لماذا لم يغن العرب أول أمس "خلي بالك من زوزو "
الجمل ـ طرطوس : عبس وتجهّم..اقتحم علينا لحظات سكر ترحل بنا عن واقع أوطاننا وأمتنا, أخذ يحاضر فينا عن سهونا نحن العرب عما يحدث الآن في فلسطين والعراق وانشغالنا بـ"المونديال", وساق الاعتذار تلو الاعتذار للقضية أو القضايا وضحاياها.
هذا "المراسل" لم يكن يحدثنا من بغداد أو البصرة, من غزّة أو حتى من مقديشو حيث يختمر حكم الطالبانيون الجدد. بل كان صاحبنا الصحافي اللاهي في ساحات برلين, وسط جموع فرح من مزيج بشري ملوّن بالنشوة والحماس, مكتس بأصبغة بألوان أعلام, وعار عن الجد و الهم الى جانب لمعان الأفخاذ والصدور.
كان هذا بعد دقائق من تتويج ايطاليا بطلة كأس العالم 2006 و المراسل الرياضي "الحصري" لفضائيته صاحبة الحق "الحصري" بتقديم برنامج تحليلي ترفيهي مسابقاتي عن المونديال, مرّرته لها شبكة الـart. قدم محاضراته للعرب خلال إجابته على سؤال المذيع في الاستديو عن أجواء التتويج عنده!
من هذا ليعطينا درسا في الوطنية؟ صاح جهاد بصوت تجرّح من كثرة الصراخ والانفعال والتشجيع, وأردف بالشتائم!! فجهاد كان يشتعل حماسا و فرحا بـ"كسر" رأس فرنسا, لذا كان غضبه آت من غمرة انفعاله..
غريب كيف حوّلنا المونديال مستنقعا جميلا من مستنقعات العولمة والذي يحلو لـ"المنظّرين" و"المتسلّقين" و"الطفيليين" الاصطياد بمائه "العكر", كثرانتقدوا متابعة الشعب العربي لكأس العالم وسفهوا وسخفوا اهتمام الشارع بالظاهرة العالمية.فليس من الظلم بالتالي أن تسخر منهم شهناز وتصفهم بـ"الحسّاد" وتختم سخريتها بحسرة: هذه الظاهرة تتكرر كل أربع سنوات, هل تعرف ماذا يعني ذلك؟ أنا أقيس عمري بعدد المونديالات التي عشتها ووعيتها...فعلام هجومهم هذا؟
شرذمة الأمة..حمامات الدم..الارهاب الصهيوني..شعارات..شعارات..وشعارات,وكأنه لايحق لهذا الشعب العربي أن "يتناسى"! فأين هو من النسيان, واذا كان ضميره ووجدانه في حضور دائم فليس بفضل هؤلاء "المذكّرين" .اذا كان على الصحافي أن يكون ضمير الناس فهذا يعني أن يكون منهم لا أن يعلو عليهم ويأخذ دور الموجّه أو المعلم.
هل نحن بحاجة الى من يعظنا بالوطنية والنضال؟ تساءل مهند, وكرّت سبحة الأسئلة والاستفهامات, علي: هل سنعود مجددا الى منطق التفريق في الوطنية؟ من يلتزم بـ"ليستة" من المطالب والأفعال يرضى عنه ويبقى في عداد الوطنيين, ومن يخلّ باحداها يسقط من الحسابات ويرمى في درك التخوين؟
يعود مهندا لاستلام زمام الحديث بثقة وعينان تقذفان أشعّة من ذكاء: عندما نسافر خارج سوريا وأثناء حزم حقائبنا وتوضيب الأغراض, نعيد حزم وترتيب همومنا الوطنية والقومية من على أرفف الذاكرة والوجدان, فنحن سنحتاجها لمواجهة العالم المختلف ونحكي له رواية بلادنا وأمتنا. فهل استرخاؤنا سويعات مقابل شاشة التلفاز ستنسينا من نحن؟! ألا يحق لنا أن نشحن بطاريات قلوبنا المثخنة من الهموم..
كان مهند قد أخرس ألسنتنا وفرض على مجلسنا سطوة من هدوء مشوب بالتأمل..ووثبت أمام ناظر الفكر الفكرة..فاذا كانت اسرائيل عدوتنا لم تزحزح أبصارها واهتمامها عن متابعة المونديال, بل استنفرت وأخذت تسوّق في أدنى حد للمنتخب الأرجنتيني لأن مدربه وكابتن الفريق يهوديان ولم تقصّر بالتالي في النيل من المنتخب الايراني واظهار عداوتها له حتى على لسان معلقي المباريات الاسرائيليين والصحافة الرياضية هناك..أي بمعنى أنها عرفت كعادتها أن تميّع الأمور وتجيّر نواح منها لصالحها وللدعاية لنفسها. ونحن أيضا باستطاعتنا بل ويحق لنا أن نفعل ذات الأمر, فاذا كان بعض أعضاء المنتخب الأرجنتيني يهودا فهذا لايعني بالضرورة أنهم صهاينة, بل ان الموقف والمزاج الشعبيين المعاديين في الأرجنتين للسياسة الامبريالية الأميركية معروف للعالم, وعندما نرى أن منتخب فرنسا يقوده لاعب من أصل عربي – زين الدين زيدان - حمل في 1998كأس العالم ألا ترتفع حرارة الفخر في نفوسنا المقهورة؟..واذا أردنا أن نساير الاسلاميين ألا يعني وجود لاعبين في نفس الفريق الفرنسي أعلنوا اسلامهم كـ"تيري هنري" شيء من تمجيد اخلاق الدين الاسلامي ودعاية جميلة له أحلى وأنقى من أي دعاية تكفيرية جهادية الغائية؟!
قبل أشهر قليلة زار اللاعب البرازيلي العالمي المعروف "رونالدو" الأراضي الفلسطينية ولعب بالكرة مع الأطفال واعتمر الكوفية الفلسطينية المرقطة بالأسود والأبيض.وقبلها بمدة رفض حارس المرمى الفرنسي "بارتيز" السفر الى اسرائيل والمشاركة في احدى المباريات هناك تضامنا مع الشعب الفلسطيني.. فياليتنا ترحمنا على سندريلا العرب سعاد حسني وغنينا مع عرب فرنسا :"خلّي بالك من زيزو".
حسان عمر القالش
إضافة تعليق جديد