دمشق تودّع هزيم إلى مثواه الأخير
منذ زيارة البابا يوحنا بولس الثاني في العام 2001، لم تشهد دمشق القديمة، وخاصة الكاتدرائية المريمية، حشداً بشرياً كالذي رافق تشييع بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم.
وبعيداً عن الفوضى التي رافقت التشييع من بيروت، فقد بدا الوضع في دمشق أكثر هدوءا وتنظيما، مع الحشد الجماهيري الكثيف والحضور الرسمي والروح الجنائزية بصوت تراتيل جوقتي القديس يوحنا في دمشق وبيروت التي رافقته في رحلته الأخيرة، رغم أصوات القصف التي بلغت آذان الحاضرين في منطقة باب شرقي الدمشقية.
وحتى الخلافات السياسية بين مسيحيي الشام نأت بنفسها على الأقل هذا اليوم احتراما لرجل انفتح على جميع الفئات، وعمل على بناء المؤسسة الكنسية من دون أي تفرقة بين لبناني وسوري، وهو ما ردده كثر في الجنازة ضاربين المثل بأبرشية عكار ذات النصف السوري.
حضور البطريرك ابن بلدة محردة الحموية لطالما ترك صدى طيباً سواء لدى أبناء بلدته أو لدى عامة السوريين، وهو الذي لطالما نادى بالتعايش المشترك والبعد عن العقائدية والانغلاق الطائفي، مؤمناً بسوريا كوطن يتسع للجميع ومبعدا فكرة اضطهاد الأقليات وتخويف المجتمع المسيحي ودفعه للهجرة، أو الدعوة لحمايته من الخارج.
بل إن الشارع المسيحي في الشام يشهد للبطريرك الراحل إصراره على بقاء الكنيسة في خط وطني مستقل بعيد عن التجاذبات السياسية، كما سعيه لمسألة وحدة الكنيسة، من دون أن يعني ذلك إلغاء خصوصية أي منها بقدر ما هو فهم التمايز ثم التوافق مع بعضها البعض، وهو ما توثقه صور عديدة رفعت لاستقبال بابا الفاتيكان أثناء زيارته لدمشق قبل 11 عاماً ومرافقته إياه إلى الكنائس والجامع الأموي والجولان.
ويذكر كثر من أبناء سوريا سعي هزيم لتأمين الدراسة الجامعية للمسلمين قبل المسيحيين في جامعة البلمند، وكذلك علاج الكثيرين في مستشفى الروم لتكون المحصلة خسارة رجل نعاه المعارضون والموالون.
وكان لافتاً الحضور الرسمي الكثيف من وزير شؤون رئاسة الجمهورية ممثلاً الرئيس بشار الأسد، منصور عزام ورئيس مجلس الشعب (البرلمان) محمد جهاد اللحام ووزير الإعلام عمران الزعبي ومعظم السلك الديبلوماسي، خاصة الروسي، في دمشق، بالإضافة إلى بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام وعدد كبير من أرباب الشعائر الدينية الإسلامية، فيما غاب ممثلو الكنائس الشرقية خارج سوريا باستثناء لبنان الذي حضر منه مطران جبل لبنان جورج خضر.
أما كنائس اليونان وقبرص ومصر والكنيسة الشرقية في روسيا فقد غابت عن القداس الذي ترأسه مطران حوران وجبل العرب سابا اسبر، لينقل بعدها الجثمان ليدفن في مدافن البطاركة القائمة تحت هيكل الكاتدرائية المريمية بجوار أسلافه من البطاركة.
وتحدث منصور عزام عن «شخصية عالمية»، مشيدا «بمواقفه الوطنية حول مشاكل المنطقة»، فيما أشاد الزعبي بالبطريرك هزيم «الرجل الكبير ذي القامة الوطنية والدولية والذي تشكل وفاته خسارة للبشرية».
ومن المنتظر أن يجتمع خلال الأيام المقبلة أساقفة الكنيسة الأرثوذوكسية في المقر الصيفي في البلمند، عوضاً عن المقر الشتوي في دمشق، لانتخاب البطريرك الجديد، مع تحفظ العديد من رجالات الكنيسة عن ترجيح كفة شخصية دون الأخرى وان كان التركيز في المجمل يصب على الاهتمام بالشأن السوري.
إضافة تعليق جديد