غياب آليات تنفيذ قرار رفع رؤوس أموال المصارف التقليدية والإسلامية
رفع مجلس الوزراء رأسمال المصارف الخاصة التقليدية، ليكون الحدّ الأدنى له 10 مليارات ليرة سورية, ورأسمال المصارف الإسلامية، ليكون الحدّ الأدنى له 15 مليار ليرة, على أن يتمّ استكمال ذلك خلال 3 إلى 5 سنوات.. وكانت الحكومة السورية أقرّت في آب الماضي مشروع قانون تعديل بعض مواد القانون رقم 28 لعام 2001, والذي يقضي برفع رأسمال المصارف الخاصة التقليدية إلى 300 مليون دولار (15 مليار ليرة), والمصارف الإسلامية إلى 500 مليون دولار (25 مليار ليرة).. علماً بأنّ الحكومة رفعت في شباط عام 2007 الحدّ الأدنى من رؤوس أموال المصارف الخاصة إلى 3 أضعاف (من 30 مليون إلى 100 مليون دولار) .وللمصارف الإسلامية إلى الضعف (من 100 مليون إلى 200 مليون دولار), بهدف جذب المؤسسات المصرفية الضخمة
هذه القرارات أتت على مدار ثلاث سنوات، ودأبت بها الحكومة على رفع رؤوس أموال المصارف السورية، هادفة من وراء ذلك إلى جذب الاستثمارات، وخاصة البنوك الكبيرة والعالمية، علماً بأنّ هذه البنوك الكبيرة والعالمية تعاني حالياً من أزمة مالية لم تستفق منها بعد!!....
وجدان أبو عيسى (خبيرة مصرفية) ترى أنّ قرار مجلس الوزراء برفع رأسمال المصارف، خطوة احترازية من جانب المصرف المركزي، تجعل السوق المصرفية السورية أكثر أماناً لتدعيم قدرتها الرأسمالية، وبالتالي زيادة الوزن النسبي لرأس المال إلى إجمالي رقم ميزانيتها، وتعتقد أنّه يدعم قدرة المصارف على تلبية متطلبات المصرف المركزي في تطبيق قرار مجلس النقد والتسليف رقم 253، وتحقيق أو تجاوز نسبة كفاية رأس المال بشكل أكثر موثوقية.
أضف إلى ذلك ـ بحسب أبو عيسى ـ أنه يساعد على زيادة وتحسين نوعية الخدمات المصرفية المقدمة، بسبب توفر قاعدة رأسمالية كبيرة، ويخلق ثقة أكبر من قبل المودعين بعدم تعرّض المصرف لخسائر تطال ودائعهم لوجود رأسمال كافٍ لامتصاص أية حالة طارئة في الاقتصاد الوطني، وتلافي التعرّض لأزمات ومخاطر سيولة.. إلا أنّه وفي الوقت ذاته سيسهم في زيادة حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة، ما يزيد من حجم مخاطر الائتمان. وهذا ما يؤكّده الدكتور أديب ميالة، حاكم مصرف سورية المركزي، بقوله: إنّ هذا التعديل يأتي نتيجة الحاجة لتأسيس مصارف سورية برؤوس أموال كبيرة، حيث يسهم في رفع حجم رؤوس أموال هذه المصارف في بناء مصارف كبيرة ومتينة، ويزيد من كفايتها وقدرتها على تحمّل المخاطر، كما يسهم في زيادة قدرتها على القيام بالعمليات المصرفية بشكل أكثر فاعلية، وبما يدعم ممارسة دورها في تمويل عملية التنمية الاقتصادية في مختلف القطاعات، كما جاء هذا التعديل نتيجةً للتجربة العملية، فقد سارعت معظم المصارف الخاصة إلى مضاعفة رأسمالها بعد مباشرة أعمالها وبصورة طوعية. فالمصارف يجب أن تكون قوية جداً، وقادرة على النمو، وفقاً لقول باسل الحموي، مدير عام «عودة – سورية»، مضيفاً أنّ ارتفاع رأسمال المصارف يزيد من القروض لعدد من الشركات كما تخفّف من المخاطر الائتمانية لدى المصارف..
قرار رفع رؤوس أموال المصارف العاملة في السوق السورية أتى بعد اطلاع مجلس الوزراء على مذكرتي النائب الاقتصادي، وحاكم مصرف سورية المركزي، حول موضوع رفع رؤوس أموال المصارف الخاصة، بنوعيها التقليدي والإسلامي، ولكن القرار لم يخرج بالوصفة السحرية التي من المفترض أن تمدّ المصارف والبنوك بالخطة الواجب اتباعها لرفع رؤوس الأموال، وكيفية استقطاب المدخرين أو المساهمين الجدد ليرفعوا الكتلة المالية التي تعمل بها البنوك...
فباسل الحموي، مدير عام «عودة – سورية» يقول: إنّ المبلغ الواجب استقطابه، من أين.. وكيف، هذه الأمور تعود إلى كلّ مصرف واستراتيجيته. فيما ترى وجدان أبو عيسى (خبيرة مصرفية) أنّ السؤال الذي يطرح نفسه، وتعتقد أنّه يشكل تحدياً أمام المصارف الخاصة، يشكّل أكثر تحديداً هو عن كيفية زيادة رأس المال، بالنسبة إلى المصارف الخاصة، فالقرار جاء عاماً، ولم يحدّد ما إذا كان سيتم تمويل الزيادة بإصدار أسهم جديدة في السوق المحلية، أم باستقطاب أموال خارجية أكثر إلى السوق المحلية، أم ترك الحرية للمصارف، وفقاً لاعتبارات تركيبة رأسمالها الحالية والمحددة بقوانين ترخيص المصارف الخاصة.
وتضيف إلى ذلك، هل تسمح قرارات مجلس النقد والتسليف الأخرى بتمويل مشاريع ضخمة تحتاج إلى رساميل عالية، أم هل هناك دراسات جدوى اقتصادية إيجابية لمشاريع اقتصادية ضخمة محتملة التمويل في مجال الصناعة مثلاً؟.
أمّا أمير عصاصة (من مؤسسي مصرف البركة الإسلامي)، فيقول: عندما تطلب الدولة من البنوك والمصارف رفع رأسمالها، فالأمر يحتاج إلى دراسة أكثر!...
لكن حاكم مصرف سورية المركزي يؤكّد أنّه يجري اليوم العمل على مشروع تعديل القانون رقم 28 للعام 2001، والمرسوم رقم 35 للعام 2005، ويتضمّن مشروع التعديل رفع رأسمال المصارف الخاصة والتقليدية إلى 15 مليار ليرة سورية، وبالنسبة إلى المصارف الإسلامية إلى 25 مليار ليرة سورية، مضيفاً أنّه يسدّد رأس المال مناصفة على مرحلتين تفصل بينهما ثلاث سنوات، والتزام المصارف العاملة حالياً بتسوية أوضاعها خلال خمس سنوات.. أمّا بالنسبة إلى المصارف الإسلامية، فجاء رفع الحد الأدنى لرأسمالها ليتواءم مع الإقبال الكبير على الاكتتاب بأسهمها، والتعامل معها إيداعاً واقتراضاً.
فيما الدكتور محمد الحسين، وزير المالية، أكّد في تصريحات سابقة على اهتمام الحكومة ووزارة المالية ـ كجهة مالكة للمصارف الحكومية ـ بالمصارف الحكومية، وبما يواكب حركة السوق المصرفية وتطور الخدمات المصرفية.
وأشار وزير المالية إلى أنّ «وزارته بدأت منذ عام 2005 بزيادة رأسمال المصارف الحكومية، أي قبل عرض مشروع رفع رأسمال المصارف الخاصة، والذي أعدّ مؤخراً».
فيما أشار الدكتور عامر حسني لطفي، وزير الاقتصاد والتجارة، أنّ أهمية قانون زيادة رأسمال المصارف العامة تأتي من أنّه يؤخذ حالياً على المصارف تكدّس أموال كبيرة من المودعين لديها، دون أن تكون قادرة على إقراض إلا نسبة محدّدة منها، لأنّ هذا مرتبط بأحد معايير «بازل»، بحيث مهما بلغت موجودات المصرف فلا يسمح له بالإقراض إلا بنسبة محددة من رأسماله التأسيسي، وبالتالي عندما نطلب زيادة رأسمال المصارف فإنّ هذا يرفع الهامش، والنسبة المتاحة للإقراض، وهذا يعطي مرونة أكبر لهذه المصارف، بمعنى أنّ هذا القانون سيساعد المصارف على استخدام الإيداعات، وزيادة إمكانية الإقراض، وبالتالي تفعيل وتنشيط الاقتصاد بدرجة أفضل مما هي عليه الآن.
قرار زيادة رؤوس الأموال بالنسبة إلى المصارف هو قرار يتّسق مع عملية الانفتاح التي تنتهجها سورية في ظلّ اقتصاد السوق الاجتماعي، وما يستتبعها من عمليات تطوير للبنية التحتية والفوقية، التي تحتاجها البلاد، وفقاً لرأي عبد الحميد الهاشمي (خبير اقتصادي)، فبعد طول احتكار من قبل الحكومة للقطاع المصرفي، الذي استمر لعقود مضت، بدأت المصارف الخاصة بالعمل في السوق منذ ثمانية أعوام تقريباً، وتطوّر حجم الأعمال، ما يعني أنّ الاقتصاد السوري أصبح بحاجة إلى مزيد من عمليات التمويل للمشاريع الكبيرة التي لم تعد رؤوس الأموال الصغيرة قادرة على تغطيتها، أي أنّ الاقتصاد السوري في المدى القريب يطمح إلى دخول المشاريع الكبرى أو على الأقل هذا ما يخطط له القائمون على الشأن الاقتصادي في البلاد، ومن هنا فإنّ هذه المطالبة بزيادة رؤوس الأموال تأتي متسقة مع هذا التطور.
من ناحية الكتلة النقدية، التي سيتم سحبها من الأسواق نتيجة زيادة رأس المال، فإننا نرى أنّ الموضوع سيعود بالنفع على الجميع، فالاقتصاد السوري طالما أنّه يشهد انفتاحاً يعتبر حديثاً نسبياً، فلا بأس في أن يكون تمويل هذا الانفتاح بالأموال المحلية، كون عمليات الاستثمار في المشاريع الكبيرة التي يحتاجها الاقتصاد الوطني ستتمّ خلال الفترة المقبلة، ما سينعكس عليهم إيجاباً على المدى القريب، كون الاقتصاد السوري متعطشاً لتلك المشاريع الكبرى، وفي شتى المجالات الخدمية والصناعية، ولا سيما الزراعية منها، والمصارف خير من يقوم بعمليات التمويل هذه التي تتزايد الحاجة إليها مع مرور الزمن، إذا علمنا أنّ حجم الكتلة النقدية المودعة في البنوك السورية وصلت إلى أرقام كبيرة تقدر بأكثر من تريليون ليرة سورية، وهو مبلغ مشجع جداً ليدخل في العملية التنموية، بعيداً عن الاعتماد على الديون الخارجية لما لها من آثار متعدّدة.
المطلوب من الحكومة، وبإلحاح بعد هذه المطالبة بزيادة رؤوس الأموال، أن تقوم بتسهيل الإجراءات المطلوبة لتسيير نجاح عمليات الاستثمار، وإفساح المجال لرؤوس الأموال هذه لتعمل بحرية أكبر، حتى لا تصبح هذه الزيادات عبئاً على المصارف لا تجد لها مطارح للاستثمار المجدي، فتنعكس العملية بشكل سلبي، بحيث لا تعرف حدودها.
يبلغ عدد المصارف الخاصة المرخصة للعمل في السوق السورية نحو 13 مصرفاً, من بينها 10 تقليدية، و3 إسلامية.. وأقرّ مجلس الوزراء زيادة رأس المال الاسمي لكلّ من المصرف العقاري، ومصرف التوفير، ومصرف التسليف الشعبي، والمصرف الصناعي، إلى مبلغ 10 مليارات ليرة سورية.. ويبلغ رأسمال كلّ من المصارف العامة الأربعة الآن نحو 1.5 مليار ليرة سورية, فيما يبلغ رأسمال كلّ من المصرف التجاري 70 ملياراً والزراعي 15 مليار ليرة.
مجلس الوزراء قرّر رفع رأسمال المصارف الخاصة التقليدية ليكون الحدّ الأدنى له 10 مليارات ليرة سورية, ورأسمال المصارف الإسلامية ليكون الحد الأدنى له 15 مليار ليرة, على أن يتمّ استكمال ذلك خلال 3 إلى 5 سنوات.. علماً بأنّ حصة المصارف الحكومية من السوق المصرفية السورية لا تزال كبيرة جداً، والحصة الأكبر هي للمصرف التجاري السوري.
أيهم أسد (خبير اقتصادي) يعتقد أنّ قرار زيادة رأسمال المصارف الخاصة يرتبط بعاملين؛ الأول رغبة السلطات النقدية في التزام النظام المصرفي السوري بمعايير الرقابة المصرفية العالمية، وتحقيق جودة تلك المعايير من خلال تحقيق متطلبات لجنة «بازل» المصرفية، فيما يتعلق بكفاية رأس المال، وذلك من خلال التزام كافة البنوك السورية العاملة بأن تصل نسبة رأسمالها إلى مجموع أصولها الخطرة، بعد ترجيحها بأوزان المخاطرة الائتمانية إلى 8 % كحد أدنى، علماً بأنّ اللجنة حدّدت نسبة كفاية رأس المال المثلى بـ 12 %، وخاصة أنّ تلك المصارف أصبحت تتوسع في عمليات التمويل والإقراض بشكل ملحوظ، وبالتالي فإنّ الحفاظ على نسبة دنيا أو مثلى من كفاية رأس المال يشكل عامل قوّة واستقرار للنظام المصرفي السوري في مواجهة أيّة أزمات أو مخاطر ائتمانية محتملة الوقوع، كما يشكل عامل حماية ووقاية لذلك الجهاز ضمن موجة التحرير المالي المحلي والدولي، وخاصة أنّه جهاز مصرفي ناشئ.
وأضاف أسد أنّ العامل الثاني يرتبط بالتوسع المصرفي ذاته، وزيادة عدد فروع المصارف وأنشطتها، إذ إنّ التفرع المصرفي بحاجة إلى تمويل، ما يفرض على المصارف وجود رأسمال كبير إلى حدٍّ ما، من أجل تلبية احتياجات ذلك التفرع، وتغطية تكاليفه، ولو ألقينا نظرة على تطور عدد فروع المصارف الخاصة لوجدنا أنّ عددها وصل حتى النصف الأول من عام 2009 إلى 121 فرعاً، بعدما كان 10 فروع في العام 2004، وهذا معناه أنّ الفروع المصرفية تضاعفت 12 مرة خلال 5 سنوات، وهي مرشحة للزيادة أكثر خلال السنوات القادمة، كنتيجة لدخول مصارف جديدة إلى السوق المصرفي السوري، ورغبتها المؤكدة في التوسع والانتشار الجغرافي، بالإضافة إلى استمرار العديد من المصارف الحالية في التوسع أيضاً، وبالتالي فإنّ استمرار التوسع دون زيادة في رأس المال سيؤدي إمّا إلى الحدّ من التفرع المصرفي، وإمّا إلى استهلاك كامل رأس المال، ما يشكل تهديداً للسلامة المالية للمصارف، علماً بأنّ بعض المصارف الخاصة اتخذت وحدها قراراً بزيادة رأسمالها خلال السنتين الماضيتين لتمويل أنشطتها المصرفية المتزايدة.
وأشار أسد إلى أنّه يمكن للمصارف الخاصة تأمين زيادة رأس المال، عبر طرح أسهم جديدة للاكتتاب بقيمة تعادل قيمة الزيادة، بعد إجراء الدراسات الاقتصادية والمالية اللازمة لتلك العملية، وهو ما سيحسب كمية جيدة من السيولة النقدية من السوق خلال السنوات الخمس القادمة، وتقدّر الكتلة النقدية التي ستسحب بحوالي 80 مليار ليرة موزعة بين المصارف الإسلامية والتقليدية، وفي حال وجود قنوات تمويل جديدة في الاقتصاد، وتحقّق هيكلية جديدة للودائع المصرفية نحو زيادة الودائع طويلة الأجل للاستفادة منها في مشروعات ضخمة، عندها لن تشكّل زيادة رأس المال عبئاً على المصارف الخاصة.
تتمّ الآن دراسة تعديل قانون الشركات رقم 3 للعام 2008، وخاصة الفقرة الثالثة من المادة 91، التي تقول: يجب ألا يقلّ السعر الرسمي للسهم عن خمسمئة ليرة سورية.. والتعديل أن يكون السعر الرسمي للسهم 100 ليرة سورية، وبذلك يقول الحموي إنّ المصارف العاملة في السوق السورية تحت القانون السوري، وأيّ أمر يأتي سيتمّ تعديله، مضيفاً أنّ سعر الاكتتاب الأقل يساعد في زيادة الأشخاص على الاستثمار، وسعر السهم يتناسب مع السعر المحدد، فالسهم يصبح الوصول إليه أسهل من السعر المعروف، ويصبح الوصول إليه أكثر، والتداول أكبر، وذلك ـ في النهاية ـ بحسب الشركة.. وبحسب إدارة الشركة..
عامر عبد السلام
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد