لبنان: سليمان يكثف اتصالاته لتسريع التأليف الحكومي
أمسك رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان فعليا، بملف التأليف الحكومي، وأبلغ رئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة خلال خلوة جمعتهما، أمس، على هامش القمة الروحية الاسلامية، الأولى من نوعها في القصر الجمهوري، منذ سنوات طويلة، أنه قرر تكثيف اتصالاته السياسية خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة، مع أركان الموالاة والمعارضة، حيث سيزور عدد كبير منهم القصر الجمهوري من أجل التداول في عدد من الاقتراحات التي من شأنها تسهيل ولادة الحكومة الجديدة.
وأبلغ سليمان السنيورة أيضا أنه سيحاول تقديم بعض الاقتراحات التي يمكن أن تسهم في حلحلة عقد التأليف الحكومي، ومنها ما يتصل بإعادة توزيع الحقائب وخاصة حقائب الخدمات بما يمكن أن يؤدي الى توفير مخارج للجميع.
ونقل زوار رئيس الجمهورية عنه أنه مع تمسكه بوزارة الدفاع، وبمرشحه إليها، الوزير الياس المر، فان وزارة الداخلية ستكون عمليا من حصة كل الفرقاء، ذلك أن أي وزير سيقترحه يجب أن يكون مقبولا من الجميع، أي أن هذه الحقيبة السيادية ستكون من حصة الجميع وليس لرئيس الجمهورية وحده.
وعلم أن رئيس الجمهورية بدا متجاوبا مع الطرح الذي تقدم به «حزب الله» قبل 48 ساعة عبر النائب حسن فضل الله، وذلك لجهة الفصل بين منصب وزير الدفاع (لالياس المر) ونائب رئيس مجلس الوزراء، على قاعدة أن يعطى المنصب الأخير للوزير الأرثوذكسي الذي يمثل «التيار الحر»، والمقصود هنا، اللواء المتقاعد عصام أبو جمرة، على أن تسند في الوقت نفسه احدى الحقائب الأساسية لمرشح التيار الثاني (الماروني) مثل وزارة الاتصالات أو العدلية....
وتردد أن مداولات غير مباشرة جرت بين القصر الجمهوري والمعارضة، أفضت الى تبلور اقتراحات جديدة، لم يبت فيها بصورة نهائية من الجانبين حتى الآن.. ومنها أن تسند وزارة الداخلية الى شخصية شيعية محايدة يختارها رئيس الجمهورية وتكون مقبولة من الموالاة والمعارضة في آن معا، علما أن رئيس الجمهورية بدأ يتفهم مطالب عون وجاء تنازله عن منصب نائب رئيس الوزراء خطوة في هذا الاتجاه.
وإذا كان تدخل رئيس الجمهورية على خط التأليف، إدراكا منه بأن عهده هو المتضرر الأول من العرقلة والمراوحة، فان الكرة ستكون في ملعب الرئيس المكلف اذا أقدم العماد سليمان على تقديم اقتراحات للتسهيل تقترب من مطالب عون ولا تستجيب لمنطق اقصائه وكسره سياسيا.
يذكر أن موضوع التأليف الحكومي أخذ حيزا كبيرا من خلوة رئيسي الجمهورية والحكومة، في بعبدا، بالاضافة الى اطلاع ميشال سليمان من السنيورة على نتائج مؤتمر فيينا للدول المانحة لاعادة اعمار مخيم نهر البارد والجوار، بالاضافة الى مطالبة رئيس الجمهورية بأن يعاد العمل ببرنامج «اكسبورت بلاس» لدعم الصادرات الزراعية وبالتالي ما يستوجبه من اعادة نظر حكومية بقرار وقف دعم الصادرات الزراعية، نظرا لما تركه من آثار سلبية على المزارعين، على أن توضع أسس جديدة تأخذ بالاعتبار وضع المزارعين والخزينة في آن معا.
ولم تدم زيارة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى القصر الجمهوري أكثر من ساعة واحدة تقريبا، ولم يتخللها أي بحث لا مع رئيس الجمهورية ولا مع رئيس الحكومة، في موضوع تشكيل الحكومة. وقال أحد رجال الدين الذين كانوا يجلسون على مقربة من بري والسنيورة أن الأول سأل الثاني عن حصيلة مؤتمر فيينا، وأجاب السنيورة عارضا للأرقام، وعلق بري متهكما «عسى أن يكفي المبلغ لاعادة اعمار ما تهدم في طرابلس في اليومين الماضيين»!
وقال بري لبعض الجالسين على الطاولة ان مؤتمر فيينا يجب أن يكون عبرة للبنانيين بأن العالم كله قد سئم منهم أو يكاد، وهذا المبلغ الذي تم تجميعه (112 وليس 122 مليون دولار) لا يلبي مع الأسف ما تم تخريبه وتدميره في الأيام الأخيرة في طرابلس.
وفيما لم يقرر الرئيس بري موعدا نهائيا للجلسة النيابية العامة المخصصة لمناقشة اقتراحي القانونين المعجلين المكررين الواردين اليه من تكتل التغيير والاصلاح والنائب امين شري حول تقسيم الدوائر الانتخابية، قال أحد موظفي المجلس النيابي أن التحضيرات قائمة لعقد جلسة عامة في الأسبوع الأول من تموز المقبل حيث سيصار الى توزيع الاقتراحين مجددا على النواب.
وقالت مصادر ان قيادة المعارضة التي اجتمعت مساء يوم الجمعة الماضي، قررت طلب تدخل القطريين في مسار ازمة التأليف الحكومي، في ضوء مجريات تعامل فريق الموالاة مع نصاب الجلسة العامة المخصصة للتقسيمات الانتخابية.
وقال مصدر نيابي في المعارضة اننا نحاول تقديم اقتراحات علما أن هذه ليست مسؤوليتنا، بل هي مسؤولية الرئيس المكلف، ونحن سننتظر ماذا ستكون محصلة المشاورات التي سيجريها رئيس الجمهورية، وبعد ذلك نقرر الخطوة التالية، «فاذا قرروا التنصل من التقسيمات الانتخابية، لا بد من الدوحة مهما طال السفر».
اضاف المصدر نفسه، أنه ليس صحيحا أن اتفاق الدوحة رتّب أولويات الاتفاق السياسي، ذلك أن الجميع يعلم أن اقتراح تقسيم الدوائر الانتخابية كان سيمر في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في الخامس والعشرين من أيار المنصرم، لولا أن النائب سعد الحريري استأذن الرئيس بري في الجلسة نفسها طالبا مهلة أربعة أو خمسة ايام من أجل التواصل مع حلفائه في الموالاة قبل دعوة المجلس للانعقاد في جلسة مخصصة لاقرار التقسيمات الانتخابية، «وقد طالت المهلة فلماذا لا يريدون اقرارها قبل تشــكيل الحكومة»؟
وشدد المشاركون في الاجتماع الرباعي لقيادة المعارضة، على وجوب احترام اتفاق الدوحة بوصفه اتفاقا متكاملا لا يمكن تجزئته، فاذا حصل تنصل من أحد بنوده لا بد من تدخل الراعي والضامن الاقليمي للاتفاق.
وعلمت «السفير» انه في موضوع اقتراح توزير شيعي من قبل «التيار الحر» الى الحقيبة السيادية التي يقول رئيس الحكومة المكلف أنها من حق المعارضة (المالية أو الخارجية)، فان العماد عون رفض الاقتراح كما جاء اليه، خاصة وأنه جاء على حساب تقليص حصته المسيحية من ثلاثة الى اثنين ( طبعا من دون احتساب الوزير الياس سكاف الذي سيمثل الكتلة الشعبية وكذلك الوزير الذي سيمثل الطاشناق).
وقالت مصادر أن العماد عون كان مبدئيا متمسكا بإسناد الحقيبة السيادية لشخصية مسيحية ولكن لو أعطى حق تسمية شخصية شيعية (للحقيبة السيادية)، مع الحفاظ على حصته المسيحية (مارونيان وأرثوذكسي بالاضافة الى حليفيه الكاثوليكي سكاف والأرمني ممثل «الطاشناق»)، كان يمكن أن يشكل ذلك مدخلا مقبولا للبحث في العرض المقدم... والا فان غير ذلك يعني القبول بتحجيم حصته المسيحية (يصبح مثل «القوات» ممثلا بوزيرين ماروني وأرثوذكسي).
وأكد الرئيس السنيورة بعد انتهاء خلوته مع الرئيس سليمان انه «اذا أرادت الاقلية أخذ المالية فبكل حبور وسعادة واذا أرادت الخارجية كذلك». وجدد القول انه لن يلتزم تحديد موعد لتشكيل الحكومة الجديدة ولن ييأس وانه مصر على حلحلة المصاعب، وقال ان الاكثرية هي التي تسمي رئيس الحكومة والاكثرية لا تزال متمسكة بترشيحه.
وردا على سؤال حول مفاجآت قريبة هذا الاسبوع، قال السنيورة، «نحن مستمرون في الاتصالات مع جميع الاطراف وكذلك مع العماد عون».
وكان رئيس الجمهورية قد افتتح، ظهر أمس، القمة الروحية الاسلامية ـ المسيحية في قاعة 22 تشرين الثاني في القصر الجمهوري، ولاحظ «ان خلافات اللبنانيين وصلت الى حدّ الانتحار»، ودعا الى العمل معاً على ابعاد ما هو داهم من الخلافات والصراعات على الارض لمنع انعكاسها خلافات مذهبية وطائفية لا تخدم الا مصلحة العدو الاسرائيلي، ثم ننطلق بعدها الى البحث في مختلف الملفات الخلافية». وشدد على وجوب الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة على نحو يعكس ارادة اللبنانيين وتطلعاتهم الى غد أفضل، مؤكدا ان التضحيات والتنازلات «ترخص امام مصلحة الوطن».
ودعت القمة في بيان صادر عنها «الى ادانة التطرف والعنف وتأكيد ما ورد في اتفاق الدوحة لجهة الامتناع او العودة الى استخدام السلاح لحل الخلاف السياسي الداخلي، او تحقيق مكاسب سياسية، والاعتماد على الجيش اللبناني وقوى الامن والعودة الى المؤسسات الدستورية لمعالجة الاختلاف».
ودعا الزعماء الروحيون «الى التعاون مع رئيس الجمهورية لتيسير مهمته في تسريع استعادة العافية الوطنية وتحرير ما تبقى من ارض محتلة، وتثبيت اركان الوحدة والامن والاستقرار ومعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية، بالتعاون مع مجلس النواب والحكومة العتيدة، التي طالب الزعماء بالاسراع في تشكيلها، لأن كل تأخير فيها يعيق انطلاقة العهد الجديد». ودعوا وسائل الاعلام والمسؤولين السياسيين والحزبيين الى وضع حد لتبادل الاتهامات والاساءات والتحريض المذهبي والطائفي، والارتقاء بلغتهم السياسية الى مستوى المسؤولية الاخلاقية والوطنية لتجنيب لبنان مساوئ تحويل الاختلاف في وجهات النظر الى ازمات سياسية على مستوى الوطن كله.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد