الأسـد: لا نطلب من لبنان سوى الأمن والتعاون وألا تتآمر دولة ضد أخرى
اعتبر الرئيس بشار الأسد، أمس، انه مهما تكن نوايا الحكومة السورية والحكومة اللبنانية جيدة فان العلاقة بين البلدين لا تنفصل عن الانقسام في لبنان «فهذا تاريخ لبنان منذ قرون وليس منذ عقود، وهو ما يؤثر سلباً على علاقة لبنان مع الآخرين، ولكن بشكل خاص مع سوريا»، واشار الى ان عددا كبيرا من المغرر بهم من اللبنانيين اكتشف ان سوريا لم تكن لها علاقة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وقال ان دمشق لا تطلب من لبنان سوى «الامن والعلاقات الجيدة، يعني الا تتآمر دولة ضد اخرى وان تتعاون معها سياسيا واقتصاديا».
وكان الاسد يتحدث بعد محادثات سياسية شاملة مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في دمشق، تراوحت بين الموضوع القديم المستجد الخاص بالتعاون الأمني بين البلدين إلى الوضع في العراق وعملية السلام ومن ثم لبنان. وارجأ الزعيمان العلاقات الثنائية الى غداء عمل ضم مسؤولين من الجانبين لبحث ما وصلت إليه العلاقات السورية التركية.
وقد جاء لقاء الأسد مع أردوغان بعد مشاركة الأول في القمتين العربية والعربية - الإفريقية، وبعد أسبوع على زيارته إلى طهران حيث كان الموضوع العراقي حاضرا بقوة، حيث اتفق الجانبان على أهمية أن تتشكل حكومة وحدة وطنية من غير صبغة طائفية أو عرقية.
وبعد محادثات استمرت أكثر من ثلاث ساعات وتضمنت لقاء ثنائيا، تلاه غداء عمل، أكد الأسد وأردوغان، في مؤتمر صحافي مشترك، أن العلاقات السورية التركية قطعت أشواطاً كبيرة، وأصبحت شراكة إستراتيجية بين البلدين وفوائدها لا تقتصر على البلدين فقط وإنما تعم البلدان الأخرى، مشيرا إلى أن هذه العلاقات توسعت وانضم الأردن ولبنان إليها وستتوسع باتجاه دول أخرى.
وأعلن الأسد أنه تم التركيز، خلال اللقاء، «على الموضوع السياسي»، موضحا أنه «من الطبيعي أن تكون الأولوية للموضوع العراقي». وقال «هناك عملية تشكيل حكومي، المفترض أنها بدأت مباشرة بعد انتهاء الانتخابات في العراق. ومر أكثر من ستة أشهر ولم تتشكل الحكومة. ومن الطبيعي أن يكون لدول جوار العراق قلق وأمل في الوقت ذاته من أي تغيير يحصل فيه، لأنه يؤثر فينا سلباً أو إيجابا بحسب الوضع في العراق سياسياً وأمنياً».
وأشار الأسد إلى أن حديثه يأتي من اهتمامه وتركيا باعتبارهما دول جوار، من دون أن يعني ذلك أن هذه «الدول تتحدث نيابة عن العراقيين.. يبقى العمل والقرار للعراقيين».
من جهته، اعتبر أردوغان أن أية «حكومة عراقية يتم بناؤها على أسس طائفية أو مذهبية أو عرقية لن تأتي بتطور للعراق، ويجب أن تبنى الحكومة المقبلة على أسس وطنية، وتهدف إلى تحقيق وحدة الشعب العراقي»، مبديا استعداد بلاده لتقديم كل الدعم للجانب العراقي.
أما في الموضوع اللبناني، فأشار أردوغان إلى أنه كان جزءا من محادثات الطرفين، فيما أكد الأسد، ردا على سؤال، أن العلاقات اللبنانية السورية محكومة بالتوافق اللبناني.
وقال الأسد، ردا على سؤال حول العلاقات السورية اللبنانية والتطورات الأخيرة والبعد الذي تقف عليه هذه العلاقات، إن «تركيا بدأت منذ سنوات محاولات تحسين العلاقات السورية اللبنانية من خلال علاقتها بأطراف مختلفة في لبنان، ومن خلال علاقتها مع الحكومة السورية واعتقد أن المصداقية التركية كبيرة في هذا النوع من العلاقات وتؤدي إلى نتائج جيدة».
وأضاف الأسد «في الوقت ذاته اكتشف عدد كبير أو عدد من المغرر به، وهو عدد كبير من اللبنانيين بان سوريا لم يكن لها علاقة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري كما اتهمت في عام 2005، وطبعاً نحن لم يكن لدينا أي شكوك في سوريا ولم يكن لدينا أي قلق في هذه النقطة، ولكن كان من الطبيعي أن نعطي ردة الفعل المبالغ بها في ذلك الوقت نتيجة التحريض وكان لا بد من إعطائها الوقت لكي تعود إلى وضعها الطبيعي».
وقال إن «العلاقة السورية اللبنانية بالمحصلة، مهما تكن نوايا سوريا جيدة ونوايا الحكومة اللبنانية جيدة، فهي لا تنفصل عن الوضع داخل لبنان. هناك في لبنان انقسام، وهذا الانقسام ليس بجديد، فهذا تاريخ لبنان منذ قرون وليس منذ عقود. فيه الكثير من الانقسام، ودائماً هذا الانقسام يؤثر سلباً على علاقة لبنان مع الآخرين، ولكن بشكل خاص مع سوريا، كون سوريا هي الدولة الوحيدة المجاورة للبنان، على اعتبار أن إسرائيل هي دولة عدو وتحتل الأراضي - نحن لا نفترضها دولة مجاورة، لكي نكون واضحين حول هذه النقطة - فإذا نحن دائما نشجع اللبنانيين على التوافق لكي تتحسن هذه العلاقة. من دون التوافق اللبناني سيبقى هناك سقف لهذه العلاقة. تتحسن كما يحصل الآن ولكن لا تتحسن بالشكل الكافي لكي تعود علاقات طبيعية».
وأضاف الأسد «بالنسبة لنا في سوريا، ليس لنا ولم نطلب من اللبنانيين أي مطلب. نحن نريد من لبنان فقط شيئا وحيدا نطلبه من أي دولة، الأمن والعلاقات الجيدة. يعني ألا تتآمر دولة ضد أخرى وأن تتعاون معها سياسيا واقتصاديا بالشكل الذي يخدم العلاقات بين البلدين».
وحول عملية السلام، أشار الأسد إلى وجود أفكار تطرح من قبل دول أخرى مهتمة بهذا الملف ومحاولة تحريك المسارات. وقال أن ما استجد منذ لقاء الطرفين في أيار الماضي كان «المبادرات الجديدة لبعض الدول في عملية السلام لتحريك المسار السوري»، موضحا أنه أطلع أردوغان على الأفكار التي طرحت من قبل هذه الدول، مشيرا إلى أنها «لا زالت أفكارا أولية، ولا نستطيع أن نعرف إن كانت ستدفع هذه العملية أم لا». وأوضح أن «الأجواء ليست إيجابية» و«الكل يعرف أن الطرف العربي يرغب فعلا بعملية السلام وفي المقابل الطرف الإسرائيلي يعمل في الاتجاه المعاكس». وقال «لا نتحدث هنا عن التصريحات، وإنما نتوقف عند الأفعال»، معتبرا أن تصرفات الحكومة الإسرائيلية الحالية «لا تنفصل عن المؤتمر الصهيوني الذي جرى في القرن التاسع عشر».
واعتبر الأســد أن قرار فرض قسم الدولة اليهــودية على كل طالبي الجنسية الإســرائيلية هو قرار «عنصري وفاشــي»، موضحا أنه إن كان من شيء مفرح في هذا القــرار فهو أنه يعبر عن حقيقة إســـرائيل العنصرية.
وقال أردوغان «أنا لم اطلع على نص هذا القرار حتى الآن، لكن هناك نقطة واضحة في هذا الشأن وعلي أن أقولها قبل كل شيء. موضوع المواطنة الدستورية شيء آخر لا يستطيع أحد أن يعترض عليه إذا كان هناك جهود ومساع فقط لفرض هذا الأمر فنحن نعتبر أنه إذا كان هنــاك فــرض أو ضغط لإتباع هؤلاء بهذه الطــريقة التي تجري فهذا خطأ، ونعتبر أنه جريمــة تقــترف بحق الإنسانية، وهذا الأمر يتعلق بالشخص نفســه الآن، لكن أحدا لا يستطيع أن يــفرض المواطنة على أي شخص آخر وخاصة إذا كانت في هذا الإطار وفي هذا الشكل».
أما الموضوع المثير الآخر على جدول اعمال الطرفين، فكان موضوع التعاون الأمني في مجال حزب العمال الكردستاني. وقال الأسد، ردا على سؤال عن مدى استعداد سوريا لاستعادة بعض ممن تراجعوا عن حمل السلاح، خصوصا بعد أن روجت الصحافة التركية أن دمشق ستستقبل ألفا من هؤلاء، أن «موقف سوريا لم يكن موقفا طارئاً. مرت سوريا بحالات مختلفة، وكان فيها عمليات إرهابية تحت عناوين مختلفة وعناوين أخرى. ومن الطبيعي والمفيد أن تسعى أي دولة إلى فتح المجال والأبواب لكل من يريد التراجع عن خطئه لكي يكون قادرا على القيام بهذا التراجع. ومن المهم أن يكون هناك دائما إطار يحكم هذه العملية، وهو إطار وطني يتحدد من خلال المصالح الوطنية التي تجمع عليها مختلف شرائح المجتمع».
وأضاف الرئيس السوري «هذا الموقف ليس فيه شيء جديد. هو موقف قديم ارتبط بقضايا أخرى مشابهة وسيبقى موجودا دائما. كل من يخطئ يجب أن نفتح له الباب، ويبقى في مثل هذه الحالة أن هناك شيئاً مشتركاً بين سوريا وتركيا من خلال النظرة لهذه العمليات، أو من خلال التنسيق الموجود بين سوريا وتركيا في المجال السياسي والأمني تجاه هذه العمليات. أن يكون هناك ربما وضع أطر متشابهة للتعامل معها».
وأوضح الأسد أن «الإرهابي قد ينتمي إلى دول مختلفة والإطار الوطني يختلف، ففي سوريا الإطار الوطني هو إطار سوري، وفي تركيا الإطار الوطني هو الإطار التركي، ولكن المبدأ واحد فالتنسيق في هذا الموضوع بيننا وبين تركيا مهم جدا، لكي نحدد إطاراً واحداً أو متشابها، ولكن بالنسبة للعفو هي ليست عملية عفو وإنما باب مفتوح، ويجب أن يبقى مفتوحا لفترة طويلة أو ربما يبقى مفتوحاً دائماً. لا يجوز أن نقوم بعملية عفو، ومن ثم نغلق باب العفو، فهي ليست عفواً عن شخص بمقدار ما هي فتح باب لأشخاص يريدون أن يتراجعوا عن خطأ اليوم أو في المستقبل، أن يتراجعوا عن هذا الخطأ لكي يعودوا جزءاً طبيعياً من مجتمعاتهم في سوريا وتركيا وإيران والعراق لكي يخدموا هذه المجتمعات».
بدوره أكد أردوغان على أهمية التعاون الأمني الثنائي، مشيرا إلى الحدود الطويلة بين الدولتين، وإلى التنسيق الجاري بين وزراء داخلية البلدين.
أما في موضوع العلاقات التركية الإسرائيلية، فقال أردوغان أنه لا شيء جديدا على الصعيد السياسي وإن كانت العلاقات التجارية مستمرة. وكرر اشتراط تركيا اعتذار الجانب الإسرائيلي عن الاعتداء على «أسطول الحرية» وتعويض عائلات الشهداء، مشيرا إلى أن التحقيق الذي أجري يثبت أن من استشهد من الأتراك «أعدم» لأن بعضهم اخترقت 30 طلقة جسده من مسافة قريبة.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد