الجيش السوري يتقدم في سهل الغاب وريف اللاذقية
للمرة الأولى يظهر رئيس أركان الجيش السوري على الشاشة، ويعلن بنفسه عن بدء عملية عسكرية.
كانت العادة أن يتولى المتحدث الرسمي باسم الجيش السوري مهمة الإعلان عن نتائج بعض العمليات المهمة، ولم يحدث من قبل الإعلان عن معركة بالتزامن مع الشروع فيها.
وبينما كانت أسراب الطائرات السورية ـ الروسية تنفذ غارات مكثفة على مناطق في سهل الغاب وريف اللاذقية الشمالي، أطلّ العماد علي أيوب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش العربي السوري، وقال: «اليوم بدأت القوات المسلحة السورية هجوماً واسعاً بهدف القضاء على مجموعات الإرهاب وتحرير المناطق والبلدات التي عانت من الإرهاب وويلاته وجرائمه».
وأشاد أيوب بالدور العسكري الروسي، رابطاً بينه وبين محافظة الجيش السوري على الإمساك بزمام المبادرة، حيث قال: «بعد الضربات الجوية الروسية التي خفضت القدرة القتالية لداعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، فقد حافظت القوات المسلحة السورية على زمام المبادرة العسكرية، وشكلت قوات بشرية مزودة بالسلاح والعتاد كان أهمها (الفيلق الرابع اقتحام)».
وأكد مصدر مطلع أن إطلالة العماد ايوب تنطوي على العديد من الدلالات، وتحمل رسائل موجهة إلى أكثر من جهة. منها، أن سوريا دخلت مرحلة جديدة من الحرب فيها وعليها، وأن الجيش السوري بدعم حلفائه وأصدقائه هو من يمسك بزمام القيادة في هذه المرحلة ولن يقبل بأن تكون الكلمة الفصل إلا له مهما كانت الظروف ومهما غلت التضحيات. ومنها، أن الجيش السوري قادر دائماً على تجديد نفسه وتطوير إمكاناته بحسب احتياجات المعركة ومتطلباتها، وأنه كما صمد طوال خمس سنوات أمام أشد هجمة إرهابية في التاريخ الحديث، فإنه قادر على ابتكار أساليب جديدة للانتقال إلى مرحلة الهجوم الاستراتيجي واستعادة الأراضي التي خرجت من تحت سيطرته.
وشدد المصدر على أن ظهور العماد أيوب ليدلي بهذا التصريح يدل على ثقة القيادة شبه المطلقة بقدرات الجيش وإمكاناته، وإلا كان يمكن لأي رتبة أدنى منه أن تتولى مهمة هذا الإعلان. أما أن يصدر الكلام عن القائد العملياتي الأرفع في الجيش فهذا له مغزى أعمق وأعم.
وكان لافتاً أن تصريحات العماد علي أيوب صدرت صباح أمس، أي في اليوم التالي لبدء معركة ريف حماه الشمالي، فيما تحدث هو عن بدء عملية واسعة «اليوم» (الخميس). وهذا ترك انطباعاً بأن معركة ريف حماه الشمالي ليست هي المقصودة بالهجوم الواسع الذي أشار إليه رئيس الاركان، وإنما المقصود هو معركة سهل الغاب وريف اللاذقية.
وفي هذا الصدد قال مصدر آخر إن «معركة ريف حماه الشمالي هي معركة تمهيدية وثانوية، لها أهدافها الخاصة بالتأكيد، ولكنها مع ذلك استُخدمت للتمويه على الهدف الرئيسي ولتشتيت قوات العدو الإرهابي ولفت أنظاره إلى منطقة بينما الهجوم الأساسي سيجري في منطقة أخرى».
وبعد ساعات فقط من إطلاق معركة ريف حماه الشمالي، بدأ الجيش السوري، صباح أمس، هجوماً واسعاً في سهل الغاب وريف اللاذقية الشمالي الغربي بمشاركة من سلاح الجو الروسي الذي أصبح يشكل الغطاء الجوي الرئيسي لأي هجوم يقوم به الجيش السوري.
ولا تبعد الجبهة الجديدة في سهل الغاب عن جبهة ريف حماه الشمالي التي امتدت بين مورك واللطامنة سوى ثلاثين كيلومتراً فقط.
والقاسم المشترك في كلتا العمليتين، أي ريف حماه وريف اللاذقية، أن العمود الفقري للقوة المهاجمة كان من «الفيلق الرابع» حديث التأسيس والذي أشار إليه العماد أيوب في تصريحه آنف الذكر.
وتشير المعلومات إلى أن «الفيلق الرابع» يتكون من الفرقة الثانية والفرقة السادسة، الثانية تعمل في الساحل السوري، أما السادسة فاختصاصها ريف حماه الشمالي.
وقد انطلقت العملية العسكرية في سهل الغاب في ريف حماه الشمالي المتاخم لريف إدلب الجنوبي وريف اللاذقية، من محورين هما محور خربة الناقوس باتجاه تل واسط، ومحور جورين ـ البركة باتجاه البحصة.
وقد أحرز الجيش تقدماً سريعاً على المحور الثاني حيث سيطر على قرية البحصة بعد اشتباكات عنيفة مع مجموعات «جيش الفتح»، وواصل طريقه ليسيطر على بعض أجزاء قرية فورو، بعدما عمل على تثبيت مواقعه في البحصة وتحصينها.
ومن المتوقع بعد السيطرة على فورو أن يتقدم الجيش باتجاه قرية السرمانية المشرفة على مدينة جسر الشغور.
وكانت الطائرات الروسية شنت غارات على سهل الغاب في ريف حماه وسلسلة جبل الزاوية ودمرت نقاطاً لـ «جيش الفتح». وترافق ذلك مع قصف الجيش السوري المنطقة ذاتها بالمدفعية وراجمات الصواريخ. كما شنت الطائرات الروسية سلسلة غارات على مراكز «جيش الفتح» في بلدة قرقور والشيخ سنديان في ريف حماه وسلسلة جب الأحمر في اللاذقية.
وفور بدء القصف التمهيدي على محاور جبهة سهل الغاب، أعلن الشيخ السعودي عبدالله المحيسني، وهو القاضي العام في «جيش الفتح» عبر حسابه على «تلغرام» الاستنفار العام، طالباً «إبلاغ جميع القيادات العسكرية وأصحاب المضادات والقناصين بمؤازرة المنطقة».
كذلك انطلقت العملية العسكرية في ريف اللاذقية من محورين هما جب الغار باتجاه قرية جب الأحمر، ومن دورين باتجاه ضاحية سلمى. وكان التقدم المهم الذي أحرزه الجيش هو السيطرة على قرية جب الأحمر والتلال الأربع المحيطة بها، والسيطرة على قرية كفر عجوز. وأهمية تلال جب الأحمر خاصة التل الرابع من جهة صلنفة أنها محاذية لتلال السرمانية الحاكمة وتشرف بشكل كامل على سهل الغاب وتعطي المسيطر عليه ميزة الاستطلاع بالعين المجردة حتى محمبل وصولاً إلى مدينة أريحا، كما تمنحه التفوق الناري نتيجة الارتفاع. كذلك فإن السيطرة على قرية جب الأحمر تقطع خط إمداد الجماعات المسلحة بين جسر الشغور وبين ريف اللاذقية.
وأكد مصدر ميداني أن وحدات من الجيش السوري تقدمت أيضاً من قرية دورين باتجاه ضاحية سلمى وحققت خرقاً نادراً على تلك الجبهة التي يسيطر عليها المسلحون منذ بداية الأزمة تقريباً، تمثّل بسيطرتها على بعض المباني على مدخل الضاحية، لكن الوحدات اضطرت إلى الانسحاب نتيجة ضراوة المواجهات. غير أن المصدر اعتبر هذا الخرق خطوة مهمة سيكون لها ما بعدها في القريب العاجل.
في غضون ذلك، استمرت الاشتباكات على جبهة ريف حماه الشمالي لليوم الثاني على التوالي. وأفاد مصدر ميداني أن معارك، أمس، تركزت على محور المغيّر ـ كفرنبودة، مؤكداً أن وحدات الجيش السوري تمكنت من السيطرة على بعض كتل الأبنية في الطرف الجنوبي من البلدة، وهي المرة الأولى التي تصل فيها طلائع القوات إلى هذه النقطة. غير أن المصدر أشار إلى صعوبة المواجهات وإلى صعوبة بلدة كفرنبودة التي وصفها بأنها «جوبر حماه» في إشارة إلى مدينة جوبر بريف دمشق، بسبب كثرة الأنفاق فيها، لذلك فإن التطور على هذا المحور متوقف على قدرة الوحدات المتقدمة على التثبيت في الأبنية التي سيطرت عليها، معتبراً أن حدوث ذلك يعني أننا سنكون أمام تقدم سريع في الأيام التالية.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد