رسالة أميركيّة «عاجلة» تطالب الجيش اللبناني بـ «حماية المعارضين السورييّن»
على عكس ما عاد به الرئيسان ميشال سليمان ونجيب ميقاتي من زياراتهما الخارجية الأخيرة، من انطباعات بأن لبنان نجح، بفضل سياسة النأي بالنفس، في تفادي أخطار تداعيات الحدث السوري عليه، تؤكد وقائع الأيام العشرة الأخيرة في واشنطن، كما رصدت مؤشراتها الدبلوماسية اللبنانية هناك، أن لبنان سيواجه في النصف الثاني من هذا الشهر حملة ضغوط أميركية غير مسبوقة. وستتمحور الضغوط على ثلاث جبهات: الواقع السياسي اللبناني لعزل «حزب الله» سياسياً، ومواجهة منطق تحالفه مع سوريا، والجبهة الثانية تتصل بتشديد الضغط على الجيش لإجباره على التموضع عسكرياً على الحدود الشمالية وتقديم تسهيلات الدعم للمعارضة السورية، والجبهة الثالثة تتعلّق بإعادة فتح ملف البنك اللبناني الكندي، مع ربطه هذه المرة بامتناع الدولة اللبنانية عن الرد على الأسئلة الأميركية عن مصير حساباته وهوية أصحابها وأين ذهبت، وعن دوره في تسرب أموال النظام السوري وأموال إيرانية إلى القطاع المصرفي اللبناني بصورة غير قانونية.
ويصف دبلوماسي لبناني ما يسميها «الوقائع المريرة» التي عايشها عن قرب في واشنطن، في الأيام القليلة الماضية، بأنها كانت أقرب إلى إعلان سلسلة تهديدات مباشرة ضد لبنان، ستتضح آثارها العملية في النصف الثاني من هذا الشهر. وأوضح أن «دبلوماسية غربية سوريالية»، غير مفهومة بالمنطق الدبلوماسي، مورست على لبنان في الأسبوعين الماضيين. ففيما كان الرئيس ميقاتي ينعم بمديح الإليزيه له، والاعتراف به أفضل رجل لحكم لبنان في هذه المرحلة، كانت الإدارة الأميركية ترسل إلى الدولة اللبنانية، عبر سفارتها في واشنطن، رسائل شخصية من الرئيس باراك أوباما نفسه، تطرح فيها شروطاً ومطالب لا يستطيع لبنان تحمل عواقبها.
ما هي وقائع «الأيام العشرة المريرة» كما يصفها الدبلوماسي اللبناني؟
تبدأ القصة من باريس، حيث بدت الصورة وردية. فمستشار الرئيس الفرنسي جان ديفيد ليفيت أبلغ، في الثامن من الشهر الجاري، الدبلوماسي اللبناني المعني بتلقي الرسائل الفرنسية الرسمية، أن زيارة ميقاتي للإليزيه «كانت ناجحة بكل مجرياتها. فقد نجح ميقاتي في جذب انتباه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وتقديره (...)، وأعجب بطريقة عرضه للمواضيع، وبخاصة عبارته «النأي بالنفس» عن تبعات الأحداث في سوريا». وأضاف ليفيت: «قررت فرنسا فتح صفحة تعاون إيجابية مع ميقاتي، وطيّ صفحة الالتباس معه التي سادت خلال الفترة الانتقالية بين حكومتي الحريري وحكومته». وختم بأنه «من خلال تجربة التنسيق مع ميقاتي، تأكد للإليزيه انه الرجل الأفضل ليحكم لبنان في هذه المرحلة».
قبل يومين فقط من هذا الثناء الفرنسي، وصلت الى مسامع الخارجية اللبنانية في بيروت زمجرة الغضب الاميركي، عن لسان الرئيس اوباما شخصياً، وهو أمر يشكل سابقة؛ إذ اعتادت الدبلوماسية اللبنانية تسلم الملاحظات الاميركية عن لسان موقع ثانٍ أو حتى ثالث في الخارجية الاميركية. ففي الثامن من الشهر الجاري، أبلغ ستيف سايمون، المسؤول عن الشرق الاوسط وشمال افريقيا في البيت الابيض، الجهة الدبلوماسية اللبنانية المسؤولة في واشنطن، ان «البيت الابيض كلفه نقل هذه الرسالة عبره الى المسؤولين اللبنانيين بصورة عاجلة». وتضمنت الرسالة انتقاداً حاداً للبنان، على خلفية «أن الادارة الاميركية تملك معلومات عن جرائم ارتكبت ضد لاجئين سوريين دخلوا لبنان، وان بعضهم اعيد الى الاراضي السورية، وان الجيش السوري ينفذ ملاحقة حارة (hot pursuit) ضدهم، وقد دخل الاراضي اللبنانية واعتقل بعضهم وقتل عدداً منهم». وتضيف الرسالة ان «الرئيس اوباما وادارته يشددان على قيام لبنان بواجباته الانسانية تجاه اللاجئين السوريين عبر تقديم الملجأ والمساعدات الانسانية اليهم (...) وان تحميهم من انتقام النظام السوري وقواه المسلحة». وانتهت الى ربط النقاش حول العلاقة مع الجيش بالقول: «ان الادراة الاميركية تدرس تزويد الجيش اللبناني بمساعدات ليواجه هذه الحالة الانسانية، بالاضافة الى تقديم اسلحة له ليتمكن من الدفاع عن حدوده».
تفسيرات للتحذيرات
ويتضح من شرح مضمون هذه العبارات ان ادارة اوباما تطالب السلطات اللبنانية، السياسية والعسكرية، بالتموضع في مواجهة الجيش السوري على الحدود الشمالية ومساندة المعارضة السورية. ويقدم التفسير الحرفي والسياسي للفقرات الآنفة من رسالة اوباما العاجلة الى الدولة اللبنانية، ملاحظات عدة، أبرزها:
أولاً، تربط الادارة الاميركية مساعدتها للجيش اللبناني وتقديم السلاح له باستخدامه في وجهة محددة وحصرية، هي حماية اللاجئين السوريين من «العدو الجديد» المتمثل بالنظام السوري وقواه المسلحة و«الدفاع عن حدوده» المحددة بأنها تلك التي تقع حيث توجد «الحالة الانسانية التي توجب على الدولة ان تقوم بواجباتها حيالها»، والمقصود هنا الحدود الشمالية. ويقترن هذا الطلب بوعد بأن تقدم واشنطن المساعدة اللازمة للجيش لتنفيذ هذا الغرض.
ثانياً، تتحدث الفقرة الاخيرة من الرسالة عن ان «الادارة الاميركية قلقة جداً من ان يتمكن حزب الله من تعطيل قدرة لبنان وإرادته في حماية اللاجئين السوريين». وتشي هذه الفقرة بأمرين: الاول التحذير من هيمنة «حزب الله» على الدولة اللبنانية وقرارها، والثاني، إعادة الحياة الى المبدأ الذي كان مساعد وزير الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان قد طرحه خلال زيارته ما قبل الاخيرة في بيت الوسط لدى لقائه بفريق 14 آذار، عندما قال ان «الهدف الدولي في المرحلة المقبلة ليس اعادة سعد الحريري الى السلطة بل ممارسة سياسة عزل لحزب الله داخل لبنان، حتى داخل بيئته السياسية المتحالفة معه، وذلك عبر تصعيد الخطاب السياسي الذي يظهره بأنه يعطل ارادة الدولة والحكومة والشعب اللبناني».
ناصر شرارة
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد