الأزمة السورية دخلت مدار المراوحة وسط تطورات سياسية وميدانية متسارعة
تتنامى الخشية من دخول الازمة السورية مدار المراوحة، بحيث تتحول البلاد على مساحتها إلى ساحة صراع اقليمي ودولي مفتوح، وذلك في ظلّ مؤشرات ميدانية، وتطورات سياسية متسارعة كان آخرها استقالة المبعوث الاممي كوفي انان وعزوفه عن استكمال مبادرة النقاط الست التي كان قد اطلقها منذ اشهر، ما يؤشر بدوره إلى انهاء مهمة المراقبين بصورة نهائية، وبالتالي دخول الازمة في المجهول.
وفي حين يتحدث زوار العاصمة دمشق عن تقدم ميداني ملحوظ تحرزه قوات النظام، لاسيما كتيبة القوات الخاصة التي يقودها ماهر الاسد المعروف على انه احد اشرس صقور النظام والمدافعين عنه في ظل خطة عسكرية تعتمد على سياسة القضم، يلاحظ هؤلاء ان تركيز الجيش السوري على ريف حلب بصورة خاصة وسائر الارياف بصورة عامة يهدف إلى استعادة المعابر الاستراتيجية التي تفتح الحدود السورية على الاراضي التركية، التي بدأت تشكل الظهيرالخلفي للجيش السوري الحر، من خلال انشاء جسور برية لتزويده بالدعم العسكري واللوجستي، فضلا عن السلاح الثقيل الكاسر للتوازن بحسب التعبير، ليصار بعدها إلى فرض حصار شديد على الاحياء التي سيطر عليها المسلحون، والتفرغ لها تمهيدا لاستعادتها وتطهيرها في معركة يطلق عليها الجانبان تسمية معركة الحسم.
غير أنّ المتصلين بعواصم القرار لا سيما واشنطن وموسكو يخالفون هذا الرأي ويعتبرون أنّ الحسم العسكري في حال حصوله لن يؤدي إلى انفراجات واسعة على صعيد الازمة، فواشنطن لا تبدو منزعحة على الاطلاق، وهي التي حددت اهدافها سلفا، وتنحصر بالمحافظة على امن اسرائيل الاستراتيجي اولا، والسيطرة على منابع النفط ومصادر الطاقة العالمية ثانيا، ومن ثم تأمين مصالحها الاقتصادية ثالثا، وهذه الاهداف برمتها قد تحققت. ويلفت هؤلاء إلى أنّ اسرائيل تبدو مرتاحة في هذا الوقت كما لم تكن منذ سنوات، خصوصا بعد ان تعهد "اخوان" مصر بعدم المساس باتفاقية كامب دايفيد من جهة، ولانشغال الساحة المصرية بامورها الداخلية التي تراوح بين حدي اعادة تسيير امور البلاد من جهة، واستعادة الدور الاقتصادي والسياسي من جهة ثانية، والمعادلة نفسها تنطبق على سوريا المشغولة بامورها الداخلية وبالصراع السني الشيعي، كما بتأمين الاستمرارية للاقليات الدينية والعرقية، بحيث بات الحديث يقتصر على استعادة الهدوء الداخلي واعادة ترميم الجسور بين اطياف الشعب السوري، بما يشغلها لعقود عن الجبهة مع اسرائيل، والمعادلة نفسها تنطبق على حدود اسرائيل الشمالية مع حزب الله، الذي يراقب عن كثب تطورات الاحداث في سوريا، كما يترقب نتائجها للبناء على الشيء مقتضاه، ما يؤسس إلى حرب اعلامية دون ملامسة الحرب الفعلية.
الهدف الاميركي الثاني تحقق بدوره منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، وتعزز في تسعينات القرن الماضي في اعقاب عملية عاصفة الصحراء وما تلاها من احتلال عسكري للعراق، ترافق مع احتلال سياسي، وانتداب اقتصادي على الخليج العربي الغني بالنفط والحاضن لثاني اكبر مخزون استراتيجي في العالم. وهكذا دواليك بالنسبة لمعابر النفط الذي يشكل الخليج النفطي حاضنة لها، بحيث يصح القول ان هذا الوضع يناسب واشنطن إلى ابعد الحدود، بما يدفعها إلى عرقلة الحلول السورية والاقليمية، والسعي إلى ابقاء نار المنطقة محصورة في الدول العربية والاسلامية ومن ضمنها سوريا.
وما يزيد في الطين بلة بحسب هؤلاء الموقف الروسي المتشدد والذي يتدرج صعودا في دعمه المطلق لسوريا ونظامها في ظل خشية من وصول الاسلاميين والقاعدة بما يهدد سلامة القاعدة التي انشأتها حديثا في طرطوس، كما رفض موسكو القاطع للدخول في تسوية جديدة مع الولايات المتحدة او حتى اعادة ترتيب المنظومة العالمية قبل الانتخابات الاميركية المقررة في تشرين الثاني المقبل، بما يبقي الازمة على حالها حتى هذا الموعد باقل تقدير.
أنطوان الحايك
المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية
إضافة تعليق جديد