انحرافات أدبية ساخرة

الجمل ـ عمار سليمان علي: لا أحد معصوم عن الانحراف! حتى الأدب والأدباء..
لكن للانحراف أشكالاً متنوعة ودرجات مختلفة...
ودائماً يكون انحراف القدوة أكثر خطراً على المجتمع من انحراف الأفراد العاديين, فالكاتب الذي عنده جمهور طويل عريض من القراء والمعجبين سوف يسبب انحرافه ـ فيما لو تم ـ انحرافاً لدى قسم غير قليل من أولئك القراء والمعجبين...
وانحراف الكتاب والشعراء (بالمعنى المهني للانحراف) كان موجوداً دائماً, منذ قصائد المديح والهجاء التي كانت تباع وتشترى, إلى آخر زاوية صحفية مدفوعة الأجر في أية صحيفة, أو بحث موجّه في أحد المراكز البحثية....
حتى الآن لا جديد فيما نقوله, فهذه طبيعة بشرية, وهؤلاء جزء من المجتمع, والإنسان والمجتمع قابلان للانحراف...
لكن بعض الانحرافات, وإن ظهرت في سياق ركام الانحرافات الهائل المحيط بنا, تبدو شديدة النتوء والبروز, وتكاد تقلع العين..
لنأخذ على سبيل المثال الأدب الساخر الذي يهدف ـ كما يفترض ـ إلى الإضحاك وزرع البسمة على شفاه قرائه, وفي نفس الوقت محاولة زرع أفكار صالحة وقيم صحيحة في عقولهم, فهل يمكن أن يُقبل منه ومن القائمين عليه أي انحراف, حتى ولو كان مغلّفاً بابتسامة؟! أو بالأحرى لأنه مغلّف بابتسامة؟!
أمامنا هنا مثالان طازجان أترك للقراء الحكم عليهما, وتقرير ما إذا مقبولين أم لا؟

المثال الأول:
الصفحة الساخرة في صحيفة "الثورة" السورية, عدد الخميس 27 تشرين أول 2011, التي يشرف عليها الأستاذ الكاتب نصر الدين البحرة, وقد كتب فيها ضمن زاوية "من ظرفاء دمشق" عن صديقه المحامي الراحل محمود الصابوني, مورداً عدة روايات عن "ظرافته" ومنها الحكاية التالية أنقلها حرفياً كما أوردها الأستاذ البحرة:
(((في مطاعم الحسكة‏: يروي الراحل قاسم حيدر الذي كان يدرس الجغرافيا في الحسكة، عندما جاء محمود إليها معاقباً، لكنه تولى رغم ذلك وظيفة (مدير الكهرباء) أنه كثيراً ما كان يرتاد المطاعم مع محمود هناك، فيفاجأ لدى انتهاء تناولهما الطعام والشراب، بأن محموداً (لايدفع قرشاً) وعندما كان يسأله فإنه يقول: (كرامة) ويضيف قاسم إنه زار محموداً ذات يوم في مكان عمله، فرأى في إحدى الزوايا (هواوس HAUSSE) أي قواطع للكهرباء، كتب بجانب كل منها اسم المطعم العائد لها. يقول قاسم وهو يتكركر إذا أخذ أحد تلك المطاعم شيئاً من محمود قطع عنه الكهرباء))).
أليس هذا فساداً تام الأركان, يعترف به مرتكبه بلسانه بدون ضغط ولا إكراه؟! فهل يجوز أن يُروّج له ـ وكأنه شيء طبيعي وعادي وجائز ـ تحت عنوان السخرية وزرع البسمة وانتزاع الضحكة؟!

المثال الثاني:
يوم الجمعة 28 تشرين الأول 2011 طلع الأستاذ محمد حسنين هيكل على قناة الجزيرة وقال ما قال عن الوضع السوري الحالي, وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا الكلي أو الجزئي معه, إلا أن للرجل تاريخاً ومكانة ليستا قليلتين, ولا يجب أن يدفعنا غيظنا أو غيظ غيرنا من آرائه إلى أن نغمطه حقه, ونتطاول عليه ونشتمه, كما فعل الأديب الساخر خطيب بدلة, حيث كتب في تلك السهرة على صفحته على الفيسبوك ما يلي:
(((نحن نحب أهل مصر الأشقاء كثيراً- كما تعلمون- وهم يحبوننا، بالمثل، ولكنني اليوم فوجئت بواحد يزعم أنه من مصر الشقيقة، يتحدث إلى إحدى الفضائيات.. إنه (طشم) و(جحش) وبليد، إلى حد أنه قال: إن عدد سكان حلب (5) ملايين نسمة، يعني ربع سكان سورية!!.. وبما أن حلب ساكتة فهذا يعني- برأي ذلك الطَشَنة- أن ربع سكان سورية على الأقل مؤيدون للنظام!!..
إن غباء هذا الكائن شبيه بغباء المحلل الاستراتيجي السوري الذي قال إن (مُسَيَّرة) اللاذقية تجاوزت المليون نسمة.. مع أن سكان اللاذقية، وبضمنهم الرضع والخدج، لا يعدون مليوناً.)))
هذا ما كتبه الأديب بدلة وقد نقلته حرفياً, ولن أعلق عليه, فالحكم والتقييم ـ كما قلت أعلاه ـ سأتركهما للقرّاء!!!
وللأدب ـ بالمعنَيين ـ في السخرية وفي الساخرين شؤون وشؤون!