شماميان في مهرجان بيروت الدولي للموسيقى

07-06-2011

شماميان في مهرجان بيروت الدولي للموسيقى

حين يرى المرء تلك المرأة الواقفة على «البوديوم» يخالها فتاة سورية عادية بملامحها الميّالة إلى الهدوء الرائق الذي يُخفي تحت طياته ما يُخفيه. انطباع شخصي ينقلب على ذاته وعلى بطلته منذ سماع الهمسة الأولى ترتطم بشفتيها منطلقة إلى العالم الواسع. فجأة يبدو الصوت كالارتعاش الصوفي الأعلى. شيء صافٍ برقة ندف ثلج وسط حرارة بيروت في صيفها. لينا شماميان في أمسيتها (وائل حمزة- السفير)
ليلة أول من أمس الأحد في مهرجان بيروت الدولي للموسيقى والفن في وسط بيروت، بدا اللقاء بلينا شماميان فرصة استثنائية نادرة، للوقوف على تجربة شابة أرمنية ـ سورية حملت المناخ المحلي المزدوج بين العام والخاص، أي بين الهوية السورية والروح الأرمنية، إلى درجة عالية في سلم الترتيب الأدائي على خلفية بحثية خاصة، دارت على فكرة مشروع الخلط، وإقامة نوع من الهارموني، بين أبرز الاتجاهات الموسيقية، التي اقتربت منها لينا شماميان عبر الدراسة، أو عبر الالتقاط الحياتي.
سوف يلعب الكلاسيك دوراً أساسياً في بناء تجربتها، لأنها جاءت إلى الموسيقى من الدراسة، وليس من الموهبة وحدها. درست الموسيقى الكلاسيكية ما تبدى في فنون أغنياتها، كما تبدت تلك التداخلات القائمة على نوع من الحوار بين الكلاسيك، وموسيقى الجاز والموسيقى الشرقية، وموسيقى الأرمن الإيقاعية ذات الجذر الحار القائم على تاريخ من القوة في الاستمرار وسط ما تعرض له الأرمن في العالم.
فانوس سحري
خلاصة خاصة شكلت البنية الأساسية لطابع لينا شماميان الغنائي، وهو طابع «آكوري» مبني على روح الجملة الكلاسيكية غير المستسلمة لذاتها. حضور الكلاسيك ليس نقيضه، وهو كذلك في آن. تلك وصفة لينا شماميان المحلقة بصوتها كما لو أن الصوت يمتلك فانوسه السحري، كلما حكّته بحنجرتها، تضخم حجمها نفسه حيث بانت أكبر من قامتها الفيزيائية بكثير.
حازت شماميان جوائز عديدة، وحزنا جائزة حضورها مع أغنيات صارت من التراث الصميم، إلى الاشتغالات الكيفية على التراث. هكذا بانت الأغنيات الذاتية أغنيات جديدة وكأنها «على موج البحر» أحد عناوين أغانيها المعروفة. كلما جاء ذكر هذه المطربة سوف تتسلسل الأغنيات تباعاً في سبحة من حلقات من موشح: لمّا بدا يتسنى» إلى «عالروزنا» و«هلأسمر اللون» و«بالي معاك» و«يا مايلة عالغصون» و«شام» و«حوّل يا غنّام» وغيرها.
لينا شماميان، وجلّ حضورها من الجمهور الأرمني على ما ميّزنا اللغة من على مقاعدنا، بدت بحضورها الدمث اللطيف، بفستانها الأزرق وباحترامها لفرقتها الموسيقية (ستة عازفين على آلات تراثية أرمنية منهم لبنانيون وأرمن) الذين عرّفت عنهم واحداً واحداً، كما كانت تستهل كل أغنية تُغنّيها، ببعض التعريفات التي تسهل للسامع الدخول في عوالمها.
أصالة
استهلال شماميان لحفلها جاء تبسيطياً ولم يؤشر إلى قوة صوتها أو يُعرّف عنها من لم يكن يعرفها من الحضور، لكننا انتبهنا إلى أن شماميان في الأغنية ذات «التون» Tone الهادئ، التي بدأت بها حفلها، إنما كانت «تُسّخن» على ما يقول المصريون تمهيداً لأغنيات تصاعدية أكثر قوة، كما فعلت في أكثر حالاتها إشراقاً مع موشح: «لمّا بدا يتسنى» الذي غنّته بإحساسها العذب، محافظة على أصالة الموشح بعيداً عن التفريد الذي دأب عليه بعض المغنين لهذا الموشح، مما خلخل في لحنه الأصلي.
شخصياً، وجدت لينا شماميان أكثر في أغنياتها الأرمنية. وجدت روحها، وصوتها الذي يصب لصالح حنين ما، عذاب ما، دولة ما، واقتلاع ما وتغرّب.
كانت ثمة منافسة حامية وإن خفية، بين الموسيقى ممثلة بأعضاء الفرقة المصاحبة للغناء، وبين صوت شماميان، حيث احترنا أيهما أكثر روعة، لمّا أظهرت الفرقة «الهارموني» المطلوبة في المصاحبة، كما نسجّل للناي وللبيانو وللإيقاعات تفوقهما في التقاط ذبذبات الصوت الجميل.

عناية جابر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...