جيش الاحتلال يسوّق لنفسه عبر «باب الحارة»
حين أُنجز الجزءان الأوّل والثاني من مسلسل «باب الحارة»، لم يكن صُنّاع العمل يتوقعون له ربع الانتشارِ الجماهيري الّذي حقّقه في غضونِ عامَين. كرّت سُبحة الحكاية بعد ذلك، وتحوّل أبطالُ «حارة الضبع» إلى «كلاسيكيات رمضانية» لها عددٌ مهولٌ من المتابعين والعُشّاق. كذلك لم يتوقّع المنتجون أن يتحوّل المسلسل مادّة ترويجيّة للناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي.
نشر الأخير عبر حسابه في موقع «فايسبوك» تسجيلاً يُظهره جالساً برفقة من قال إنّهم «جنودٌ إسرائيليّون مُسلمون». يبدو الفيديو مصنوعًا بطريقة درامية تحرص على محاكاةِ جملةِ أدواتٍ ومظاهرَ سائدةٍ عربياً. يجلس الإسرائيليون الأربعة على مقاعدَ واطئةٍ حول طاولة مُذهّبةٍ تحمل أباريق نحاسيّة يسكب منها أحدهم فنجان قهوةٍ مُرّة ويقدّمه لأدرعي. المهباج العربي حاضرٌ في طرفِ الكادرِ أيضاً.
يظهر الفيديو لقطةً عامّة تجمع «المُمثّلين الأربعة»، يليها تقطيعٌ متناوبٌ بين المتحدّثين الحريصين على تقديمِ أنفسهم كُمشاهدينَ مُلمّين بآخر تطوّراتِ «باب الحارة». يتحدّث أحدهم عن غيابِ شخصيّة «معتزّ» (وائل شرف) ليعاجله آخر بمعلومةٍ مغلوطة، واضحٌ أنّها استُخرجت من النتائج الأولى لأبحاث محرّك «غوغل»، تفيد أنّ «أبو شهاب» (سامر المصري) عائدٌ إلى المسلسل هذا العام.
على امتداد دقيقةٍ كاملةٍ يواجه أدرعي الكاميرا، ويتحدّث بلغةٍ معسولةٍ غنيّة بـ «الكليشهات» الإنشائية، عن قيمِ التسامح والغفران والمحبّة الّتي يمثّلها شهر رمضان. يختتمُ الضابط الإسرائيليّ كلامه بباقةِ عباراتٍ يُكرّرها المُسلمون على سبيل التهنئة بشهرِ الصوم. وبعد مشاركة الفيديو الترويجيّ، نشر الناطق باسم جيش الاحتلال تسجيلاً لمنسّق أعمال «الحكومة الإسرائيلية» في الأراضي المحتلة يواف مردخاي يهنّئ فيه «مسلمي الشرق الأوسط» بحلول شهرِ رمضان.
المؤسف أنّ كلام الناطق باسم جيش الاحتلال لاقى تفاعلاً إيجابياً من بعض المعلّقين. هذا التقرّب المفضوح من العربِ عامّة، ومن المسلمين خاصّة، تحوّل إلى سلوكٍ يجهد إدرعي تكريسه على الدّوام من خلال مواقع التواصل الاجتماعيّ.
اعتمد الناطق باسم جيش الاحتلال على استراتيجيّة مدروسة للتقرّب من الناشطين العرب خصوصًا عبر «فايسبوك» (مع 950 ألف متابع) و «تويتر» (مع أكثر من 129 ألف متابع). ينشر أدرعي على صفحاته رسائل «إنسانيّة» باللغة العربيّة ويحرص على معايدة المسلمين والمسيحيين في كلّ المناسبات. تغريدات المحتلّ الاستفزازيّة شملت معايدة فيروز في ذكرى مولدها الثمانين، واقتباس عبارة «عيوننا إليك ترحل كلّ يوم» من أغنية «زهرة المدائن» لربطها بصورة لجنديّ إسرائيليّ.
لا يتوانى أدرعي عن الردّ على منتقديه والتفاعل معهم، فأعاد مساء أمس نشر تغريدة للمذيعة في قناة «الجزيرة» غادة عويس جاء فيها: «يأبى فيخو إلا أن يهرّج في كلّ عام». وكتب الضابط في جيشٍ يتفنّن في قتل المدنيين: «قل لي ماذا تكتب أقل لك من أنت. الاختلاف حق لكن الاحترام واجب لشخصك أولًا قبل الآخرين. ما خطته يمثل ثقافتك التي لا ولن تثنيني البتة في الاستمرار بعكس الصورة الحضارية وفي تهنئة من يستحق التهنئة والاحترام. رمضان كريم عليك، ذنبًا مغفورًا وصومًا مقبولًا».
يحقّ للعدوّ أن يستخدمَ سلاح الميديا كما يشاء، وإذا كانت بعضُ التعليقاتِ الّتي باركت ودّ «فضيلة الشيخ أدرعي» مثيرةً للخزي والخجل، فإنّ بعضَها الآخر أظهر أنّ في هذه البلاد من لا يزال وفيّاً لقضيّته ولدماءِ من راحوا كرمى لها.
رامي كوسا
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد