مغارة القديسين في صيدنايا.. حيث التاريخ لا ينفصل عن الحاضر
هناك في دير مار جرجس في صيدنايا، تقبع مغارة شهداء الاحتلال العثماني لسوريا، الذين أعدموا في القرن السابع عشر، ودفنوا في تلك المغارة التي يأتي إليها الزائرون من مختلف المناطق نظراً لأهميتها ورمزيتها، خصوصاً في هذه المرحلة.
حكاية مغارة القديسين، كما يحلو لأهل صيدنايا تسميتها، بدأت قبل قرابة 1500 عام، عندما سكنها بعض الرهبان والنساك في القرن الخامس الميلادي، وحولوها إلى مكان يمارسون فيه الطقوس الدينية.
المغارة هي واحدة من عشرات المغارات الموجودة في صيدنايا في ريف دمشق، لكن خصوصيتها تكمن في كونها تحتضن رفاتات مجموعة من الشهداء الذين ينظر إليهم على أنهم قديسون نظراً للأسباب التي قضوا لأجلها، كما أنها ترتبط باسم القديس «مار جرجس» الذي يعتبره أهالي صيدنايا شفيعهم، ويرتبطون به روحياً أكثر من غيره من القديسين.
الرواية الشعبية المتداولة في المنطقة، والتي يحرص الأب سابا جريوس على نقلها لزوار المغارة، تقول إنه قبل أكثر من 400 عام، كان هناك قائمقام تركي موجود في المنطقة، وقد أصابه المرض، وبعد طول معاناة لجأ للكهنة والنساك الذين يعيشون في المغارة، فما كان منهم إلا أن صلوا لشفائه.
انتشر هذا الخبر بسرعة، ووصل للوالي العثماني الذي عزل قائمقام المنطقة على الفور، وأرسل جنوده الذين قاموا بإعدام الرهبان في المغارة ودفنهم فيها، ويقال إنه كان معهم مطران أيضاً، ومن ثم ردمت المغارة بفعل العوامل الطبيعية وبقي منها فتحة صغيرة من الجهة العلوية.
مر الزمن على هذه المغارة، وباتت الأجيال غير قادرة على تحديد موقعها بدقة، لكنهم يعرفون أنها في هذا الجبل، وقد أعيد اكتشاف موقعها بالصدفة من خلال الفتحة العلوية لها، والتي كانت السبب في دفع الناس لحفرها واكتشاف ما في داخلها، فظهرت المغارة من جديد وفيها الرفاتات وقنديلٌ وبعض الدلائل الأخرى، وقد وضعت الرفاتات في ركن من المغارة ووضع فوقها أيقونة رمزية.
تحولت المغارة بسرعة إلى مقصد للناس، وبني فوقها دير باسم القديس مار جرجس عمره الآن قرابة 300 عام، وفيه أيقونات قديمة وذات دلالات هامة، إلى جانب أيقونة الأبيتافيون المهداة من بطريرك روسيا.
المغارة لوحدها بمعزل عن الدير كانت مقصداً للناس منذ اللحظة الأولى التي أعيد فتحها فيها، وهي لا تزال كذلك، حيث بات أهالي صيدنايا ينذرون النذور ويأتون للمغارة للصلاة، ويرافق ذلك طقس لطالما مارسوه، يتمثل بلصق قطع نقدية على سقف المغارة.
يقول زائرو المغارة إن رائحة طيب الرفاتات تفوح منها، كما أنهم لا يفصلون التاريخ عن الحاضر في نظرتهم لشهداء المغارة، معتبرين أن العثمانيين الذين أعدموا القديسين هم ذاتهم من يعدمون السوريين اليوم. ويقول الأب سابا عن العثمانيين: «لقد حاربوا الثقافة والحضارة».
تحظى المغارة بهالة من القداسة تزداد في عصرنا الحالي بسبب الأزمة التي تمر بها سوريا ودور الأتراك فيها، حيث يزورها الناس بشكل شبه دوري، وقد تضاعف عددهم بين العامين 2013 وبداية 2016.
وأضيف للمغارة بعض اللمسات الروحية التي أضفت عليها قدسية إضافية من خلال جعلها أشبه بالكنيسة، واتاحة المجال للزائرين لكي يصلوا فيها، إضافة إلى تزيين مغارة فرعية فيها على شكل مغارة الميلاد.
المغارة التي ارتكب فيها العثمانيون مجزرة وقضوا على حياة الرهبنة فيها قبل مئات السنين تحولت اليوم إلى أيقونة تم تعزيزها وتثبيت وجودها من خلال دير مار جرجس الذي لم يكتف الروس بتقديم أيقونة الأبيتافيون له، وإنما أهدوا هذا الدير جرساً يقرع كل يوم.
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد