الحرائق تقلص مساحات الغابات إلى 2.8 %
استخدمت الحرائق منذ القدم في جميع أنحاء العالم من أجل مقاومة الآفات, وتحضير الأرض للزراعة، وزيادة كمية النباتات المستساغة من قبل الحيوانات الأليفة. أما اليوم، فقد تغيرت الحال، حيث أصبحت الحرائق العامل الرئيس المدمر للغابات في أنحاء عديدة من غابات سورية وأراضيها الحراجية، وتتسبب في أضرار اقتصادية وبيئية فادحة، وتؤدي في بعض الحالات إلى موت العديد من السكان المحليين ورجال الإطفاء والحيوانات الأليفة والبرية. ولاشك في أن التبدلات المناخية وارتفاع الحرارة التي تشهدها سورية حالياً ترفع من احتمالية حدوث الحرائق وهو السبب الذي لم يعتبره المعنيون بخطورة الحرائق التي أتت على ملايين الأفدنة من محاصيل القمح في روسيا، وهي ثالث أكبر منتج للقمح في العالم، نتيجة موجة الحر التي لم تشهدها روسيا منذ 130 عاماً.
وبينما تظهر الحرائق بشكل طبيعي في النظم البيئية بإحدى الشكلين الأرضي أو التاجي الأكثر خطورة، فإن فترة تمتد ما بين الدقائق والساعات من النيران كفيلة أن تحول غابة خضراء إلى رماد، مع كل الخسائر الاقتصادية والبيئية الناجمة عن الخسائر النباتية والحيوانية والبشرية أحياناً.
وعلى الرغم مما تلعبه الحرائق من الدور الإيجابي في ديناميكية النظم البيئية، فالمواد العضوية المتراكمة خلال فترات طويلة تحترق محررة العناصر الغذائية. إلا أن معناها يبقى واحداً بكل الحالات هو الدمار والتشويه لثروة هي الأغلى والأجمل في سورية. وبمجرد توافر ثلاثة شروط تعرف باسم مثلث الحريق هي الأوكسجين والحرارة والوقود.
مربط الحديث..
أسئلة كثيرة تخطر إلى الأذهان بمجرد رؤية المشهد الرمادي أو الأسود يحل محل الأخضر النضر، مثلاً لدينا ما يكفي من أدوات إطفاء حرائق الغابات أم أننا نعتمد في سورية وكالعادة على دول الجوار لإطفاء حرائق غاباتنا وهل لدينا طائرات مخصصة لإطفاء هذا النوع من الحرائق؟
ومع التوجه في الخطط الحالية والمستقبلية للحفاظ على الغابات وزيادة رقعتها، هل يشير الواقع إلى ذلك فعلاً أم العكس، لاسيما أننا بتنا نسمع عن حرائق تلتهم أراضي في مناطق متنوعة وواسعة كالحريق الذي حصل في إحدى قرى السويداء الخميس الماضي، ضمن حلقات مسلسل الحرائق الذي تشهده المحافظة في الأراضي الحراجية لتكون قد تعرضت هذا العام لأكثر من 300 حريق حسب تصريحات فوج الإطفاء أتت على 559 دونماً مزروعة بالأشجار المثمرة و183 دونماً مزروعة بالمحاصيل الحقلية و62 دونماً أراضي بور و254دونماً أراضي حراجية وفقاً لمصادر مديرية زراعة السويداء.
ومؤخراً شب حريق آخر في قرية الحسينية غرب مدينة جسر الشغور في إدلب والتهم عشرات الهكتارات من الأشجار المثمرة والحرجية وبعض منازل القرية التي هرب سكانها والذي يتجاوز عددهم أكثر من 2500 شخص، إضافة إلى حرائق أخرى في اللاذقية وصلت إلى 40 حريقاً حراجياً أتى على 250 دونماً، بالإضافة إلى 50 حريقاً زراعياً. تعتبر بحسب حسان بدور مدير زراعة اللاذقية أقل من حرائق الأعوام الماضية نتيجة زيادة أعمال التوعية بمنع إشعال الحرائق في الغابات ونظام المناوبة على مدار 24 ساعة.
حرائق تصيب آلاف الأشجار في مناطق منتشرة حول سورية قد تبقى مجهولة المصدر، وقد يشتبه بأشخاص أو تأتي نتيجة الإهمال لاسيما مع صعوبة التحقيق والتعاطي مع هذا الموضوع الخطر.
ماوصلت إليه غابات سورية بالأرقام
تهدد الحرائق الثروة الحراجية في عموم الأراضي السورية؛ فقد اندلع في العام الماضي فقط نحو 439 حريقاً، التهمت 2555 دونماً من الحراج والغابات التي كانت تغطي 32% من مساحة البلاد في مطلع القرن العشرين، لتصبح الآن على مساحة لا تتجاوز 2.8% من المساحة الكلية لسورية.
حديث الشارع
للحرائق تأثيرها الكبير على التنوع الحيوي والتربة والمياه الجوفية فضلاً عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية تزيد هذه الخسائر مع غياب وسائل الإنذار والكشف المبكر عن الحرائق كأبراج المراقبة، والدوريات المحمولة أو الراجلة، وحراس الغابات الفاعلين، والمتطوعون من سكان الغابات، الطيران، وبعض الأجهزة الإلكترونية الحديثة، فالكشف عن الحريق هو الخطوة الأولى في السيطرة عليه، ولذلك كلما تم ذلك بسرعة كانت النتائج أفضل. وبحسب ما وصل إليه الدكتور محمود علي أستاذ في قسم الحراج والبيئة في جامعة تشرين في دراسته من أن أسباب الحرائق جاءت كما دونت في سجلات شعب الحرائق في مصالح الحراج في هذه المحافظات, ولابد من التنويه إلى التداخل الكبير بين هذه الأسباب؛ إذ إن غالبيتها بشرية المصدر، ولاتتجاوز نسبة الحرائق الطبيعية ( خاصة البرق) 1% ثمة تداخل آخر يجب الإشارة إليه وهو أن قسماً كبيراً ( إضافة لما ورد تحت الإهمال) من الحرائق المشار إليها في هذه النشرة ناجماً عن الإهمال أيضاً ( التحريق الزراعي، أسلاك الكهرباء، السواح، التدخين).
أسباب حرائق الغابات في سورية، هي بشرية بامتياز، ولذلك لابد من معالجة سلوك الأشخاص الموجودين على تماس مباشر مع الغابات. ومن أهم دوافع مفتعلي الحريق بحسب مصادر خاصة هي امتلاك أراضي الغابات بعد حرقها وتحويلها إلى أراض زراعية وزراعتها بالأشجار المثمرة كالحمضيات أو الزيتون، بالإضافة إلى الحصول على الفحم. وبحسب المصدر ذاته، فإن حريق الغابات يتم أحياناً بالتواطؤ والاتفاق بين مفتعليه والجهات المعنية بحماية هذه الغابات .
قضية ورأي
بحسب الدكتور زياد جباوي مدير الحراج في وزارة الزراعة، تعتبر الثروة الحراجية من أهم الثروات الطبيعية وتغطي مساحة 507 آلاف هكتار أي بنسبة تقدر بـ2.8 % من المساحة الإجمالية لسورية، لكنها تتعرض إلى التعديات، حيث تشكل حرائق الغابات أخطرها نتيجة حرق مخلفات الأرض الزراعية وإلقاء عمال البلديات القمامة في الغابات والاصطياف العشوائي وإلقاء أعقاب السجائر والتفحيم غير النظامي مع مصادر بشرية مقصودة، مؤكداً أن الدوافع تبقى مجهولة حتى مع التحري والتحقيق مع المشتبه في إحداثهم الحريق .
وأكد جباوي أن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي تتخذ للحد من نشوب الحرائق عدة إجراءات كالتوسيع في بناء مراكز حماية الغابات وتأمين مستلزماتها والتوسع في بناء أبراج المراقبة للإعلام عن الحريق عند نشوبه وفتح خطوط النار والطرقات التخديمية والتوسع في شبكة الاتصالات اللاسلكية وزيادة عدد الصهاريج والإطفائيات وتأمين سيارات لنقل عمال فرق الحرائق، بالإضافة إلى تخصيص رقم 188 كطوارئ لحرائق الغابات مجاناً للإعلام عن أي حريق في الغابات وتجهيز 5 حوامات لاستخدامها عند الضرورة وتشكيل فرق متنقلة لمكافحة حرائق الغابات تتمركز في المناطق الحساسة وتأمين مستلزماتها مع تجهيز مقرات مناوبة على مدار الساعة،وأكد جباوي أهمية الإجراءات الوقائية كتخفيف كميات الوقود في المواقع المعرضة للحريق عن طريق تقليم الأشجار في جوانب الطرقات وفي مناطق ارتياد المصطافين.
ونظراً لسرعة الرياح التي تسهم في زيادة انتشار الحرائق، فيتم بحسب جباوي تقسيم الغابات إلى قطاعات ومقاسم حراجية يسهل السيطرة عليها وإدارتها بشكل أفضل مع التركيز والكلام لجباوي على التوعية الجماهيرية لتشمل كافة فئات المجتمع، بالإضافة إلى محاولات لوضع نظام إنذار مبكر تحت الخدمة بالتعاون مع تركيا.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة حول ما يمكن فعله بعد نشوب الحرائق على مساحات واسعة وضياع الثروة الغابية ويأتي الجواب على لسان جباوي، حيث تتجه وزارة الزراعة إلى القيام بعمليات التحريج سنوياً وفقاً لخطط إنتاجية بزراعة مساحات تدخل للمرة الأولى في عمليات التحريج لزيادة المساحات الحراجية، إضافة إلى إعادة تأهيل وزراعة المساحات التي تتعرض للحرائق.
وعد زينية
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد