لا استثمار في ظل ضعف الأخلاق ورخاوة القوانين وفساد القضاة
تتوفر في سورية معظم عوامل الجذب الاستثماري الأساسية من إمكانيات اقتصادية وبشرية , وهناك أيدٍ عاملة رخيصة.. ورجال أعمال مؤهلون وبنية تحتية حديثة.. إضافةً إلى مواردها الطبيعية وثرواتها المعدنية واستقرارها السياسي والاقتصادي .
وقد صدرت عدة تشريعات استثمارية محفزة مثل قانون تشجيع الاستثمار رقم 10 لعام 1991 وتعديله بالمرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2002 ،وقرار المجلس الأعلى للسياحة لعام 1985 لتشجيع الاستثمار في مجال السياحة .
وكل هذه التشريعات تنص على منح المستثمرين حوافز وإعفاءات ضريبية سخية توفر لهم تسهيلات كبيرة.. تمكّن المستثمر من إقامة مشاريع استثمارية ذات ريعية اقتصادية، توفر لأصحابها عوائد وأرباحاً مجزية .
مما شجع العديد من رجال الأعمال والمستثمرين العرب والأجانب على استغلال هذا المناخ المحفّز للاستثمار.. فبدؤوا بالتفكير بطرح مشروعاتهم الاستثمارية داخل السوق السورية .
كما دفع بعض رجال الأعمال السوريين الموجودين في المغترب إلى التفكير باستثمار أموالهم داخل سورية، أو تشجيع شركاتهم التي يعملون فيها للاستثمار في بلدهم .
ولكن.. هناك مجموعة من العقبات التي تعترض سبيل الاستثمار، وهذه العقبات لا تقتصر فقط على النواحي الاقتصادية والاجتماعية وإنما تمتد إلى نواحٍ تتعلق بشكل أساسي بالأخلاق والعدل.. ومن هذه العوائق فساد الجهاز القضائي الذي يشكّل عقبة أساسية في وجه الاستثمار حسب رأي محمد جميل آق بيق أحد القضاة في دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي حدثنا عن تجربته في الاغتراب :
في عام 1987 سافرتُ إلى إمارة أبو ظبي في إعارة رسمية من قِبل الحكومة لأعمل في الجهاز القضائي .
وكما هو معروف أن إعداد القاضي يحتاج إلى خلفية واستعداد ذاتي من قِبله، وهذا له علاقة بالتربية والتنشئة الاجتماعية والردع الأخلاقي والذاتي.. فأيّ موظف حكومي يحتاج الى أن يحضر شهادة حسن سلوك من قبل المختار إلا القاضي فيجب أن يحضرها من الهيئة المختارية المؤلفة من سبعة أشخاص، وهذا دليل على أن الأخلاق والسلوك الحسن هي الركائز الأساسية في بنية شخصية القاضي .
وفساد القضاة هو من عوائق الاستثمار.. وهذا أمر متفق عليه في العالم كله فلا يمكن أن يأتي الأجنبي ويستثمر أمواله هنا، إذا لم يكن هناك قضاء نزيه .
أحد الأشخاص الإماراتيين قال لي: إذا أحضرتُ مليون دولار إلى سورية وحصلت معي مشكلة كيف أستطيع أن آخذ حقي هل تضمن لي قضاء مستقلاً ونزيهاً طبعا لم أستطع أن أعطيه جواباً شافياً.
وفي زيارة سابقة لي إلى سورية تكلمتُ مع السيد الرئيس عن القضاء وقدمت مجموعة اقتراحات لتطوير الاستثمار في سورية، وكان سيادته متجاوباً جداً.. وكل الطلبات نُفذت ولم يبقَ سوى سوق الأوراق المالية.
ومن الجدير بالذكر أن ما يحصل في سورية هو تطور عظيم جداً نحن مسرورون له، والإصلاح يجب أن يكون متكاملاً وشاملاً لجميع الجوانب لذلك يجب عدم إغفال إصلاح الجهاز القضائي، ويكون ذلك باختيار الناس المناسبين وإعداد دراسة لهم قبل دخولهم الجامعة، وعمل دورات تثقيفية وتدريبية للقاضي، فإعداد القاضي يجب أن يكون إعداداً أخلاقياً سلوكياً مرتبطاً بالقضاء الأعلى .
وعن الجالية السورية في بلدان الاغتراب ذكر بأن أوضاعها جيدة وهناك كادر فاعل وعامل ويسعى إلى خدمة الوطن وله علاقات متينة مع المجتمعات الاغترابية.. ونحن نسعى لأن نطور بلدنا من البلدان المتقدمة.. وأهم شيء هو القضاء على الفساد في مختلف النواحي الاجتماعية، وهذا أساسي في بناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية وينطلق كل شخص من ذاته حاملاً كل القيم والمبادئ، التي تساهم في بناء ورفعة البلد ولابد من محاربة الفساد الأخلاقي والانحلال الذي تشهده مجتمعاتنا وعلينا أن نحضر من بلدان الاغتراب ما ينسجم مع قيم مجتمعنا.. ومبادئه ونعكس نواحي التطور الإيجابية بدلاً من التقليد الأعمى .
واقترح بناء مركز قانوني استثماري.. يرجع إليه المستثمر ويُعنى بالنواحي القانونية ويساهم في تسهيل معاملات المغتربين وتخفيف العبء عنهم لدى مراجعتهم وزارات الدولة .
ولابدّ من تضافر جهود المؤسسات والوزارات في الدولة لتسهيل ذلك والمساهمة في بناء هذا الوطن، الذي هو في أمس الحاجة إلينا ..ونحن أحوج إلى أن يكون متطوراً مشرقاً.. نرفع رأسنا بالانتماء إليه
وأتمنى زيادة فرص التلاقي بين رجال الأعمال السوريين مع رجال الإعمال في البلدان المتطوّرة ليتسنى لهم الاطلاع على أحدث الأساليب العلمية المستخدمة والمتطوّرة.. وتنظيم المؤتمرات التي تعزز هذا التلاقي .
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد