مهرجان الموسيقى العربية في دار الأوبرا السورية.. فرق من كل مكان
ما كانت الموسيقى لتغيب عن دار الأوبرا السورية التي تعرّض موظفوها لقذائف الموت أكثر من مرة منذ اندلاع الحرب في بلادهم؛ فناهيك عن السيارات المفخخة التي دمّرت واجهة أوبرا دمشق، سجلت الدار استقالات ووفيات بالجملة لكادرها الفني والتقني، بيد أنها شهدت من أيام وبإشراف مديرها الجديد الموسيقي جوان قره جولي فعاليات «مهرجان الموسيقى العربية 14- 18 كانون الأول» حيث جاءت هذه الفعالية كحدثٍ استثنائي بعد حوالي أربع سنوات من برامج فنية متقطعة سيطرت فيها الفرقة السيمفونية الوطنية على معظم حفلات أوبرا دمشق. كسر الاحتكار جاء أخيراً بعد دعوة فرق من حلب وحمص والسويداء لتقديم برامجها في المهرجان الذي يشهد اهتماماً مقبولاً في ظل التهميش لهذه الفرق التي بزغت في الأوساط الفنية بعد هجرة كبيرة للمغنين والموسيقيين السوريين إلى الخارج، وغياب فرق كثيرة كانت فاعلة في أنشطة الدار؛ ليترك المهرجان الباب واسعاً لفرق أعلنت لأول مرة عن نفسها، متقدمةً بريبرتوار موسيقي متعدد في مشاربه وذائقته، رافقه الفنان التشكيلي أيمن فضة بالمواظبة على الرسم الحي للوحته أمام الجمهور طيلة أيام المهرجان. الافتتاح كان مع فرقة «أوركسترا طرب» بقيادة المايسترو ماجد سراي الدين الذي آثر في الأمسية الأولى من المهرجان أداء قطع تراثية وطربية وفق أسلوب المدرسة المصرية؛ ليؤدي كل من المغنين خلدون حناوي وليندا بيطار متفرقات من أغاني هذه المدرسة، بينما اختارت فرقة «مشروع شغف» بقيادة الفنان محمد عثمان تقديم أغانٍ عربية مستمدة من مئة عام في تاريخ الموسيقى العربية التي بدأت عشرينيات القرن الفائت مع سيد درويش وصولاً حتى يومنا هذا، لتبرز هنا موهبة عازف البزق إياد عثمان في أداء مقطوعات متعددة وفق (أكوردات) مرافقة للحن الأصلي التي أدته مع «شغف» المغنية عبير البطل. فرقة «نينوى» كانت حاضرة أيضاً بأسلوبها الخاص في صياغة الجملة اللحنية العربية، ليكون جمهور المهرجان أمام أنماط مقامية صاغها قائد الفرقة الفنان نواف هلال؛ معيداً توزيعها الموسيقي، معولاً على وصلات طويلة من مقطوعات «اللونغا» لكل من رياض السنباطي ووانيس وانطريان؛ في حين حضرت فرقة «نظير مواس» في اليوم الثاني من المهرجان بخمسين عازفاً/ة و/مغنياً/ة لتقدم مقترحها الموسيقي الجديد عبر فقرات متعددة من الأغنيات العربية، إلا ان اللافت في برنامج «مواس» كان تقديم هذه الفرقة للوحة «المصالحة» لكل من وديع الصافي ونصري شمس الدين وفيروز، وذلك بصوت كل من المطربين وضاح إسماعيل وإياد حنا؛ حيث تجلت في هذه اللوحة حكاية وطن أحاله اقتتال الأخوة إلى رماد. فرقة «قصيد» أحيت بدورها اليوم الثالث من المهرجان بقيادة الفنان كمال سكيكر الذي يعمل منذ 2008 على تقديم الأعمال الغنائية العربية بلغة هارمونية أوركسترالية؛ مع الحفاظ على طابع وهوية هذه الأعمال.
يشهد المهرجان أيضاً حضور فرقة «طرب دهب» القادمة من مدينة حلب؛ وبقيادة الفنان براق التناري، مختصاً وفرقته بأداء وصلة موشحات وقدود حلبية من مقام السيكاه، إضافةً إلى مختارات موسيقية وغنائية بدأها قائد الفرقة بأدائه مقطوعة لفاتحة الحفلة بعنوان: «معزوفة موسيقية». المهرجان يزخر أيضاً ببرامج متواصلة وكثيفة عبر مشاركة عشر فرق موسيقية تتصدرها فرقة «لونغا» بإشراف من الفنان مثنى علي، وفرقة « إيميسا» بقيادة عمار يونس، بينما سيؤدي الفنان طارق صالحية أمسية خاصة في هذه التظاهرة بعزفه لمقطوعات شرقية على آلة الغيتار الكلاسيك، جنباً إلى جنب مع مجموعة من الألحان السورية التي ستختتم بها فرقة «جوقة الشام» هذا المهرجان بقيادة الفنان حسام الدين بريمو؛ بينما تتم اليوم التحضيرات في دار الأوبرا ولأول مرة منذ تدشينها كصرح ثقافي في قلب العاصمة السورية عام 2004 لافتتاح مقاهي الدار للمثقفين والفنانين، إذ تعتبر هذه الخطوة نقلة نوعية في تاريخ الأوبرا السورية التي لطالما عانى زوارها من إيجاد حيز لهم للحوار مع أصحاب العروض الفنية المغلقة.
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد