نتنياهو يؤيّد تهديدات ليبرمان لدمشق وحديـث عن تدخل أميركي للتهدئة
تمسك وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان، في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي أمس، بتهديداته لسوريا، قائلا انه لم يقصد بتصريحاته تقويض اتصالات سرية تجري مع دمشق لأنه ليس هناك أصلا مثل هذه الاتصالات.
وتناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية غضب الإدارة الأميركية من تبادل التهديدات وسعيها إلى تهدئة الأزمة. ولم تخف الصحافة الإسرائيلية البعد الداخلي في دوافع ليبرمان لتهديد سوريا، بل إن صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عنونت صفحتها الأولى بأن ليبرمان «يحاول دق إسفين بين نتنياهو وباراك» في إشارة إلى وزير الدفاع ايهود باراك.
ونقلت الصحيفة عن مصادر رفيعة المستوى قولها إن خلفية هذه التهديدات، حزبية، وهي محاولة لخلق ثقل مضاد لمسعى باراك والمؤسسة العسكرية لإقناع نتنياهو باستئناف المفاوضات مع سوريا. وأضافت إن ليبرمان يعارض هذا المسعى، ويعمل من أجل استئناف الردع ضد إيران وسوريا و«حزب الله» وحركة حماس.
ومن ناحية أخرى، ألمح ألوف بن في «هآرتس» إلى أن إسرائيل تلحظ من دون شعور بالرضى تحسن موقف سوريا حتى إزاء الولايات المتحدة. وكتب في تحليله لدوافع التهديدات أن الرئيس بشار الأسد «يسعى لتوثيق العلاقات مع أميركا من دون الاضطرار للمرور عبر بوابة اسرائيلية، ودون أن يتنازل عن الحلف الاستراتيجي مع إيران. وقد نجح في أن يصر على موقفه أمام الأميركيين من دون أن يدفع أي ثمن، ودون أن يكون مطالبا بمصافحة إسرائيلية أو تلطيف حدة مواقفه في المسيرة السلمية».
كما أن المراسل السياسي لـ«يديعوت احرونوت» شمعون شيفر أشار إلى ذلك أيضا عبر تأكيده على الموقف الأميركي. وقال «قبيل الخروج المخطط له للقوات الأميركية من العراق، في (آب) العام 2010 تستعد الإدارة إلى خلق اتفاقات مع دول المنطقة لضمان ألا يتفكك العراق. من ناحية الولايات المتحدة هناك أهمية كبيرة للطريقة التي ستتصرف بها سوريا: يمكنها أن تشجع مجموعات إرهابية، ويمكنها أن تتعاون مع الأميركيين».
غير أن هناك في إسرائيل من يشدد على أن نتنياهو مرتاح للتجاذب داخل حكومته بين قطبي ليبرمان وباراك في الشأن السوري. ويرى المقربون منه أن أسلوب ليبرمان ليس الأسلوب المفضل ولكن الرسالة التي أطلقها كانت مطلوبة. وفي نظره فإن تهديد وزير الخارجية السوري وليد المعلم بضرب المدن الإسرائيلية إذا نشبت مواجهة في لبنان أمر لا يمكن السكوت عنه، ولذلك فإنه يوافق على رد ليبرمان بهذا الشأن.
وكان ليبرمان عاد أمس وكرر أن «ردي الذي جاء للتوضيح بأن هذه أقوال غير محتملة، اصطدم على الفور بنوع من الرد الهستيري هنا في البلاد. إذ كيف
تجرأنا على إغضاب القبضاي؟ وأنا أكرر القول بأنني آسف لعادة اليسار الإسرائيلي هذه. وبالمناسبة فإن هؤلاء أنفسهم هم من برر تقرير غولدستون. فكيف نجرؤ نحن أبدا على الرد». وأضاف «أعتقد أنه في الشرق الأوسط لا ينبغي أن تمر أقوال بهذه الخطورة من دون رد. وهذا جزء من السياسة».
ونفت مصادر إسرائيلية أن تكون الولايات المتحدة قد تدخلت. كما أن مصدرا رفيع المستوى قال للتلفزيون الإسرائيلي، أن لا صحة أبدا لوجود اتصالات سرية مع سوريا. ولهذا قال ليبرمان: «آمل أن ترى وسائل الإعلام أنه ليست هناك اتصالات سرية مع سوريا لا يعلم بها المجلس الوزاري المصغر أو الهيئة السباعية أو وزير الخارجية».
غير أن القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي أكدت أن الإدارة الأميركية سعت لتخفيض لهيب التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وسوريا. ونقل مراسلها في واشنطن عن مسؤولين أميركيين قولهم إن «إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تريد رؤية استئناف مفاوضات السلام وليس سماع صليل سيوف الحرب».
وكانت «يديعوت» أشارت إلى أن الإدارة الأميركية طلبت من إسرائيل إيضاحات في أعقاب «خطاب التهديدات» الذي ألقاه ليبرمان. وأكدت أن واشنطن بعثت برسائل عاجلة دعت فيها إلى تهدئة الخواطر في الجبهة السورية.
وأشارت مصادر إعلامية إسرائيلية عديدة إلى أن الدولة العبرية بعثت لسوريا رسائل تهدئة من خلال محافل دبلوماسية إيطالية وأسبانية تدعو للتهدئة. وأشار عاموس هارئيل وآفي يسسخاروف في «هآرتس» إلى أن الجيش الإسرائيلي وجد صعوبة في هضم دوامة الأيام الثلاثة الأخيرة. ونقل الصحافيان المتخصصان عن ضباط، هزوا رؤوسهم يأسا في ضوء تصريحات ليبرمان، قولهم «هذا انعدام مجنون للمسؤولية، فيما أنه على الأرض لا يوجد أي أساس للتهديدات الحربية». وأشارا إلى أن اقتراب الذكرى السنوية لاغتيال القيادي في «حزب الله» الشهيد عماد مغنية، والخشية من عمل ثأري من جانب الحزب، يستدعي زيادة اليقظة الاستخباراتية، وليس التصريحات الحربية. وكتبا أن هيئة الأركان وقيادة المنطقة الشمالية، امتنعتا عن قصد عن رفع حالة التأهب، والتي قد تفسر بشكل مغلوط في الطرف الآخر.
ورغم كل ما يشاع عن ضغط الجيش الإسرائيلي على نتنياهو لاستئناف المفاوضات مع سوريا فإن عددا من قادة الجيش يرون الأمور بشكل مختلف. وهكذا فإن «معاريف» نشرت تصريحات قائد المنطقة الوسطى الجنرال آفي مزراحي، أمام المستوطنين في رده على تصريحات المعلم حول الرد في مدن إسرائيل، إن شنت إسرائيل حربا جديدة. وقال مزراحي «بوسع سوريا أن تصل إلى مدننا باستخدام الصواريخ، ولكننا في الوقت ذاته يمكننا أن نصل إلى دمشق. افترض أنهم فهموا ماذا يمكننا أن نفعله. لو كانوا يعرفون أن هناك ميزانا آخر لشنوا الحرب. لدينا ميزان ردع والسوريون يعرفونه». ومع ذلك أشار مزراحي إلى أن «الجميع رأى ما يستطيع الجيش الإسرائيلي فعله. رأوا ذلك في لبنان 2006، كيف أننا دمرنا في الضاحية في اقل من دقيقة ستة مبان من دون أن نضر المحيط. يوجد لهذا ميزان ردع».
وواصل مزراحي حديثه عن الجيش السوري. وقال «لما كان الميزان الاستراتيجي ليس لصالحه، فهو لا يمكنه أن ينتصر علينا. وعليه فإنه يجلس حتى الآن بهدوء. ليس لديه أي فرصة أمامنا وهو يعرف ذلك». وفي السياق تطرق إلى إمكانية مواجهة عنيفة تشتعل حيال سوريا، موضحا «إذا اضطررنا فسنهزمهم هزيمة لا لبس فيها».
وفي باريس، قال رئيس الشؤون الخارجية في مجلس الشعب السوري سليمان حداد، خلال ندوة إلكترونية أقامها «مركز الدراسات العربي ـ الأوروبي» حول «سعي فرنسا لاستضافة مؤتمر دولي للسلام»، «بالنسبة للعرب تزداد قناعتهم بأن كل ما قدموه من تنازلات وعروض تشجيعية لا تجدي نفعا في عودة حقوقهم المشروعة، ولأنها لا تجدي نفعا لا بد من البحث عن وسائل أخرى، أي إعادة النظر بسلاح البندقية». وتابع «نحن في سوريا نؤمن وندعو للسلام لكن إن فرضت إسرائيل خيار الحرب على سوريا، فسوف تكون عواقبه شديدة وعلى إسرائيل تحمل نتائج الحرب مع سوريا».
وقال وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط، ردا على كلام ليبرمان، إن «مصر تعارض تصاعد النبرة الإسرائيلية الحادة ضد أي دولة عربية وتلويحها بالحرب، ليس فقط من ناحية المبدأ بل أيضا في ضوء التداعيات السلبية الكبيرة لتوتير الأجواء في المنطقة، في الوقت الذي تعمل فيه قوى إقليمية ودولية عديدة في مقدمتها مصر على استعادة الأمل بتحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة».
ووصف وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي في تصريح لوكالة «ارنا»، التهديدات بأنها «نوع من الإرهاب بهدف الابتزاز».
ودعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو سوريا وإسرائيل إلى تجنب أي أعمال أو تصريحات تزيد من التوترات في المنطقة، مؤكدا أن باريس تأخذ على محمل الجد تصاعد الحرب الكلامية والتهديدات المتبادلة بين سوريا وإسرائيل.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد