حلب.. بين تجميد النزاع والمصالحة
تسعى «لجنة المصالحة الوطنية» التابعة لمجلس الشعب السوري الى توسيع اختصاصها عبر الحصول على تشريع يحوّلها إلى هيئة تضم سلطتين تشريعية وتنفيذية، وذلك مع تصدر مصطلح «المصالحة الوطنية» العناوين الإعلامية، وبشكل يجري الحديث عنه ليبدو كصورة انعكاسية لمصطلح المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا استيفان دي ميستورا بشأن تجميد القتال في حلب.
ولاقت المبادرة التي قدمها المبعوث الدولي «ترحيباً رسمياً» و«استعداداً لدراستها»، حسب ما صرح مصدر رسمي، في الوقت الذي رفضت فصائل من المعارضة، ممثلة بجهات عدّة داخل حلب وخارجها الفكرة، معتبرة أنها «تمد عمر النظام»، فيما طرحت أخرى «شروطاً مستحيلة» لتطبيقها، وفقاً لتعليق أحد المصادر، ومن بينها «تنحي (الرئيس السوري بشار) الأسد».
لكن ثمة جهوداً تسبق وتيرة عمل المبعوث الأممي، وهي بدأت قبل ذلك بأشهر، وتتخذ اليوم منهجاً أكثر نضجاً.
وفي الرابع من تشرين الثاني الحالي، أرسل رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي مذكرة إلى «لجنة المصالحة الوطنية» المؤلفة من 30 عضواً برلمانياً ينتمون إلى 14 محافظة، طلب فيها «تأطير عمل اللجنة على مستوى البلاد»، وتوسيع نفوذها وقدرتها.
وأكثر من ذلك، حصلت اللجنة على نسخ من «قانون الوئام الوطني» و«قانون المصالحة الوطنية» في الجزائر، للاستفادة من التجربة الجزائرية في حرب «العشرية السوداء» التي شكلت حالة استنزاف أمني امتدت عقداً كاملاً في تسعينيات القرن الماضي.
ووفقاً لما قاله رئيس اللجنة عمر أوسي فإن المجلس طلب تشكيل مرجعية لهذه اللجنة تضم خمسة وزراء وأربعة محافظين (دمشق، ريف دمشق، حمص، درعا)، ورئيس مكتب الأمن القومي بالإضافة إلى أعضاء اللجنة.
وقال أوسي إن من أسباب هذا القرار قطع الطريق على «مجموعات خارجية تدّعي العمل في هذا المجال»، لكنه اضاف انه «من باب التحليل وليس المعلومات، فإن عملها يمكن أن يتقاطع لاحقاً» مع طرح دي ميستورا كخطة عمل في حلب.
وزار دي ميستورا مدينة حمص الأسبوع الماضي، بالرغم من أن عينه كانت على حلب، والتقى مسؤولين حكوميين فيها، بالإضافة إلى ممثلين عن المعارضة المتحصنة في حي الوعر.
غير أن موظفين حكوميين رأوا، في تصريحات، أنه «من غير الممكن جر تجربة حمص على حلب لأسباب كثيرة»، برغم ثقة الجانب الرسمي في أن «المصالحات تمثل أفضل السبل للحد من تفاقم الصراع واحتوائه».
وأبدى ناشطون إعلاميون مخاوفهم من انهيار هدن في منطقة بيت سحم في ريف دمشق (الغوطة الشرقية) ويلدا وببيلا، مع تقدم «جبهة النصرة» الرافض للتسويات في تلك المناطق، في الوقت الذي يزداد الوضع الانساني والميداني صعوبة في تلك المنطقة، ما انعكس تمرداً شعبياً محدوداً على السلطة العسكرية الحاكمة والمحتكرة للمواد الإغاثية.
ولعل البعثة الأممية لا ترغب بدورها في أن ينسحب هذا الوضع على حلب، بل تفضل تسوية تتفق عليها كل الأطراف، ولا تفرض بقوة السلاح أو الحصار، ولا يدفع المدنيون ثمن نضج ظروفها.
وبشكل متزامن، قاربت دراسة ميدانية لمجموعة من الباحثين السوريين والأجانب عمليات الهدن والمصالحات التي تمت أو باءت بالفشل، وآفاق وظروف هذه التسويات. وبالرغم من أن الدراسة الصادرة عن مؤسسة «مدني» تميل في مصادرها وصياغتها إلى جانب الفصائل المعارضة بشكل عام، وتفتقر إلى دقة التوثيق مقارنة باستقصاءات «مجموعة الأزمات الدولية»، إلا أنها تحصي جدياً أهم المعوقات التي تتعثر بها التسويات التي جرت في سوريا.
وتقول الدراسة المؤلفة من 60 صفحة تقريباً إن أبرز عوائق التسويات في سوريا تتمثل في «التدخل الإقليمي، ووجود مقاتلين من خارج المناطق، وغياب الوساطة الموثوقة المستقلة، والرقابة المستقلة، ووجود الفصائل العسكرية الموالية شبه النظامية، إضافة إلى التكتيكات العسكرية (كحالة ظرفية تفرض وجود هدنة وتنتهي بانتهائها)، وأخيراً اقتصاد الحرب المتنامي، والذي يتفق مسؤولون حكوميون على اعتباره من أبرز المشاكل التي تعترض تحقيق مصالحات على مستوى واسع.
ويحضر هذا العامل في مدينة حلب المنقسمة إلى نصفين، والمحتاجة دوماً إلى قوافل الإغاثة والمعونات. وتحضر بالطبع العوائق السابقة، فتتفوق عوامل كالتدخل الإقليمي لدى الطرفين، كما تفيض الكتائب المقاتلة بالعناصر الأجنبية، ولا وجود لوسطاء موثوقين لدى الطرفين، والذي يشكل سبباً وجيهاً لغياب أية مصالحات حقيقية عن حلب حتى اللحظة.
إلا أن الدراسة في تحديدها لعوامل تساعد في «فرض وقف إطلاق النار»، تشير إلى عدة عناصر أيضاً، أبرزها: ضغط المدنيين والحاجة إلى الخدمات، الحاجة إلى الوصول للموارد الإستراتيجية (وبينها الطرق الحيوية مثلا)، وحالة التعادل العسكري. وبرغم أن الصفة الأخيرة لا تنطبق على حلب حالياً، إذ يتفوق الجيش السوري في تقدمه على خصومه، وبات قريباً للغاية من حصار حلب عسكرياً، في الوقت الذي تراجع وجود فصائل المعارضة وتماسكها في حلب، وفر أحد أبرز قادتها إلى تركيا، وفقاً لما ذكرته الصحافة التركية أمس.
لكن لا يزال الجيش السوري بحاجة إلى الامتداد أكثر في اتجاه الشمال الشرقي، حيث يدور «العرض العسكري الأهم» بين «التحالف الدولي» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش»، وبشكل يمكنه من قطع طرق الإمداد بين حلب وإدلب من جهة، وحلب وريفها الشمالي من جهة أخرى.
ويبدو هذا ممكناً في ظل التقدم الذي يحرزه، وإن كان من غير المعروف كيف يمكن لهذا التقدم أن يتأثر بأية هدنة مستقبلية أو تجميد لإطلاق النار، كما أن الحكومة السورية ما زالت ترفض أي طرح لمجالس إدارة ذاتية تنفرد عن سلطة الدولة في اتخاذ قراراتها، برغم أنها تطالبها في الوقت ذاته بخدماتها.
وأيضاً، لا يريح دمشق أن تكون حلب جزءاً من حالة استقطاب دولي إقليمي، تركي فرنسي أممي، كما هي الآن، بغض النظر عما سيؤول إليه أي اتفاق طموح لتجميد النزاع، وإن كان فعلاً سيسمح لقواتها بالالتفات إلى معركة لا تقل أهمية في جنوب البلاد، ثمة مخاوف من أنها باتت تشكل تهديداً جديداً لدمشق.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد