«النصرة» تفني «حزم» في ريف حلب
مرة أخرى، يكون السلاح النوعي الذي قدمته بعض الدول الغربية إلى فصائل مسلحة في سوريا من نصيب «جبهة النصرة»، المصنفة عالمياً على أنها تنظيم إرهابي.
وليس تجيير هذا السلاح لمصلحة من يفترض أن المجتمع الدولي قرر محاربته، هو المفارقة الوحيدة في ما حصل خلال الأيام الماضية. فقد شكلت أحداث يومي الجمعة والسبت الماضيين في ريفي حلب والحسكة مشهداً فارقاً، وربما مليئاً بالدلالات على أحد جوانب المرحلة المقبلة وطبيعة المواجهات فيها.
وبينما كانت «حركة حزم»، التي ظلت لوقت طويل نسبياً من أكثر الفصائل المدعومة غربياً، وكانت لها حظوة استحقاق صواريخ «تاو» أميركية الصنع، تتعرض إلى إبادة حقيقية من قبل «جبهة النصرة»، التي اقتحمت كل معاقلها في «الفوج 46» قرب الاتارب والمشتل وميزنار والمهندسين بريف حلب الغربي، وذلك تحت مرأى طائرات التحالف الدولي التي، لسبب أو لآخر، لم تقدم أي مساعدة لحلفاء الأمس وتركتهم فريسة سهلة أمام أحد التنظيمات الإرهابية التي جاءت هذه الطائرات لقتاله، وهو «جبهة النصرة»، كانت هذه الطائرات تشق الأجواء في سماء محافظة الحسكة بالتنسيق مع «وحدات حماية الشعب» الكردية التي حققت تقدماً إستراتيجياً ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش».
وهكذا بينما كان أحد التنظيمين يتراجع ويخسر مناطق مهمة له، كان الآخر يتقدم ويستولي على مستودعات أسلحة «حزم» وغيرها من الفصائل التي كانت تتخذ من «الفوج 46» معقلاً لها.
وعطفاً على ما جرى مع «جبهة ثوار سوريا»، المدعومة غربياً أيضاً، لجهة اندحارها وانهيارها خلال ساعات معدودة في ريف إدلب، واستيلاء «جبهة النصرة» على كل مستودعات أسلحتها، فهناك تساؤلات كثيرة تفرض نفسها حول سبب التخلي الأميركي والغربي عن حلفاء الأمس، وعما إذا كان ثمة قرار نهائي باستبدال الأدوات، واعتماد فصائل جديدة تكون رأس حربة في المواجهة على الأرض. والتساؤل الأهم هو: إذا كان تركُ الحلفاء فريسة سهلة أمام «جبهة النصرة» هو الأسلوب الأمثل للتخلص منهم، فلماذا لم تحاول طائرات التحالف حرمان من تعتبرها منظمة إرهابية من اغتنام أسلحة هذه الفصائل عبر تدمير مستودعات الأسلحة، التي كان للدول المشاركة في التحالف الدور الأبرز في تكديسها فيها؟.
وكانت «جبهة النصرة» قد تمكنت، الجمعة الماضي، من اقتحام كل معاقل «حركة حزم» في محيط مدينة الأتارب، غير عابئة باحتجاجات أهالي المدينة الذين خرجوا في تظاهرات للتنديد بقرارها بالهجوم على «الفوج 46»، واستولت على كل مستودعات الأسلحة، التي احتوت على صواريخ حديثة ودبابات وعربات ومدافع وذخيرة وغيرها. وسقط جراء المواجهات التي استمرت لعدة ساعات، عشرات القتلى والجرحى، غالبيتهم من «حزم».
أما في مدينة دارة عزة، فقد آثر فرع «حركة حزم» فيها إجراء تسوية مع «النصرة»، اتفق فيها الطرفان على تحييد المدينة عن القتال، بموجب شروط اتفقا عليها. ثم سرعان ما أعلن فرع الحركة انشقاقه عنها والانضمام إلى «كتائب ابن تيمية» المستقلة. وهو ما يعني أن «حركة حزم» لم يعد لها وجود، ولحقت بالتالي بحليفتها السابقة «جبهة ثوار سوريا» التي لاقت نفس المصير قبل أشهر، وأصبح قادة الفصيلين لاجئين على الأراضي التركية، بانتظار تبدل الظروف والمعطيات ليستعيدوا بعضاً من دورهم، في حال كان هناك فرصة لذلك. وأعلنت «حزم» اندماج مسلحيها في «الجبهة الشامية».
خلال ذلك، لم تخل أحداث ريف حلب من مفاجآت ترقى إلى مستوى الفضيحة، وكشفت جزءاً من حقيقة «فصائل الاعتدال» التي راهنت واشنطن والدول الغربية على دعمها طوال الفترة الماضية بهدف إسقاط النظام السوري. حيث تبين أن أحد مؤسسي «حركة حزم»، التي آثرتها واشنطن على كل الفصائل الأخرى ومنحتها صواريخ «تاو» المضادة للدروع، هو مبايع سابق لكلا التنظيمين الإرهابيين «جبهة النصرة» و»داعش». ويتولى المدعو أبو جلال شلوح قيادة «حركة حزم في دارة عزة»، إلا أن المعروف عنه أنه كان مبايعاً لزعيم «الدولة الإسلامية» أبي بكر البغدادي، ثم انتقل إلى «جبهة النصرة» مبايعاً زعيمها أبي محمد الجولاني، وفجأةً تخلّى عن اللبوس الديني وأصبح أحد مؤسسي «حركة حزم» التي كان يشاع عنها أنها ذات طابع علماني، وأخيراً ترك العلمانية وقرر الانضمام إلى «كتائب ابن تيمية»، وهو ما يعطي فكرة عن طبيعة «الاعتدال» الذي راهن الغرب عليه لوقف تمدد التطرف والإرهاب في سوريا.
من جهة أخرى، نشر نشطاء مقطع فيديو لإثبات أن قائد «لواء شهداء اليرموك» أبو علي البريدي الذي حاربته «جبهة النصرة» في ريف درعا، كان مبايعاً بالفعل لتنظيم «داعش»، حيث ظهر البريدي وهو ينشد أغنية «دولتنا منصورة»، وفيها إشادة واضحة بالبغدادي. وربما هذا ما تطلب الاستمرار في ملاحقة قادة اللواء والتخلص منهم، حيث اغتيل قائد «كتيبة عبدالله رواحة» رضا الزعبي من قبل مجهولين.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد