الاهتمام بالمضمون الإعلامي لم يخرج من إطاره الأكاديمي في الغالب.
هناك بوادر لوجود نقد تلفزيوني، تتمثل في صفحات وملاحق صحفية تهتم بالبرامج الفنية بالدرجة الأولى، معطية البرامج الأخرى ومجمل دورات البرامج القليل من الاهتمام.
ولوجود ناقد تلفزيوني يجب توافر مجموعة عوامل، أهمها وجود حاجة إلى هذا النقد. فالنقد التلفزيوني الحالي لا يخرج في إطاره العام عن نقل مجريات الشاشة إلى الصحيفة، وهو مغفل للدور الإعلامي الواسع الذي يمثله التلفزيون والخطورة التي يشكلها كوسيلة إعلامية سريعة الانتشار ولا محدودة الجمهور تقريبا. ان التعامل مع الصورة التلفزيونية كمادة إعلامية خالصة، من دون النظر إلى معطيات أخرى مرافقة، مثل توجهات المحطة ونوع جمهورها ومدى توافق أو تصادم ما تقدمه من برامج مع أفكار جمهورها، يعطي صورة مشوهة لدى الناقد أولا، ولدى الجمهور ثانياً.
حسان الزين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد