«البرزخ»: فيلم تسجيلي مضاد للرصاص
« كانت الكاميرا تلاحق هالة عندما صوّب جنود العدوّ الإسرائيلي أسلحتهم نحونا ونحن نقطّع الأسلاك الشائكة بأيدينا، لم يكن هناك سوى أصواتنا وأجسادنا الشابة تنهمر باتجاه مجدل شمس المحتلة» يقول مخرج وكاتب سيناريو فيلم «البرزخ» المهند كلثوم.. ويتابع «لم أكن أنوي وقتها سوى توثيق ما يحدث، عشرات الشبان السوريين والفلسطينيين يتقاطرون زاحفين باتجاه فلسطين في يوم ذكرى النكبة في 15 أيار الماضي، فيما الرصاص يحفُّ بنا من كل حدبٍ وصوب». هناك تتبع كلثوم خريج أكاديمية «خاركوف» السينمائية في أوكرانيا، حكاية الفتاة الفلسطينية هالة فياض عبر لقطات قريبة لوجهها العشريني؛ لتسرد ابنة مدينة حيفا رغبتها بتحقيق حلم والديها أمام كاميرا الذكريات. قالت: «عشت حياة المخيم ولم أسمع يوماً سوى حديث أبي عن ذكرياته في حيفا وكلام أمي عن بيت جدي في غزة؛ ولذلك لم أتوقف عن الركض حتى وصلت إلى مشارف صفد مليئةً بأمل العودة إلى البلاد». تصل مدة الفيلم إلى أربعين دقيقة، لا تتوقف فيها الحكاية عند مواجهات عابرة بين الرصاصة والكاميرا، بل تتعداها إلى داخل الأراضي المحتلة، حيث تنجح بطلة الفيلم بتخطي حواجز سلطة العدو الإسرائيلي برفقة شاب فلسطيني يقضي على تراب وطنه. وتتابع الفتاة وحدها رحلتها الجريئة؛ راميةً جواز سفرها كلاجئة، فرحةً بقدميها تتسابقان على أرض الأجداد. إلى أن تتمكن دورية للعدوّ من إلقاء القبض عليها واحتجازها لمدة ثلاثة أيام قبل أن تتم إعادتها عبر الصليب الأحمر إلى سوريا: «لم أشعر بالخوف مطلقاً، على العكس لقد كنتُ أواجه المحقق الإسرائيلي بكل جرأة فيما هو يصر على أنني ارتكبت حماقة لا أعرف مدى خطورتها، إلا أنني قلتُ له بالفم الملآن.. هذه أرضنا وسيأتي يوم تخرجون منها». يدمج الفيلم بين لقطات من مواجهات حقيقية في ذكرى 1948 وصور درامية لطفلة تقود دراجتها نحو فلسطين، مفصلاً مشاهده بلقطات متسارعة يتخللها سرد ذكريات هالة عن رفاقها الذين واجهوا الرصاص بصدورٍ عارية. ودمج مخرج الفيلم بين لغة وثائقية وأخرى درامية بالأبيض والأسود، تاركاً الصورة بين مقطعين من حياة يعيد إليها سبب تسمية الفيلم: «البرزخ هو الجولان العربي السوري الذي يفصلنا عن أرضنا، عن أهلنا في مسعدة وبقعاتا ومجدل شمس وفلسطين وكان لا بد للسينما أن تعبره بكاميرا مضادة للرصاص، كاميرا لا تتلصص على مشهد شبان وشابات يعبرون وادي الصراخ، بل تصر على توثيق الجريمة، راصدةً همجية الإسرائيلي وعنصريته».استطاع كلثوم أن يسجل قرابة ثلاث ساعات من رحلته نحو «البرزخ» بإنتاج من «المؤسسة العامة للسينما» و«مجلس الشباب السوري»، ليعيد بعدها صياغة مشاهده بلغة شعرية يطمح من خلالها إلى تحقيق سينما تسجيلية معاصرة، تنظر إلى قضية الأرض على أنها قضية جوهرية في وعي الإنسان العربي تستأهل مستوى فنياً راقياً. ولذلك ركز في فيلمه الذي عُرض مؤخراً في صالة «كندي دمشق» على نبرة جديدة في محاكاة قضية الجولان، وذلك من دون تورية وبشجاعة فنية تكلمت عن جـيل كامل من أبناء يريدون تحقيق حلم آبائهم بالعودة ولو في السير نياماً نحو بحر حيفا.
سامر محمد إسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد