عن الزواج والأمومة والحب والفن في يوم المرأة العالمي

13-03-2015

عن الزواج والأمومة والحب والفن في يوم المرأة العالمي

حين توفي جدي الملقب بأبي علي عن عمر يناهز المئة (جدّ أمي) وجدوا في خزانة ثيابه علبا كبيرة مليئة باللوز والجوز والزبيب. مات حزينا لأن جدتي لم تنجب له صبيا. لم يفده الغذاء الكامل ولا «صحّارة» الليمون التي كان ينهيها بجلسة واحدة، ولا الخسّ الإفرنجي الذي كان يزرعه في حديقة المنزل ويبيعه لسكان القرية. تسع بنات كبرن قبالته، تسع بنات تفتحن بسرعة وصرن إناثا. لم يعرف بأن الرجل هو الذي يحدد جنس المولود والأنثى تحدد العدد، ولم تعرف هي أيضا. فجدتي التي أتذكرها بشعر أبيض وأسنان لم تستبدلها بأخرى اصطناعية والتي عايشت الحرب العالمية الأولى والثانية والحروب الكبيرة والصغيرة، لم تكن تعرف كيف حبلت. كانت تحبل فقط وهذا هو عملها الموجودة لأجله. وفي كل مرة تلد فيها فتاة كانت تتعرض للضرب وللعنف اللفظي والجسدي. لم تحب جدي يوما وتوفيت غاضبة من جنس الرجال كله.
أمي معلمة المدرسة، أحبت ابي الشاعر كثيرا، كان يعانقها بالقصائد طيلة الوقت. تعارفا في دار المعلمين والمعلمات وعاشا قصة حب خلاّبة بالرغم من الفقر والحرب والأحلام المتكسرة. في عيد ميلادها أهداها قصيدة بعنوان «أعبد آذار» خططتها وأطّرتها وعلّقتها في غرفة الجلوس. في عيد الحب أهداها قصيدة «سمراء»، قرأتها بفخر لزميلاتها في المدرسة. أبي أَحَب أمي وأحب النساء جميعهن. كلهن جميلات بنظره ولكل واحدة سحرها وسرّها وطريقة لإغوائها. أمي لم تكن امرأة لعوباً ولكنها طباخة ماهرة. قضت ليالي حزينة، ليعود النهار ويوقظها على تعب جديد برائحة الطبشور والحليب والأرغفة. قبلت الحياة كما هي، أطفالها الأربعة منعوها من الرحيل. وحب أقنعها بالتضحية لأجله ومجتمع ينظر إلى المطلقة نظرة خبيثة. ربما أحبّت مجازه وربما أحب طعم التبولة من يديها القشيبتين!
أما أنا فقد قضيت خمس سنوات في زواج (سابق) أسأل نفسي أي غبي اخترع فكرة الزواج وجرّنا إليها بكامل وعينا؟ ألا يمكننا العيش وحدنا، الوحدة أيضا جميلة ودافئة ولها ساعات صخبها بالرغم من انها لا تنجب أطفالا. وهل وجود الأطفال لا بدّ منه ومن دونهم لا نصل أقطاب إنسانيتنا؟ ألسنا بهم نكرّر حياتنا خطوة خطوة ونجترّها كما فعل آباؤنا؟ كان زواجا مريعا، مع رجل أروع بمفاهيمه الناقصة عن الحب والزواج والعائلة. طبعا أخطأت في اختياره، لكني لم اتوانَ للحظة عن تصحيح هذا الخطأ، انتصارا لجداتي النساء.بالرغم من ان الدخول الى المحاكم الشرعية وتفاصيل الأحوال الشخصية أفهمني تماما ان المرأة بنظر الدين كائن أقل من الرجل.
الأمومة فن
 انتاب الإعلامية السعودية المقيمة في لبنان بثينة الناصر حالة من التهكم على الجو السائد في عيد المرأة. تقول: «كيف لا وأنا أرى نسوة يحملن شعار تحرر المرأة وهن فعليا جاريات، منهن من تتنقب وتلغي هويتها ومنهن من يقطر البوتوكس من خلايا وجهها المشبعة بالدهون، وكل منهما سلّمت وباعت روحها لآلة سوق النظام الرأسمالي البغيض، والأسوأ هن المتباريات على قيمة «مهر» أكبر للزواج. والأبشع من يزغردن في حفل زفاف طفلة على عجوز. كل هذا وجرائم الشرف والختان والعنف الأسري وقضايا لم تقفل بعد». بثينة التي عملت خلال حياتها المهنية على ملف المرأة بكثافة ترى ان تدهور الأوضاع الإقتصادية والأمنية في العالم العربي وتفشّي ظاهرة التطرف اليوم يجعلان القضية الأكبر هي قضية أمة تتعرض لصنوف الإستهدافات ومحاولات تغييب تأثير الفرد فيها ذكرا كان أو أنثى. بثينة الناصر أم لولد تربيه وحدها، تقول عن الأمومة: «احترم حرية كل من تختار أن لا تخوض هذه التجربة، بل أشكرها اذ اعترفت لنفسها بعدم الأهلية لهكذا مهمة تقوم بها كثيرات من الفاشلات والفاشلين. فالأمومة موهبة ونوع من الفنون».
الرائدة في أدب الأطفال فاطمة شرف الدين لا تنسى قصة بكاء جدتها الشديد عند ولادتها (بحسب ما أخبرتها أمها) فقد كانت تنتظر صبيًّا، ومن اجل إرضائها، سمّوها باسم جدتها. كانت تشعر بالفرق بينها وبين أخيها الذي ولد بعدها بسنتين. في المدرسة كان أهلها يُشجعون الصبي للتقدم والنجاح بينما لم يكن من يكترث لنجاحها.عيد ميلاده حدث مهم، أما عيدها فيمر بهدوء. شعرت بهذا الفرق طيلة الوقت، لكن قوة الحب في العائلة جعلتها تكتفي بما تحصل عليه. عيد المرأة لا يعني لها شيئًا على الصعيد الشخصي. هي تؤمن بالفعل والعمل والنضال وليس بالعناوين والكليشيهات والبروباغندا. تعتبر نفسها امرأة حرّة بسبب جهد بذلته للوصول إلى استقلالية مادية تراها فاطمة الوسيلة الوحيدة التي تقوّي المرأة في عالمنا العربي، ولن تصل إليها إلا بالعلم وعدم الاتكال على الرجل. تقول: «أتميز بما أنجزه على الصعيد العملي والمهني،لا أود أن يقدسّ انوثتي أحد، ولا أن أكون قدوة لأحد. أقارن نفسي اليوم بما كنت عليه البارحة وبما أطمح إليه غدًا. الكتابة هي وسيلتي لتمرير مبادئي وهواجسي للجيل الصغير».
فاطمة قنديل دكتورة جامعية وشاعرة مصرية تقيم في القاهرة، لها ستة إصدارات شعرية. التقيتها في مهرجان لشاعرات عربيات في دمشق قبل سنوات. اعتبرها مثالا للمرأة الحرّة والمستقلة. جرأتها في ابتكار أفكار قصائدها، ومواقفها الإنسانية الحاسمة لا يدلّان على انها عوملت بدونية في طفولتها، ولكن كثيرة هي الصعاب التي كان على فاطمة قنديل تخطيها «لا لكي أُعامل بندية فقط، وإنما كي أتجاهل معاملتي بدونية وأتعالى عليها». الشاعرة تبوح بأنها تعرّضت للعنف خلال حياتها وتعتبرها ذكريات أليمة لا تود الخوض فيها «ما كان يهمني في ذلك الوقت البعيد هو أن أنجو بذاتي، أعني ألا يحولني ذلك العنف إلى شخص عنيف كردّ فعل، إلّا في الكتابة طبعا، الكتابة عنف ممنهج. عن الحقوق التي تتمنى ان تحققها لذاتها ردّت بحسم: «انا لا أضع الحقوق في مجال التمنيات انا أحصل عليها». تؤكد فاطمة ان المرأة المصرية أعادت اكتشاف نفسها منذ 25 يناير، وحظيت بحرية غير مسبوقة في «أيام الفردوس»، كما سمّتها، تعاملت كندّ ربما للمرة الأولى، بعد سنوات من القهر. هي سعيدة لأنها تكبر في العمر، ليضعها الآخرون على مسافة من النص الذي تكتبه، فيضطرون للتعامل معه بشكل «إنساني» لا «نسوي». لم تنجب فاطمة قنديل أطفالا ولا تندم على خيارها هذا ولا تظن أن الأمر له علاقة بالاكتمال، انوثة وانسانية المرأة، وهذه الكلمة لا وجود لها في معجمها اللغوي.
يوم المرأة العالمي
 تعتبر جنى الحسن الروائية اللبنانية ان عيد المرأة يكرّس التمييز بين الجنسين. فالرجال برأيها يحتاجون إلى يومٍ سنوي لتسليط الضوء على ما يعانون منه. تقول: «لقد سئمنا فعلاً من التعامل معنا كجنس مستضعف يحتاج إلى مناسبة للاحتفال به، وبمَ نحتفل فعلاً؟ الحياة الحقيقية تحدث في مكانٍ آخر والنساء المضطهدات لا يجدن منبراً في غالب الأحيان ليتكلّمن منه». تواجه جنى الحياة كل يوم كرجل وإمرأة وترى رجالاً ضعفاء ومسلوبي الإرادة ومضطهدين أيضاً. آلة القمع لا تفرّق بين الجنسين. جنى الحسن التي وصلت روايتها «طابق 99» الى القائمة القصيرة لجائزة بوكر للرواية العربية. تزوجت وتطلقت وأصبحت أمّاً في سن مبكرة وهذا ما قوّاها وعلّمها التماسك والمواجهة. هي لا تؤمن بالأمومة كخلاص للنساء. تقول: «مجتمعنا يضع النساء في قوالب جاهزة ومعدّة مسبقاً لهن، فإمّا حواء التي أغوت آدم أو حواء أخرى يجب أن تحتمل حماقته». تعرضت الروائية لممارسات تعسفية في مسار حياتها. لكنها انتصرت لنفسها بأن تكون كما تقتنع وكما تريد ان تكون. «ما اتمتع به من قوة الآن هو حصيلة ما راكمته في داخلي من أسى. لذا لا يمكنني أن أرى مجتمعنا بعين الرضا لأني أعرف مدى قسوته وخبثه».
أسماء الحاج علي شاعرة وإعلامية فلسطينية، لها مجموعتان شعريتان، تعمل في فضائية القدس. فبعد فلسطين والأردن والإمارات تقيم الآن في بيروت. أحبّت شابا فلسطينيا وتزوجته وعاشت معه سبع سنوات وانجبت منه ثلاثة أولاد. وبعدها وقع الإنفصال متعدد الأبعاد عن الرجل الذي كان من المفترض ان يكون شريكها وعن اولادها وعن وطنها. تتذكر اسماء: «ظلم الرجل لي من خلال تجربة شخصية لم يكن إلا جزءا من ظلم اجتماعي متكامل». بدأت الشاعرة من الصفر في مجتمع صعب وقاس أشعرها بالضعف والإنهزام حتى كادت تصل لحالة أشبه بالجنون، «ولكن لوهلة تحكمنا الفطنة بالأشياء وان كانت قمة بالقسوة». تعرّضت اسماء لعنف جسدي من قبل زوجها، مثلها مثل الكثيرات من نساء أوطاننا. تركت رام الله التي أحبتها كثيرا وعادت مضرجة بالخيبة. «كسبتُ نفسي وكرامتي واحترامي وحقي بأن أظل على قيد الحياة»! كأي امرأة مهزومة ارادت النجاة، لكن قلة من الرجال انصفوها. «كنت في كل تجربة أطعن من الخلف». تتفاجأ شاعرتنا بهذا الكم الهائل من الخداع، وتسأل: هل نفد الرجال؟
 تعتبر الإعلامية رابعة الزيات ان يوم المرأة العالمي هو يوم ككل الأيام الفلكلورية. تحدث فيه المؤتمرات والخطابات والإحتفالات من جهة، ويتزايد الإجحاف في حق المرأة على الصعيد النفسي والجسدي والإجتماعي من جهة أخرى. تكثر القوانين لصالح المرأة ولا ينفذ منها شيء. «انا لا أحتفل بهذا العيد ولا أعايد أحدا». لم يحاربها رجل، أضافت، بالرغم من تعرضها لبعض الممارسات السلطوية التي تعتبرها طبيعية من قبل من تعمل لديهم. تقول: «شكلي الجميل ساعدني على الوصول الى ما أنا عليه ولكنه ليس كل شيء، فالجمال وحده لا يكفي لكي أحاور شخصيات من جميع الميادين، والجمال لا يكفي لكي أبقى ناجحة فترة من الزمن في عالم مليء بالجميلات». في عملها تعرضت لمضايقات او غيرة من قبل الرجل كما المرأة. وبرأيها ان المرأة التي تربي رجلا صالحا او طالحا، لها دور كبير في ما هي عليه اليوم من قوة او ضعف، من احترام او خنوع وتعنيف. تعتبر رابعة الزيات ان الرجل، في عالم الإعلام المرئي قادر على التعبير بطريقة حرّة وعلى تجاوز السائد. بعكس المرأة التي عليها المرور بين العقبات دون ان تغير مبادئها وأفكارها ودون ان تقع في المحظور. الأمومة بالنسبة لها حاجة اساسية، هي كينونتها، أنوثتها، هي نجاحها، هي سبب حكمتها ووعيها. تطالب رابعة كمواطنة لبنانية بحق المرأة بإعطاء الجنسية لأولادها، وحق المرأة بالمشاركة بالحياة السياسية وبقانون لمحاكمة معنّف المرأة.
تربت عايدة صبرا المخرجة والممثلة اللبنانية في عائلة عرفت كيف توزّع عاطفتها بالتساوي بين الجنسين. فكانت مدللة ورفيقة أمها في رحلاتها الخارجية كما كانت تصطحبها الى السينما والمسرح. واستطاعت تحقيق ما تتمناه بالرغم من معارضة والدها لبعض الأمور كدراستها للمسرح وزواجها برجل من غير دينها. تعزو الممثلة سبب عدم تعرّضها للعنف الى انها تتعامل بإيجابية مع كل الأمور. عايدة صبرا جرّبت الأمومة وتعتبرها من أجمل الأمور التي حدثت لها في الحياة، وتضيف: «على الأم وعي المسؤولية الملقاة على عاتقها وادراك اهمية أن تكون أماً. فالتربية السليمة تتطلب الكثير من الصبر والوعي والثقافة لتساعد أولادها على تحقيق ذواتهم والتعامل مع مجمل الأمور وتخطي الصعاب التي قد يواجهونها وبالتالي ليصبحوا في المستقبل رجالا يحترمون المرأة ويقدرون عطاءها. إنه عمل دائم ومستمرّ». في مسرحيتها الأخيرة «من الآخر»، عالجت المشكلات التي تعترض حياة الثنائي بعد سنين طويلة من الزواج. تعتبر عايدة صبرا نفسها محظوظة بزوج منفتح ومتفهّم لطبيعة عملها ومثمّن لكل ما تقوم به في سبيل عائلتها. كُرّمت من قبل اتحاد الشباب الديموقراطي في يوم المرأة العالمي وهي سعيدة بهذا التكريم.
أميمة الخليل تركت بيروت، في يوم المرأة، وزوجها وإبنها وابتعدت نحو البقاع لتجلس في خلوة مع نفسها. هي تعتبره يوما عاديا لا لزوم له (تضحك) لأن المرأة برأيها كائن قوي بما يكفي فلا داعي للتذكير دوما بوجودها. تضيف صاحبة الصوت الشجي: «في بلد لا حقوق فيه للإنسان إمرأة او رجلا او طفلا، الجميع يعيش فيه على «التوكل» وبالصدفة،لا معنى فيه للأعياد كافة. فاحترام الانسان يأتي ضرورة قصوى ومن بعده تتحقق كل المطالب». وتتساءل أميمة الخليل بسخرية: «اي مرجعية علينا ان نطالب بحقوقنا، من القانون، من القضاة او من الوزارات المختصة او من الدين الذي هو كارثة الكوارث، هو المطرح الذي يقف الانسان فيه ولا يتقدم ولا ينتج ولا يتحرر». في بلد يسود فيه اللامنطق وتهيمن الطوائف والفوضى كيف لأميمة الفنانة الرقيقة ان تحتفل، فكل ما تفعله اليوم هو نتيجة جهدها الشخصي. لذا تقول: «أطالب بوزارة حقيقية تحفظ حقوق الفنانين وشيخوختهم الكريمة». تختصر أميمة المعادلة بجملة تراها قد تغضب بعض الرجال: «المرأة هي كل شيء». هذا ما توصلت اليه بعد علاقة زواج وحياة مليئة بالصداقات والتجارب. فالرجل هو العنصر المساعد للمرأة برأيها، «وهذا هو السبب الأساسي لإضطهاد الذكور للإناث. هم عبارة عن طاقة جسدية فقط يستعملونها ضدنا ليسيطروا»!
فرويد يقول: «السؤال الذي لم اتمكن من الإجابة عليه ورغم بحثي في روح المرأة هو، ماذا تريد المرأة؟». ويقــول كارل ماركس: «لمعرفة مقدار تقدم او تخــلف اي مجتمع لا عليك سوى معرفة مكانة المرأة فيه». ويقول نيتشه: «اذا ما ذهب الرجل الى المرأة عليه ألا ينسى السوط». ما بين الأقوال الثلاثة أفكار شاسعة من الخصوبة والقحط. فلتختر ايها الرجل حصادك!

لوركا سبيتي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...