من الأردن إلى الشعب السوري.. العون «الإنساني» المشروط!

15-12-2016

من الأردن إلى الشعب السوري.. العون «الإنساني» المشروط!

الجميعُ يبكي على الشعب السوري، فمن يمدُّ يدَ العون؟ في الواقع الجميع يمد يد العون، لكن ليس لأيٍّ كان، إذ يبدو أن كُثُراً من الخيّرين والمحسنين ينتقون الحالات التي يقدمون لها الدعم «الإنساني».
هذا ما يقوله سَيْرُ الأحداث في بلدٍ كالأردن، بلد لم ينقسم أهله على مسألة بقدر انقسامهم على المسألة السورية. ومن يتتبع اختلاف وجهات النظر في هذه المسألة، فلن يكون من الصعب عليه تحديد خريطة المساعدات التي تقدمها الهيئات الأردنية المدنية للشعب السوري. المسألة هي إذن بهذه البساطة، ومن دون أن ننسى إضافة وصف «الإنسانية» للمساعدات رغم كل الاعتبارات التي تسبق تقديمها.
يشير الطبيب والناشط السياسي عماد الحطبة  إلى أن أول قرار اتخذته نقابة الأطباء حال فوز تيار «الإخوان المسلمين» فيها، إلى جانب تشكيل مجلس النقابة، كان حَلّ لجنة الدعم الطبي لسوريا، وقد قامت هذه اللجنة بتوزيع حليب الأطفال في داخل سوريا بغض النظر عن انتماءات أهالي هؤلاء الأطفال، بل إن أول دفعة حليب أطفال أرسلتها اللجنة كانت إلى الرقة السورية، لتقول لمن يوالون «المعارضة» في الأردن والعالم العربي إنه «في العمل الإنساني لا نسأل المحتاج والمصاب عن انتمائه، نساعده ونترك شأن محاكمته للدولة».
ويتساءل الدكتور الحطبة «هل يملك طفلٌ عُمره أقلّ من عام توجهاً سياسياً؟»، ليشفع سؤاله بتساؤلٍ أكبر، «إذاً، كيف تقوم النقابة بإلغاء اللجنة حال وصول الإخوان إلى النقابة بحجة أننا نرسل الحليب لأطفال (الرئيس السوري) بشار الأسد؟».
ويُجيبُ الحطبة على تساؤله بأن الدعم «الإنساني» في العصر الحديث «بات لمن نؤيده سياسياً، بغضّ النظر عن إنسانيته. بل ثمة أغراض سياسية تقف خلف مساعدات إنسانية تقدم، من دون أن يتم التشكيك في أن في هذه المنظمات أفرادا لديهم نية صادقة في تقديم العون الإنساني».
وعند سؤال عضو لجنة الإغاثة الدكتور بلال عزام عن سبب حلّ لجنة الدعم الطبي لسوريا من قبل مجلس النقابة الجديد الذي تمّ انتخابه قبل أشهر قليلة، نفى أن يكون هذا أول قرار اتخذته النقابة، ما يعني أنه كان واحداً من قراراتها! لكنه أجاب عن استفسارنا بأن «الهدف هو المساعدة في الداخل، إذ إن في الأردن ما يقارب المليوني لاجئ سوري، فها هم داخل الأردن فلماذا نذهب إلى الأراضي السورية؟».
ببساطة، هنالك عددٌ كبير من المنظمات يقدم العون «الإنساني» للاجئين السوريين في المخيمات الأردنية، يقدرها الحطبة بنحو خمسة آلاف منظمة تقدم العون الإنساني في مخيم الزعتري في الأردن، موضحاً انها «تتنوع بين منظمات دولية وعربية، وحتى إسرائيلية، إذ إن منظمة (إسرائيل إيد) تقدم مساعدات هناك طبعاً إضافة إلى جمعيات محلية أردنية. بينما في الداخل السوري وتحديداً في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، فالأمر يقتصر على الهلال الأحمر السوري ومنظمات إيرانية وروسية بالإضافة إلى منظمة (UNHCR) التي تقدم نزراً يسيراً من المساعدات، كما أن هناك تجمع السوريين في أوروبا الذي يقوم بجمع مساعدات لسوريا». فيما المناطق الموجودة بيد المسلحين تتلقى مساعدات من ذات الجهات التي تقدم الدعم في مخيم الزعتري، بحسب الدكتور الحطبة.
هنا تبدو السياسة واضحة تماماً، من وجهة نظر الحطبة، إذ تم إلغاء لجنة الدعم الطبي لمجرد أنها تقدم عونها الطبي لأراضٍ سورية واقعة تحت حكم «الدولة السورية»، التي يراها «الإخوان المسلمون» معاديةً لهم. لذا يحتد الدكتور عزام لدى سؤاله بأن مخيم الزعتري يتلقى دعماً كثيراً من دول عديدة، ويسأل بعصبية عن الهدف من التقرير الذي نعده، وماذا يهمنا من إعداده، ثم يصرّ على رفض الإجابة.
هذا التوتر الذي بدر من عزام لا يمحوه هدوؤه اللاحق، عندما وعدنا بجلسة وتوضيح الموضوع بصورة أفضل، إذ نفى بعدها أن تكون اللجنة قد حُلّت واعتبر أن النقابة قامت بتوسيع مظلة الإغاثة، لتغيث أي ملهوف كان أردنيا أو لاجئا عربيا، بشرط أن يقيم داخل الأراضي الأردنية.
باختصار على شقيقنا السوري حتى يتلقى العون الأردني الإنساني، أن يترك وطنه ويأتي للأردن كي يحصل على عون!
واعتبر الدكتور عزام أنّ تقديم العون لدولة أخرى «لا بد ان يتمَّ من خلال الدول لا المنظمات، وأننا كأردنيين علينا التنسيق على الشأن الداخلي». هكذا يتناسى أن لجنة الدعم الطبي لسوريا أنشات في وقت سابق عيادةً بمواصفات عالية في دمشق في مخيم اليرموك، بالإضافة إلى افتتاح مستشفى ميداني في بابا عمرو، ونسي شحنات الأدوية والحليب التي تم إرسالها إلى الداخل السوري جرّاء تعاون اللجنة مع لجنة الحليب والدواء لأطفال سوريا في نقابة المحامين.
لكن الحطبة يؤكد من جهته أن اللجنة حُلّت، وأطلعناعلى قرار مجلس النقابة الذي طلب من أعضاء اللجنة تزويد المجلس بكافة محاضر اجتماعات لجنة الدعم الطبي لسوريا وبكشوف المصاريف المالية وإيرادات اللجنة، وقد تلا ذلك قرار حلّ اللجنة نهائياً الذي لم ينكره بداية عزام  المرة الاولى، لكنه نفى أن يكون أول قرار اتخذه المجلس.
ببساطة، فإن جميع الأردنيين مدعوون اليوم للتخلي عن قيم طالما سكنتهم، ومنها تقديم العون للأخ الشقيق، لمجرد أنه تشبث في أرضه ولمجرد أنه يعيش تحت حكم نظام تعارضه تيارات سياسية في هذا البلد! رغم أنه، وقبل أكثر من عشرين عاماً، انتفض الأردنيون وتقاسموا مع الشعب العراقي قوت يومهم أثناء حرب الخليج الثانية. أما اليوم فثمة حالة برود تتملك الشعب، ودراستها في ظل ما سبق بات أمراً سهلاً.
رغم حل اللجنة، لكن الحطبة وبصفة مستقلة يقوم اليوم هو وناشطان اثنان فقط في الأردن بجمع مساعدات لتأمين بطانيات تقي السوريين في حلب برد الشتاء، وهم يعلمون جيداً أن أيديهم لن تتمكن من جمع ثمن 180 ألف بطانية، وهو عدد اللاجئين السوريين في مدينة حلب، لأنه مبلغ كبير، في ظل إحجام الناس عن تقديم العون لأهلهم في سوريا، رغم إقبالهم الشديد على التنظير سواء أكان ذلك تنظيراً ينتصر للنظام السوري أم «المعارضة»، لكن عند لحظة تقديم العون للشعب السوري، فإن جيوب الأكثرية تصمت، وهي حجر عثرة جديد يضاف للمعوقات السابقة التي تواجه أي ناشط يرغب في تقديم العون الإنساني لشقيقه العربي.
بل ثمة دول عربية تحتاج إلى العون أكثر من سوريا اليوم مثل اليمن، لكن المنظمات الدولية «الإنسانية» لا تتطلع إليها، لأنه ببساطة لا مصالح سياسية للدول العظمى فيها، بحسب كلام الحطبة.

رانية الجعبري

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...