هل قصة <<مجنون ليلى>> بابلية الأصل؟
عثرت بالصدفة في أحد محلات بيع الكتب القديمة في مدينة سانت بطريبورج (لينين جراد) على كتاب أثار عنوانه انتباهي. فقد كان يحمل بالروسية عنوان (مجنون). والكتاب صادر في موسكو عام 1935.
وقد ظهر أنه ترجمة لأجزاء من ملحمة بالفارسية للشاعر الكبير نظامي والذي عاش بين عامي 12031141. ويعتبر نظامي واحدا من الأعمدة الكبرى بالإضافة الى الفردوسي للعصر الذهبي للأدب الكلاسيكي الإيراني الممتد من القرن العاشر وحتى القرن الرابع عشر.
كتبت الملحمة على هيئة الأبيات الخماسية. وعلى عادة الأدب الفارسي في القرن العاشر الميلادي وما تلاه من القرون فإنه لا تصعب رؤية تأثير الشعر واللغة العربية من الناحية البلاغية والمعجمية ومواضيع القصائد. بيد أنه بعد تلك الحقبة برزت فترة أخرى تميزت بمحاولة القائمين على الثقافة الفارسية التخلص من ربقة التأثير العربي في الأدب والثقافة الفارسية وكان ذلك على هيئة حركة فلسفية دينية هي الصوفية وكان للاتجاه المذكور في البناء الفوقي انعكاسه في أسلوب كتابة الشعر الفارسي.
على عكس ما قام به الفردوسي في اختيار المواضيع الإيرانية كمادة لقصائده نحى نظامي منحى العالمية في اختيار مواد ملاحمه. فقد كتب ملحمة مادتها الإسكندر المقدوني وكذلك مادة الملحمة التي نحن بصددها وملاحم أخرى ذات مواد تخص شعوباً أخرى، وهذا يذكر بالمواد التي أختارها شكسبير لكتابة مسرحياته.
تتميز لغة نظامي، كما يذكر الناقد، بكونها تستخدم لغة رمزية معقدة تثير الأشجان وليس من السهل فهمها في الكثير من الأحيان.
وقد نحى نظامي في مواد قصائده منحى معالجة المواضيع الشخصية حتى حين عرج الى المسائل المتعلقة بشخصيات مثل كسرى.
إن كون تلك الملحمة تحمل عنوان <<ليلى ومجنون>> يثير اهتماماً ليس لدى المثقف العربي بل شريحة واسعة من القراء لأنها تتعامل مع أحد أكبر ملاحم الحب لدى العرب. وفي الحقيقة فإن ما يكسب هذه الملحمة أهمية إضافية هي كونها هائلة في حجمها بحيث أن المقدم للكتاب ذكر أن عدد أبياتها بلغ 9600 بيت (19200 بيت شعر باللغة الروسية) وهنا نجد أن مسرحية أحمد شوقي لا تصبح أمامها سوى كوكب صغير أمام شمس هائلة. بيد ان المسألة الأكثر إثارة هي ان الناقد الذي كتب المقدمة يتحدث عن ان الباحثين الآثاريين في علم الآشوريات عثروا على رقم طينية بابلية تحمل سطورها قصة تتشابه تماماً مع قصة قيس ابن الملوح حد التطابق بحيث ان الأسماء الأساسية في القصة هي تقريباً نفسها. فهناك أسماء قيس وليلاك وأبن سلاميس. لكن منحى القصة البابلية ينحى في النهاية منحى واقعياً حيث يتزوج قيس ليلى وبعد مدة يسأمها ويتزوج أمرأة أخرى فتموت هي كمداً. وهذا المنحى المنطقي والواقعي في الأدب الرافدي يظهر واضحاً في ملحمة جلجامش حيث يعود جلجامش بعد رحلاته المضنية ويطلق الى الأبد فكرة البحث عن الخلود ليعمر الأرض ويزرعها.
لكن الباحث لم يذكر الوقت الذي تم فيه العثور على تلك الرقم الطينية ولا إسم البعثة الآثارية التي عثرت عليها، وهل كانت روسية أم من بلدان الغرب الأوروبي. بيد أنه يذكر أن الحكاية كانت موجودة في الأدب البابلي في القرن السادس قبل الميلاد. وإذا كانت الحكاية مكتوبة في القرن السادس قبل الميلاد فهذا يعني أنه جرى تطويرها قبل ذلك بزمن طويل حتى وصلت الى شكلها النهائي في القرن السادس ق م كما في الملاحم والحكايات الأخرى كملحمة جلجامش وألف ليلة وليلة.
ولو نظرنا الى المصادر العربية التي تتحدث عن مجنون ليلى لوجدنا معظمها تصفه بأنه شخصية مختلفة وأن الأشعار المنسوبة اليه كتبها شاعر أموي، وبعضها الآخر يقول أن إسمه مهدي. كما يقول الجاحظ ما مفاده أن الناس لم تترك شعراً مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه إلى المجنون، ولا شعراً هذه سبيله قيل في لبنى إلا نسبوه إلى قيس بن ذريح. وهذا الأمر يذكر بما طرحه الدكتور طه حسن في كتابه <<في الأدب الجاهلي>> الذي أثار ضجة وقت صدوره.
وينسب الباحث والمحامي شاكر الغرباوي قيس ابن الملوح الى الناصرية في مؤلفه الضخم <<مشاهير الناصرية>> واليها ينسب أيضاً الشاعر الجاهلي لقيط ابن يعمر الايادي الذي يقول الباحث أن منطقة لقيط سميت باسمه.
ويذكر الكثير من علماء اللسانيات العرب ومن بينهم صبحي الصالح وعلي عبد الواحد وافي وإبراهيم السامرائي وإبراهيم أنيس وغيرهم أن العربية البائدة كانت متأثرة بشكل كبير باللغة الآرامية . وقد استدلوا على ذلك في النقوش الثمودية والصفوية واللحيانية التي عثر عليها والممتدة في الفترة الواقعة بين القرن الرابع ق م وحتى القرن السادس الميلادي. وهذا منطقي لأن العربية الباقية أخذت هي نفسها الكثير من اللغة الآرامية رغم أنها تقع في منطقة أبعد نسبياً، إذا ما قورنت بالعربية البائدة، عن الأماكن التي كانت تنتشر فيها اللغة الآرامية.
وإذا كانت ثلاثة ارباع قصص الأطفال الإنجليزية من أصل سومري كما يذكر أحد الباحثين الإنجليز، فليس غريباً أن تنتقل قصة الحب البابلية تلك الى ارض تجاورها في الجنوب.
ويبقى موضوع ملحمة نظامي يثير سؤالاً حول مسألة ترجمة هذه الملحمة الى العربية. فكما يذكر الناقد في مقدمة الكتاب فإن الملحمة كانت موجودة على شكل مخطوطة في موسكو وأن الأقسام التي ترجمت لم تتعد سبعين صفحة من القطع المتوسط.. أفلا يجدر بوزارات الثقافة العربية والمؤسسات الجامعية التي يخصها الموضوع أن تتحرى الأمر وتجد من يأخذ على عاتقه ترجمة هذا العمل الهائل الذي يخص أكبر ملحمة حب في تأريخ العرب.
وأخيراً أقول هئنذا خببت بخيل المنطق يمنة وشمالا فوق وهاد حكاية العشق تلك وكأنني رائد الفضاء الذي هبط فرق لجين القمر ليقول لنا انه لم يجد سوى تراب وأرض تأكلها الوحشة، فما كان من جوقة الشعراء حينها الا ان احتجت شعرا لتقول <<ويحكم اتركوا قمرنا بسلام>>.
سعيد الجعفر
إضافة تعليق جديد