مصر: هزيمة رمزية لـ«الداخلية» في الورّاق
أصيبت الدولة المصرية أمس بنكسة قوية في جزيرة الوراق، بعدما أجبر أهلُها المئات من قوات الأمن على الانسحاب ووقف عمليات هدم المنازل، وذلك بعد مواجهات أدّت إلى مقتل شخص وإصابة 60 آخرين، بينهم 31 مجنداً وضابطاً في الشرطة
هزيمة قاسية، ورمزية في آن واحد، مُنيت بها الدولة المصرية عموماً، ووزارة الداخلية على وجه الخصوص، في الوراق. أهالي الجزيرة النيلية، الواقعة في محافظة الجيزة، فوجئوا بسيارات الشرطة وعربات الإزالة تقتحم المنطقة عند الساعة السابعة صباحاً، ولكنهم تصدّوا، بشكل مثير للدهشة، للتعامل العنيف الذي انتهجته وزارة الداخلية مجدداً، فاشتبكوا مع عناصر الأمن على مدار أكثر من خمس ساعات، قبل أن تضطر القوات الأمنية، التي توقعت مواجهة أقل عنفاً، إلى الانسحاب التدريجي، وتأجيل تنفيذ قرارات الإزالة لأكثر من 130 منزلاً، وذلك إلى أجل غير مسمى.
وللمرة الأولى، منذ فترة طويلة، تخسر وزارة الداخلية معركة مع الأهالي، مع العلم بأنّ مواجهة من هذا القبيل كانت متوقعة، خصوصاً أن عمليات الإزالة في المناطق العشوائية، أو غيرها، غالباً ما كانت تصاحبها اشتباكات واعتراضات، سواء من قبل المقيمين في المنازل، التي تقول الحكومة إنها غير قانونية، أو الذين قاموا ببنائها.وتشي المواجهة في الوراق بتحوّل ملفت للانتباه، خصوصاً أن الدولة المصرية سبق أن تمكنت من حسم مواجهات مماثلة، جرت في مناطق كثيرة، خلال الأشهر الماضية، واستخدمت فيها الجرافات، وحتى القنابل لتفجير المنازل المبنية على الأراضي الزراعية، أو تلك التي قام أصحابها ببنائها من دون الحصول على التراخيص على الأملاك العامة.
المواجهة الشرسة بين أهالي الوراق ووزارة الداخلية بدأت عندما انطلقت من مكبرات الصوت في المساجد الدعوات إلى الصمود، والبقاء في المنازل، والتصدي لعمليات الهدم.
وما زاد الاحتقان أن أحداً من المسؤولين لم يتوجه إلى الأهالي، للحديث معهم، قبل عمليات الإزالة التي أطلقتها الجهات الحكومية بشكل مفاجئ.
وأطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع باتجاه الأهالي، والخرطوش لتفريقهم، ولكنها لم تستطع الصمود كثيراً، حيث انتهت الموقعة بسقوط قتيل، ونحو 60 جريحاً، فيما تم اعتقال عشرة أشخاص، ممن وصفتهم وزارة الداخلية بـ«مثيري الشغب».
وقالت وزارة الداخلية إنّ القوة الأمنية توجهت إلى جزيرة الوراق من أجل تنفيذ نحو 700 قرار إزالة، ودراسة تقنين أوضاع الأراضي في الجزيرة، لكنها فوجئت باعتداءات على أفراد الأمن، استخدمت فيها الأسلحة النارية والخرطوش والحجارة، ما تسبب في إصابة 37 من أفراد الشرطة، بينهم ثمانية ضباط برتب مختلفة.
وتقول الحكومة المصرية إنّ الأهالي لا يملكون أوراقاً للمنازل التي يعيشون فيها، خصوصاً بعد وقف إصدار أي تراخيص بالبناء في الجزيرة منذ فترة طويلة، مشيرة إلى أن إخلاء الجزيرة النيلية يهدف إلى تنفيذ مخطط لتطوير هذه المنطقة، وأنها تدرس تعويض مالكي الأرض الذين يملكون عقوداً موثّقة في الجهات الرسمية، بما يمكّنهم من الحصول على أموال في مقابل مغادرتهم لمنازلهم.لكن الأهالي يرفضون عدم اعتراف الحكومة المصرية بملكيتهم للمنازل التي يقيمون فيها، خاصة أن هناك أسراً تعيش منذ أكثر من 20 عاماً بلا عقود في المنازل، ولا تملك أيّ مأوى آخر يمكنها الانتقال للعيش فيه، في حين يطالب المالكون للأراضي والمنازل بضرورة تعويضهم بمنازل في النطاق الجعرافي ذاته، وبالمساحة ذاتها لمنازلهم الحالية، وليس تعويضهم مالياً، خاصة أن قيمة التعويضات التي طرحت بشكل مبدئي لا تتناسب مع القيمة السوقية للأرض في حال بيعها لمقاولين.وفي ظل فشل حملة الإزالة، أمس، تكون المواجهة بين الحكومة وأهالي الوراق قد فتحت على مصراعيها، خصوصاً أن ما جرى أمس شكّل ضربة قوية لهيبة وزارة الداخلية من جهة، وعثرة على طريق تنفيذ قرارات حكومية، بتوجيهات رئاسية.وقالت مصادر أمنية لـ«الأخبار» إنّ قرار وقف تنفيذ الإزالات وتأجيلها إلى أجل غير مسمى صدر من جهات عليا بعد سقوط القتيل الأول، وذلك لحقن الدماء، خصوصاً أن القوات الأمنية أبلغت قيادات وزارة الداخلية بعجزها عن التصدي للأهالي، وطلبت مزيداً من الإمدادات.وبحسب المصادر، فإن لجنة ستشكل من قبل جهات عدّة في الدولة للبحث في سبل التعامل مع الموقف خلال الفترة المقبلة. وكانت وزارة الداخلية قد نفذت مئات حملات الإزالة خلال الشهرين الماضيين، ضمن الحملة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لاسترداد أراضي الدولة، وإزالة الإشغالات عليها، حيث تم تحصيل أكثر من ملياري جنيه، ويجري العمل على تسوية أوضاع تضخّ ضعفي هذا المبلغ في الخزينة العامة، بعدما قررت اللجنة المعنية إعادة بيع جميع الأراضي بأسعار اليوم، سواء لواضعي اليد أو لجهات أخرى.ووافق السيسي على خطة حكومية لتضع السلطات يدها على 81 جزيرة في نهر النيل، من بينها جزيرة الوراق، التي تصل مساحتها إلى 1300 فدان، وتتحول بذلك الجزر النيلية التي تتميز بموقع فريد في مختلف المدن، وخاصة في القاهرة، إلى مراكز مالية وتجارية يتم طرحها للمستثمرين لإعادة استغلالها.واعتمدت الحكومة الخطة التي تهدف إلى إجلاء الأهالي عن هذه المناطق بأقل تعويضات ممكنة، خاصة أن غالبية المقيمين فيها لا يملكون عقود تمليك، سواء للمنازل التي يقيمون فيها أو للأراضي المزروعة، علماً بأن الجيش يسيطر على جزيرة المعادي في وسط القاهرة، ويقوم باستغلالها تجارياً.
الأخبار
إضافة تعليق جديد