باولو كويلو: فكِّر قليلاً عن الموت

15-09-2010

باولو كويلو: فكِّر قليلاً عن الموت

عندما كنت أقرأ مقالةً.
أعتقد أنّ هذه المقالة سوف تقرأ في غضون ثلاث دقائق.
في الواقع، أشارت الإحصاءات إلى أنّ 300 شخص سيموتون و620 آخرين سيولدون في هذه الدقائق الثلاث.
ربما استغرقت كتابة النصّ نصف ساعة: فها إنّي أركّز في حاسوبي وإلى جانبي بعض الكتب، والأفكار تضجّ في رأسي، والسيارات تمرّ في الخارج. يبدو كلّ شيء طبيعيّاً من حولي. لكن، خلال الدقائق الثلاثين تلك، مات 3000 شخص وأبصر 6200 طفل النور، نور العالم، للمرّة الأولى.
أين هي آلاف العائلات التي بدأت الحداد على شخص فقدته، أو أخذت تضحك وتبتسم لقدوم ابن أو حفيد أو أخ إلى هذا العالم؟
ها إنّي أتوقف عن الكتابة وأغوص في التأمل لبرهة. ربما حدثت بعض هذه الوفيات بعد صراع طويل مع الألم والمرض، وشعر بعض هؤلاء الناس بالراحة مع قدوم الملاك ليخطف أرواحهم.
كذلك سيتمّ التخلّي، من دون أدنى شك، عن مئات من هؤلاء الأطفال الذين ولدوا للتوّ في أيّ وقت كان، وستنقل أسماؤهم من إحصاءات الولادات هذه إلى إحصاءات الوفيات قبل أن أنتهي من صياغة نصّي.
إنّها إحصائيّة بسيطة اطلعت عليها من فوري لأشعر فجأة بالخسائر والمكاسب والابتسامات والدموع.
كم من الناس يفارقون الحياة طريحي الفراش ووحيدين، وما من أحد يكترث لما يحدث لهم؟ وكم من طفل سيولد بالسرّ وسيُترَك وحيداً عند باب ميتم أو دير؟
أشعر بهذا الواقع ينعكس على ذاتي. فقد كنت أنا نفسي جزءاً من إحصاءات الولادات، وسوف يُدرَج اسمي ذات يوم في عِداد الموتى أيضاً.
أشعر بالسعادة لأنني أدرك أنني سأموت في يوم من الأيام. ومنذ ذلك اليوم الذي عبرتُ فيه الطريق إلى سانتياغو، أدركتُ أن الحياة تستمر ونحن جميعاً أزليون، وأنّه سوف يأتي ذلك اليوم الذي ينتهي فيه كلّ شيء. وإن كنتَ تؤمن بحياة أخرى، فما أعطيَ لنا لنحياه هو هذه اللحظة بالذات.
قلّما يفكّر الناس في الموت، فهم يمضون حياتهم منشغلين بالتفاهات، ويؤجّلون أعمالهم ويُعرضون عن اللحظات المهمّة. لا يخاطرون لأنهم يعتقدون أن المخاطرة محفوفة بالأخطار أيضاً. يشتكون باستمرار، لكن فرائصهم ترتعد خوفاً متى يحين الوقت للقيام بعمل ضروريّ.
يريدون أن يغيّروا كلّ شيء إلاّ أنّهم يأبون تغيير أنفسهم.
إذا أمعنوا في التفكير وفكّروا أكثر في الموت، لما أجّلوا المكالمة الهاتفية التي ينبغي لهم إجراؤها اليوم إلى الغد، ولكانوا أكثر جنوناً، ولما خافوا من نهاية هذا التجسّد لأنّ المرء لا يخاف من قدر محتوم.
يقول الهنود: "اليومَ يوم مناسب لمغادرة هذا العالم كأيّ يوم آخر". وقالت ساحرة ذات مرّة: "إنّ الموت يجلس إلى جانبنا دائماً. فعندما تريد أن تقوم بأعمال مهمّة فإنّه يعطيك القوّة والشجاعة".
أتمنّى، يا قارئي العزيز، ألاّ تكون قد اطّلعتَ على الإحصاءات فحسب، بل أدركتَ أيضاً كنه مهمّتك ورسالتك على هذه الأرض. نعم، سوف نموت جميعاً، عاجلاً أم آجلاً، ولكنّ تقبّلَ فكرة الموت هو الطريقة المثلى للاستعداد لخوض غمار الحياة.

 

ترجمة عزّة طويل

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...