المسألة السورية تقلب برلمان فرنسا
النقاش البرلماني الفرنسي لم يغير شيئاً في المواقف المعروفة مسبقاً من الحرب على سوريا. شيء واحد مع ذلك تغير في البرلمان الفرنسي، هو انقلاب الصورة التقليدية لدى الفرنسيين عن طبقتهم السياسية. الاشتراكي الفرنسي الذي كان يقف تقليدياً ضد الحرب كان يدافع عنها امس وحيداَ تحت قبة الجمعية التشريعية، ويدافع عن ضرورتها من دون قرار اممي، فيما كان اليمين، ووريث الخط الساركوزي (الرئيس السابق نيكولا ساركوزي)، ومعيد فرنسا الى حظيرة حلف شمال الاطلسي يتحدث بصوت ديغولي، ويعارض الحرب على سوريا، والأهم انه يعارض السير وراء الولايات المتحدة، ويطالب بانتظار ما سيقوله محققو الامم المتحدة.
اليسار يريد الحرب الأميركية من دون قرار دولي او شرعية اممية. واليمين والوسط واليسار الشيوعي المعارض وبعض اجنحة «الخضر» يتمسكون بمحققي رئيس فريق لجنة التحقيق الدولية اكي سيلستروم، وبالامم المتحدة لقول الحقيقة في مجزرة الكيميائي السوري، كما يطالبون بتصويت على قرار الحرب بعد الكونغرس الأميركي. أربعة اعتراضات رئيسية واجهت حكومة جان مارك ايرولت خلال النقاش في قرار الرئيس الفرنسي المشاركة في الحرب الاميركية على سوريا. وتناوب رئيس الوزراء مع وزير الدفاع جان ايف لودريان أربع مرات للرد على اعتراضات النواب الفرنسيين ورؤساء الكتل البرلمانية، وإقناعهم بشرعية الحرب من خارج الامم المتحدة ومجلس الأمن «المسدود بالفيتو الروسي منذ عامين».
وفي مداخلته، أكد إيرولت أن عدم الرد على هجوم الغوطة «يعني تهديد السلام والأمن في المنطقة بأسرها». وأشار بشكل أساسي إلى أن باريس «تعتمد على دعم» الاوروبيين والجامعة العربية في حال الهجوم العسكري.
وليدافع عن موقف فرنسا من ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة، قال ايرولت «نعم الحل للأزمة السورية سيكون سياسياً وليس عسكرياً. ولكن علينا مواجهة الواقع، اذا لم نضع حداً لمثل هذه التصرفات من قبل النظام، لن يكون هناك حل سياسي»، موضحاً «بالطبع فرنسا تريد رحيل (الرئيس السوري بشار) الأسد الذي لا يتردد في توجيه تهديد مباشر الى بلادنا، نعم نحن نريد رحيله في اطار حل سياسي تواصل فرنسا في اطاره اتخاذ المبادرة، ولكن نريد في الوقت ذاته المعاقبة والردع والرد على عمل فظيع لتجنب تكراره. نريد ايضا ان نؤكد لبشار الأسد أن لا حل آخر أمامه سوى التفاوض».
وحذر إيرولت من أن عدم تحرك المجتمع الدولي ضد سوريا يمكن أن يبعث برسالة خاطئة إلى إيران بخصوص برنامجها النووي. واعتبر أن «عدم التحرك سيعرّض للخطر السلام والاستقرار في المنطقة بأسرها»، متسائلاً «كيف تكون هناك أي مصداقية لالتزاماتنا الدولية تجاه عدم انتشار أسلحة الدمارالشامل بما في ذلك الأسلحة النووية، وأي رسالة يمكن أن يرسلها ذلك للأنظمة الأخرى وأنا أفكر مثلكم في إيران وكوريا الشمالية؟». وتابع «الرسالة ستكون واضحة: بوسعكم مواصلة ما تفعلون». أما الرسالة الحقيقية فيجب أن تكون، بحسب قوله، «استخدام الأسلحة الكيميائية غير مقبول».
واجه رئيس الوزارء اعتراضاً على عدم قانونية الحرب، وانه ينبغي العودة الى مجلس الأمن واستصدار قرار من الامم المتحدة للقيام بذلك. أما الحزب الشيوعي، و«حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية» اليميني، وحزب الوسط فأجمعوا على غياب أي قاعدة قانونية دولية للحرب على سوريا.
الاعتراض الأول هو لا حرب من دون قرار اممي. وقد اشترط رئيس الكتلة النيابية اليمينية كرسيتيان جاكوب «مسبقاً صدور قرار دولي من الامم المتحدة، فأي حرب لا يسبقها قرار اممي ستكون غير شرعية». ووجد الوسطي جان لوي بورلو أن «زمن الإنزالات العسكرية العقابية قد ولى، وينبغي انتظار قرار الامم المتحدة».
الاعتراض الثاني يتمثل في أنه لا توجد براهين قاطعة على استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي، خصوصاً في ظل عدم اقتناع الكتل النيابية بتقارير الاستخبارات الفرنسية. واتهم جاكوب الحكومة بحيازة «قناعات ضد النظام السوري، وليس ادلة». أما معارضة الوسط بلسان بورلو فاعتبرت أن «استخدام الكيميائي شر مطلق، ولكن يعود إلى الأمم المتحدة وحدها أن تحدد إذا ما استخدم الكيميائي في سوريا ومن استخدمه».
وعدّت الكتل النيابية المعارضة اللجوء الى العمل العسكري وحده غير كاف في اعتراض ثالث، بل اعتبرته عنصراً سيفاقم الازمة. وقال ممثل «الخضر» فرانسوا دو روغي إنه ينبغي «تفضيل طريق الحل السياسي إذا كان ذلك ممكناً». وبدوره، عدّ الشيوعي اندريه شاساني «العملية العسكرية عملاً من دون أفق سياسي، ولا يدعم استعادة السلام»، في حين قال رئيس الوزراء الفرنسي الاسبق بيار رافاران إن العملية العسكرية «لا تنبثق عن تصور لعملية سياسية، وإنما عن مجرد دعوة اخلاقية وحقوق انسانية، ولا تملك قاعدة قانونية دولية، وتدّعي أنها لا تريد اسقاط النظام الذي تعاقبه، ولكنها تعلم انها ستطيح بكل التوازنات في المنطقة، وتهدد وجود المسيحيين ومستقبلهم في الشرق». وردّ رئيس الحكومة جان مارك ايرولت بأنه لا حل الا الحل السياسي، حيث أن العملية العسكرية تستهدف تحريك العملية السياسية، ووضع حد للأعمال «الكيميائية».
ورابعاً، طالب البرلمانيون الحكومة بعدم الاكتفاء بالاستماع الى آرائهم، وإنما بطرح قرار الحرب على التصويت. وردّ رئيس الوزارء أن التصويت على قرار الحرب يعود الى الرئيس فرانسوا هولند، الذي ينتظر اكتمال التحالف الذي سيعمل ضد سوريا، وتقييمه لاحتمالات الحرب.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد