باي باي آنسة X
حفل الاسبوع الماضي بأخبار متناقضة ومثيرة ومؤذية لشريحة كبرى من الناس عن علاقة طلاب الصف التاسع مع اللغة الفرنسية، وقد غدت لغة ثانية بدءاً من الصف السابع، في حين ان الانكليزية اساسية ويجري تدريسها منذ الصف الأول الابتدائي.
وإثر انتشار الكلام من ان لا امتحان للغة الفرنسية في نهاية العام (وهذا يعني ان الصفوف أضحت جحيماً للمدرسين، إذ لا شيء يضبط الطالب سوى العلامة)، مزق طلاب إحدى المدارس الرسمية في المزة في دمشق كتب ودفاتر اللغة الفرنسية «نكاية» بالمدرسين وتعبيراً عن «الفرح»، وكتب طلاب مدرسة اخرى على السبورة باي باي آنسةX وهي مدرسة لغة فرنسية، وكتبوا أيضاً باي باي للغة الفرنسية، ولسنا ندري ماذا حدث في مدارس اخرى أو محافظات ثانية، إلا ان الجميع يعلمون ان عملية ضبط الطلاب في الصفوف حالياً صعبة جداً بسبب وسائل اللهو الكثيرة وعطلة اليومين التي عودت الطلاب على الكسل والسهر والاكثار من الرحلات الى جانب الانترنت والفضائيات وحالة الاحباط الناجمة عن الشعور ان الجامعة غدت شبه مستحيلة ولاسيما في تلك الفروع التي «عليها القيمة» !!.
لقد حدث هذا في العام الماضي واستغربناه وأسفنا له لأنه عذب المدرسين وخسر الطلاب.
والسؤال «ما لزومه»...؟.
قبل الاجابة (ونحن نعرف بقية القصة)، نود التذكر انه في بداية هذه السنة الدراسية تمت زيادة ساعات اللغة الفرنسية في الصف التاسع الى ثلاث ساعات مثل الانكليزية تماماً ووضعت لها علامة 30 من 50، ثم فجأة وبعد شهرين ونصف تقريباً تنشر الصحف على لسان السيد الوزير انه لن يكون هناك امتحان للغة الفرنسية.
ثم اتضح ان هذا الكلام مغاير للتعميم بشأن امتحان شهادة التعليم الأساسي الاعدادية، وقد جرى التنويه عن هذا التعميم يوم 27/11 ثم نشر بالكامل في 30/11، ومنه نفهم ان وزارة التربية قررت ان يكون امتحان اللغة الاجنبية في شهادة التعليم الاساسي اختيارياً، أي يحق للطالب ان يختار اللغة الفرنسية التي درسها في السابع والثامن أو اللغة الانكليزية التي درسها منذ المرحلة الابتدائية.
وما من شك ان وزارة التربية قد اجبرت على هذا «الترقيع» لميلها السابق المعبر عنه في اجتماع الوحدة النقابية ولسلوكها العملي في هذا الاتجاه في العام الماضي، بسبب وجود مدارس مستولى عليها وخاصة انها لم تكن تدرس اللغة الانكليزية على الاطلاق وتعنى عناية خاصة وكبيرة باللغة الفرنسية، اضافة الى وجود راسبين من سنوات سابقة لم يتح لهم تعلم الانكليزية المتوجة عنوة سيدة اللغات تعبيراً عن احادية النافذة في النظر إلى العالم وأحادية الأداة في غرف العلوم.
وفي رأينا ان ما يحدث خطأ بخطأ، وقد آن الأوان لوضع حد لهذه المواربة وذاك الارتباك في أهم أداء، الأداء التربوي التواق إلى صوغ شباب أفضل يملك مهارات تؤهله للعمل والحياة ذات الآفاق الرحبة.
كلنا يعلم ان اللغة الفرنسية أصبحت لغة ثانية منذ الصف السابع نظراً لضلال جماعي حفز أغلب الأهالي على التوسط لأولادهم ليحصلوا على اللغة الانكليزية، وعذرهم انهم لا يعرفون ان الفرنسية عريقة في سورية، ولها كوادرها التدريسية الخبيرة، وهي تستفيد من طرائق التدريس المتطورة، ومعتمدة في كل المحافل الدولية، وهي لغة الأدب والعلم والثقافة إلى جانب ان أغلب الايفادات السورية هي إلى الجامعات الفرنسية قبل الشهادة الجامعية الأولى وبعدها، ذلك ان تلك الجامعات مجانية وبلا أقساط وتقبل الطلاب السوريين بمرونة، ونظراً لوجود اتفاقيات ثقافية وعلمية على هذا الصعيد ما بين سورية وفرنسا.
لقد قيل عندما ألغي امتحان هذه المادة من الصف التاسع في العام الماضي ان السبب هو عدم توفر المدرسين في كثير من المحافظات، ولا سيما ريف حلب !!.. ونتساءل: هل يجوز ان تكتشف وزارة التربية هذه الواقعة بعد خمسين سنة على الأقل من تدريس هذه اللغة في المدارس السورية الرسمية والخاصة بعد الاستقلال..؟!.
ثم هل نقص المدرسين يقتصر على الفرنسية أم يشمل الرياضيات والفيزياء والعلوم والكيمياء أيضاً؟.. وإذا كان النقص هو السبب، فلماذا أصر السيد وزير التربية الدكتور سعد على إغلاق معاهد اعداد المدرسين وهي كانت قادرة على تخريج اعداد كبيرة من المدرسين المساعدين الأكفاء..؟.
إن عملية «التكحيل» الجديدة لموضوع اللغة الفرنسية لا يلغي أبداً ان هذا الارتباك لا مبرر له.. لقد فهم الجميع الآن ان اللغة الفرنسية في التاسع غير مطلوبة وسيهملونها وسيتعذب المدرسون معهم وسيصعدون إلى العاشر لدراستها مجدداً، وسيقولون: لا نعرف شيئاً عنها، وسيؤدي مثل هذا «النق» على إلغائها نهائياً في المستقبل، فهل هكذا يكون التخطيط والتطوير ومواكبة العصر..؟.
ميشيل خياط
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد