مَنْ صادر محمود درويش؟
أشارت مجموعة من الشعراء والنقّاد إلى أخطاء وقعت في الديوان الأخير للشاعر الكبير الراحل محمود درويش "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي" الصادر عن "شركة رياض الريّس للكتب والنشر" في شهر آذار/ مارس 2009. وحدد هؤلاء الشعراء والنقاد (شوقي بزيع في "الحياة" ومحمد علي شمس الدين في "السفير" وديمة الشكر في "الحياة" مثالاً)، أن الأخطاء التي رصدوها في الديوان، وهي أخطاء تتعلق بالوزن والتقطيع والتنقيط والتحريك، ما كان يمكن للشاعر الراحل أن يرتكبها لو كان حيّاً. وهذه الأخطاء أساءت كثيراً إلى سمعة الشاعر وقيمة الديوان.
إن "شركة رياض الريّس للكتب والنشر" الناشر الحصري لجميع أعمال محمود درويش، بموجب عقود رسمية قانونية معه ومع ورثته بعد رحيله، والتي قامت منذ مطلع التسعينيات بجمع وتحرير وعنونة ونشر أعماله الكاملة من دون أن يقع فيها خطأ واحد جسيم، وكان التعاون كاملاً والثقة بيننا وبين الشاعر الراحل كبيرة، يهمها أن تؤكد أن ما حصل من أخطاء في الديوان الأخير، والتي تعتبر معيبة في حق الشاعر الكبير، تعود إلى الأسباب التالية:
أولاً: رفض إلياس خوري، الذي أنيط به إعداد وتحرير وتبويب الديوان الأخير، تزويدنا بالنسخة الأصلية بخط الشاعر لقصائده كما جرت العادة مع الشاعر في كل ما تم نشره من أعمال سابقة، وعلى الرغم من إلحاحنا على مدى خمسة أشهر على هذا الأمر تحديداً واتصالنا بـ "لجنة الأصدقاء" التي كلّفت إلياس خوري بهذه المهمة، ولكن لا حياة لمن تنادي. ونحن لا نعرف تحديداً من هي "لجنة الأصدقاء" هذه وما سبب تكليفها لإلياس خوري بالذات الذي لم يجرِ بيننا وبينه أي اتصال مباشر طوال فترة إعداد الديوان، كما تتطلب العلاقة بين مؤلف ـ وناشر.
ثانياً: اعتمدنا في نشر الديوان على النسخة الإلكترونية التي زوّدنا بها المحامي جواد بولس، بصفته القانونية وكيلاً عن ورثة الشاعر محمود درويش، بعد أن سلمنا نسخة مطبوعة عند توقيع العقد وكتب عليها بخط يده وتوقيعه عبارة "هام جداً. يعتمد النص المرسل بالإيميل لأنه معدّل بعد دراسة ونقاش". واعتبرناها النسخة الأصلية. كما دوّن المحامي بولس على النسخة المطبوعة عبارة: "هذه مسودة. خاصة جداً جداً. ليست للعرض أو النشر"، ونسي كما يبدو المحامي كلياً إلحاحنا المستمر بإرسال النص الأصلي للمخطوط بخط الشاعر.
ثالثاً: ليس في الديوان الأخير المنشور، أي خطأ لغوي أو طباعي أو ما شابه ذلك. وقد التزمنا بتنفيذ ما ورد في النسخة المعتمدة التي أعدّها إلياس خوري، والذي يروي حكايتها "البوليسية" في الكتيب الذي وزّع مع الديوان تحت عنوان "محمود درويش وحكاية الديوان الأخير" بطلب من محامي ورثة الشاعر الراحل. ويؤكد صاحب الكتيب بقلمه مسؤوليته عن تحرير الديوان (الكتيب صفحة 30 ) بعد أن حكى بالتفصيل الممل طريقة العثور على القصائد وكيفية تعديلها وتنقيحها وتبويبها.
وانحصر تدخلنا كناشرين في أمر واحد هو إصرارنا على رفض "حكاية إلياس خوري" وعدم دمجها مع الديوان ووضعها في مقدمته كما طلب إلينا مراراً وتكراراً لأن الشاعر الراحل الكبير، الذي لم يسبق أن قدم أحد أو أخّر لأي من دواوينه،لا يحتاج إلى مَن يتسلق على تركته الأدبية. وقد طبعت "الحكاية" في كتيب منفصل عن الديوان كتسوية بعد موافقة المحامي جواد بولس ومعدّ الكتيب إلياس خوري، حرصاً منا على صدور الديوان بعيد ميلاد الشاعر في 13 آذار/ مارس بناء على إلحاح محاميه وشقيقه المقيمين في فلسطين المحتلة.
رابعاً: إن اعتراف إلياس خوري بالمسؤولية، من قبيل التفاخر كما جاء في الكتيب، لا يبرر الخطأ. كذلك فإن توضيحنا لا يهدف إلى التبرؤ من أخطاء قد تكون وقعت في الديوان، ولا تهرباً من مواجهة أي نقد تعرض له الكتاب أو قد يتعرض له. كل ما يهمنا هو وضع الأمور في نصابها توضيحاً للصورة، علماً بأننا لا نملك المخطوط الأصلي.
خامساً: قد يتساءل القارئ لماذا لم يتعرض أي ديوان من دواوين محمود درويش السابقة والتي نشرت حتى الآن، إلى هذا الكمّ من الأخطاء. الجواب أن الشاعر الراحل كان يرسل لنا مخطوطاته بخط يده (المجموعة الكاملة موجودة لدينا)، وكنا نتبادل الآراء بشأن العديد من الأمور اللغوية التي كانت ترد في النص الأصلي، وكان الشاعر الكبير يتقبّل ذلك بكل تواضع ورحابة صدر. بعكس ما حصل بعد رحيله من قبل مَنْ تولى مسؤولية التحرير والتبويب والإعداد.
سادساً: توقفنا مطولاً عند ما كتبته السيدة ديمة الشكر في "الحياة" بتاريخ 1 نيسان/ أبريل 2009، والتي تقول فيه إنها تملك المخطوط الأصلي بخط الشاعر، والتي قامت بمقارنته بالديوان المطبوع، وتساءلنا من أعطى السيدة ديمة الشكر (التي لا نعرفها) النسخة الأصلية من الديوان ومن أين أتت بها، وبأي حق، وبأي صفة؟ هذه النسخة الأصلية التي لم تعطَ لنا أو تصلنا والتي لو كانت وصلتنا لما وقعت هذه الأخطاء في الديوان. لا بد من التساؤل هنا: مَنْ صادر محمود درويش بعد رحيله، وماذا استفاد من لعبة التسلق هذه؟
سابعاً: ستقوم "شركة رياض الريّس للكتب والنشر" بإعادة طباعة ديوان محمود درويش الأخير في طبعة جديدة بعد إعادة النظر في نصوصه بناء على خبرتها في كتابات الشاعر وملاحظات الشعراء والنقاد، من دون الكتيب الذي أعده إلياس خوري، والذي سقط حكماً بسبب هذه الأخطاء، ولم يعد له مبرر أصلاً. وتدرس الشركة إمكانية المساءلة القانونية تجاه الخسائر المعنوية والمادية التي تعرضت لها سمعتها المهنية إلى جانب الإساءة إلى تراث الشاعر.
ثامناً: إن المسؤولية الحقيقية عن هذا الأمر، تتحملها "لجنة الأصدقاء" الذين كلّفوا إلياس خوري بمهمة ليس أهلاً لها. والحديث عن ذلك يحتاج إلى مجال آخر يقع خارج نطاق هذا التوضيح.
رياض نجيب الريّس
إضافة تعليق جديد