انقسام أوربي حول سوريا
يسعى الرئيس الفرنسي جاك شيراك الى منع سوريا من الافادة من الفوضى المهيمنة حاليا على لبنان، لكنه يصطدم برغبة بعض جيرانه الاوروبيين بمحاورة دمشق، ويتفق الجميع على أن لبنان يمر في مرحلة شديدة الخطورة وان شبح الحرب الأهلية يهدد بالعودة سنوات عديدة الى الوراء.
وإذا كانت ألمانيا وبريطانيا وقبلهما اسبانيا قد عبرت عن رغبات متفاوتة بمحاورة دمشق، فان فرنسا نفسها بدأت تعرف ضغوطا متزايدة على شيراك بهذا الشأن؛ فرحلة المرشحة الاشتراكية لرئاسة الجمهورية سيغولين رويال الى لبنان، اوضحت اهمية ووجوب الانفتاح على دمشق، ذلك ان الجميع مقتنع بان سوريا اثبتت على مدى العام المنصرم ان لا حل ممكنا في لبنان ضد مصالحها، وانها لن تتخلى عن حلفائها بالسهولة التي اعتقدها البعض.
هذا التناقض في بعض المواقف الاوروبية، يدفع الاوروبيين الى الاتفاق على الحد الادنى من خريطة التحرك الحالية والمقبلة، وذلك من خلال عدد من العناوين، ابرزها ان يكون الانفتاح على سوريا من منطلق النصح بتغيير السلوك والمساهمة في التهدئة وليس إعادتها الى لبنان او الايحاء لها بان الطوق قد فك عنها. والثاني ان يصار الى الضغط على حزب الله وحلفائه للتخفيف من تطويقهم للحكومة الحالية لما فيه مصلحة لبنان. والثالث ان استمرار الاوضاع على ما هي عليه يضع لبنان امام حافة الانهيار الاقتصادي.
ويحظى التحرك الاوروبي بضوء اخضر اميركي حتى ولو ان التصريحات الاميركية لا تزال تصب في خانة التشدد حيال الرئيس بشار الاسد، فواشنطن وعدد من الدول الاوروبية ادركوا ان سوريا قادرة على لعب دور مهدّئ في أكثر من ملف، ذلك ان ما تم عمله سرا او علانية في خلال الاسابيع القليلة الماضية بالنسبة الى العراق حمل رسالة واضحة حول رغبة سوريا في التعاون وفق ما قال مصدر اوروبي.
هذا بالضبط ما عنته وزيرة الخارجية البريطانية بقولها لالسفير قبل يومين ان استئناف العلاقات الدبلوماسية السورية مع العراق كان خطوة اولى في الاتجاه الصحيح.
وجاءت زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني والقيادي الكبير في حركة حماس اسماعيل هنية الى دمشق، لتبعث برسالة سورية ثانية الى الاسرة الدولية مفادها ان دمشق بدأت فعلا بتنفيذ جزء مما هو مطلوب منها بحيث عادت تمارس دور الاطفائي.
واللافت ان زيارة هنية الى دمشق، تزامنت مع معلومات سربتها الصحافة الاسرائيلية تفيد بان وزيرة الخارجية الاسرائيلية طلبت صراحة من المسؤولين الاسرائيليين، عدم التعليق على الاوضاع في لبنان وخصوصا عدم الاعراب عن دعم رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، ذلك ان مثل هذه المواقف ستعقد الأمور أكثر في وجه السنيورة.
جاءت هذه التسريبات الاسرائيلية مرفوقة بكلام آخر في اسرائيل نفسها، يفيد باحتمال استئناف الحرب الاسرائيلية اللبنانية في الصيف المقبل، الامر الذي يفترض المزيد من الاستعداد والجهوزية خصوصا اذا ما حصل الانقلاب الموعود في لبنان بحيث تسقط حكومة السنيورة ويسيطر حلفاء ايران وسوريا على الاوضاع.
هذه المخاوف تجعل من الاهتمام بالموقف السوري كبيرا هذه الايام، وقد ذهب وزير الخارجية الالمانية فرانك فالتر شتاينماير ابعد من ذلك امس، حيث طلب من دمشق صراحة لعب دور مباشر او غير مباشر لتهدئة الاوضاع في لبنان.
ولعل ما يعزز التحرك الاوروبي بهذه القوة حاليا، هي القناعة المتزايدة بان لبنان مرشح لفوضى كبيرة ولخطر الانزلاقات الامنية غير القابلة للضبط لاحقا، ذلك ان بعض ملفات المنطقة بحاجة الى مزيد من العنف، الامر الذي قد يقلب الطاولة على أكثر من طرف.
يبقى ان الاهم في كل ما يحصل هو اولا معرفة الثمن الذي سيتم تقديمه الى دمشق في حال ساهمت في تهدئة الاوضاع، وثانيا حقيقة الموقفين السوري والايراني بالنسبة لما يحصل في لبنان. فثمة آراء اوروبية تقول بان الموقفين ليسا منسجمين تماما رغم التحالف الكبير بينهما، ولذلك تأتي النصائح بتعزيز الحوار والعودة الى طاولة التفاوض منعا لانفجار امني كبير.
سامي كليب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد