لبنان: ما كان محرماً بات مطلوباً
تذكرون بشير الجميل؟
في ذكرى اغتياله الـ24 ،يأتي الأوروبيون الى المياه اللبنانية ، وينزلون على الشواطئ الجنوبية, في مهمة جديدة عنوانها «فلترة» البحر من الأسلحة القادمة الى لبنان.
لو كان بشير لا يزال حياً لقال: تأخرتم ربع قرن على الأقل, ولو كان ريمون اده حياً لقال: تأخرتم اربعة عقود!
كلاهما كان يحلم بقوات دولية €أوروبية بصورة خاصة€ لحماية لبنان او تحييده في الصراع العربي الاسرائيلي, وكلاهما غاب من دون ان يتحقق حلمه.
اليوم يأتون بعد أن تحوّل لبنان الى أولوية أميركية أوروبية, وبعد أن أدرك الأميركيون والأوروبيون معاً أن لبنان, بقواه الذاتية عاجز عن حراسة اجوائه ومياهه وحدوده البرية.
ما زلت أذكر الشيخ بشير, فقد عايشته عن قرب لفترة قصيرة.
أذكر أنه كان يقول «أوروبا ودول العالم ليست قادرة على هضم الوجود المسيحي في هذه المنطقة, لأنه يحول دون تنفيذ مخططاتها».
وأذكر أنه كان أيضاً يقول «الأميركيون والغرب لم يستوعبوا بعد أن ما نقوم به هو دفاع عنهم وعن حضارتهم. انهم يحاولون اليوم بيعنا ببرميل نفط أو بأي شيء...».
ولم يكن الشيخ بشير يستثني فرنسا من إدانته, والدليل أنه قال مرة عن لوي دوغيرنغو وزير خارجية فرنسا السابق «دورياً, كنا نضرب هنا. وكان دوغيرنغو ثائراً علينا. كان يقول من أين لكم ان تصمدوا, أنتم عصابات ويجب تأديبكم».
وثمة دولة أخرى, غير فرنسا, كانت تثير اهتمام بشير الجميل هي ألمانيا الغربية, وقد كان يعتقد أنها تستطيع الاسهام في توطيد استقلال لبنان وسلامته. ومن أجل ذلك حاول مراراً التقرب من الاحزاب المسيحية الالمانية.
ولم يكن الرجل غافلاً عن أهمية العلاقة بين لبنان والاتحاد السوفياتي €سابقاً€ وقد حاول التمييز بين الناحية العقائدية في النهج السوفياتي والناحية السياسية, وكان يقول ان في موسكو حزباً عقائدياً, و«هناك خلاف عقائدي بيننا وبين الاتحاد السوفياتي», لكن هذا الخلاف لا يحول دون قيام روسيا بدورها في حل الازمة اللبنانية. فالسوفيات «عندهم في لبنان دور يريدون ان يلعبوه», ويمكنهم ان يقوموا هم والاميركيون به شرط ان يدركوا ان «لبنان ليس ارضاً سائبة وليس مقاطعة اميركية أو سوفياتية».
ومع ان اهمية الدور الاميركي والسوفياتي في حل القضية اللبنانية بالغ الاثر في الشرق الأوسط, لم يكن الشيخ بشير يريد ان يرهن حل القضية اللبنانية بأميركا وروسيا أو أي دولة اخرى بمفردها, كان يطمح الى حل دولي للقضية ولذلك دعا الى «ان يضمن الوجود اللبناني السياسي الجديد كل الاطراف والدول التي كانت لها علاقة مباشرة او غير مباشرة بأحداث لبنان, واهمها سوريا والدول العربية وأميركا والاتحاد السوفياتي والدول الكبرى والأمم المتحدة».
اليوم وصل الأميركيون في عباءة أوروبية, أو الأوروبيون في عباءة أميركية €لا فرق€ لكن بشير الجميل وريمون اده غائبان.
ووصول الأوروبيين يوقظ في الوسط السياسي المسيحي مشاعر متناقضة. انهم قادمون تلبية لرغبة اخرى, هي ليست مسيحية بالتأكيد, بعدما دخل لبنان والمنطقة مرحلة اخرى ليس للمسيحيين فيها لا جمل ولا ناقة.
المسيحيون غائبون سياسياً الى حد الغيبوبة الكاملة, وهم أكثر من أي زمن في موقع التلقي لا في موقع المبادرة, وفي الوقت الذي يرتقي كل من الرئيس نبيه بري والرئيس فؤاد السنيورة الى مرتبة رئيس الدولة, يتراجع دور «الرئيس» المسيحي الى مرتبة ملكة انكلترا التي تملك ولا تحكم, مع فارق بسيط هو ان البريطانيين جميعا يتلاقون على حب الملكة واحترامها.
أين كنا؟
كنا نقول ان ما كان يعتبر أمس من المحرمات اللبنانية, صار اليوم مشروعاً ومطلوباً.
العالم تبدل, والمنطقة تحولت, ولبنان أيضاً.
نحن في زمن آخر يقول فيه الأباتي بولس نعمان انه «الزمن الايراني» الذي أشعل الحرب الأخيرة بين اسرائيل و«حزب الله».
لكن الأباتي نعمان لا يعتبر الزمن الجديد مشكلة مسيحية, «انه أفضل من أي يوم آخر لبناء الاستقلال من جديد».
كم تغيّر لبنان!
فؤاد حبيقة
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد