كوسوفو أعلنت استقلالها وتنتظر اعتراف العالم
بإعلان ألبان كوسوفو استقلالهم، أمس، يكون الصرب قد خسروا للمرة الثانية هذا الإقليم الذي يعتبرونه امتدادهم التاريخي، في وقت ينتظر الألبان اعتراف المجتمع الدولي بدولتهم الناشئة التي تواجه تحديات كبيرة وتنتظرها سيناريوهات قد لا تكون في مصلحتها.
وخسر الصرب كوسوفو للمرة الأولى عندما تعرضت امبراطوريتهم المتداعية لهزيمة كبرى أمام العثمانيين في العام العام ,1389 وانتظروا خمسة قرون حتى العام 1912 كي يعيدوا الإقليم للحكم الصربي، في الوقت الذي تغيرت فيه تركيبته الديموغرافية حيث بات الألبان يشكلون الآن 90 في المئة من سكانه.
وبعد تسع سنوات على فقدانهم السيطرة على كوسوفو في الحرب الأطلسية على يوغوسلافيا في العام ,1999 يوشك الصرب على فقدان سيادتهم نهائيا على الإقليم، خصوصاً أنّ دولاً عديدة أعربت عن تأييدها لمساعي البان الاقليم.
أمّا مسيرة كوسوفو الاستقلالية فبدأت في العام 1968 عندما خرج ألبان الإقليم، الخاضع منذ العام 1945 لسيطرة صربيا، كبرى جمهوريات الاتحاد اليوغوسلافي الشيوعي، في تظاهرات مطالبين بالانفصال وقد واجهت بلغراد حينها هذه المطالب بحملة اعتقالات طالت المئات، لكنها عادت ومنحت الإقليم حكماً ذاتياً بموجب دستور العام .1975
مع وصول الرئيس اليوغوسلافي الراحل سلوبودان ميلوسيفيتش إلى الحكم في العام ,1989 وسط صحوة قومية صربية، ضيّقت يوغوسلافيا من مساحة الحكم الذاتي، لكنّ أعضاء برلمانه المنحل أعلنوا في العام التالي استقلالاً تجاهله المجتمع الدولي.
وبعد سنوات من المقاومة غير العنيفة، قادها الرئيس المنتخب للإقليم إبراهيم روغوفا، أخذ المتشددون من ألبان كوسوفو زمام المبادرة، فبدأ «جيش تحرير كوسوفو» هجماته المسلحة على الشرطة والجيش الصربيين فاندلعت حرب شرسة بين الطرفين.
في العام 1999 تصاعدت أعمال العنف في كوسوفو، بعد فشل محادثات رامبوييه (فرنسا) بين الزعماء الألبان وبلغراد بوساطة دولية، ما أدى إلى نزوح موجات كبيرة من اللاجئين ألبان الإقليم إلى التلال المحيطة به. وفي 24 آذار من العام ذاته شنّ حلف شمال الأطلسي حملة قصف جوي ضد يوغوسلافيا انتهت بعد 78 يوما باستسلام بلغراد، التي أخلت قواتها من كوسوفو فاحتلته قوات «الناتو» فيما تسلمت إدارته بعثة تابعة للأمم المتحدة.
في 17 آذار2004 بدأ ألبان كوسوفو موجة أعمال شغب منسقة في مختلف أنحاء الإقليم أسفرت عن مقتل 19 شخصا وإصابة المئات، فيما نزح آلاف الصرب عن الإقليم إثر إحراق مئات المنازل وعشرات الكنائس، وقد استغلت بلغراد هذه الموجة كحجة لرفض الاستقلال خصوصاً أنّ الأمم المتحدة لم تقدم أي تفسير مناسب لأعمال الشغب، فيما لم يخضع المحرضون عليه لأي محاكمة.
في 26 كانون الثاني 2006 تقدّم منسق الأمين العام للأمم المتحدة مارتي أهتيساري بخطة تقضي باستقلال كوسوفو تحت إشراف الأسرة الدولية، وقد عقدت على أساس هذه الخطة، أول جولة محادثات مباشرة بين بلغراد وألبان الإقليم في فيينا من دون التوصل إلى حل. وفي وقت تعثرت الجهود لبدء جولة جديدة في العام ,2007 أحبطت روسيا محاولة في مجلس الأمن لفصل كوسوفو عن صربيا، وذلك بعد انقضاء الموعد النهائي لعقد المحادثات في العاشر من كانون الأول الماضي، الأمر الذي مهد الطريق أمام بريشتينا كي تعلن الاستقلال من جانب واحد بدعم من الولايات المتحدة وكبرى الدول الأوروبية، التي يبدو أنها تسعى من خلال هذه الخطوة إلى وضع موسكو وبلغراد أمام الأمر الواقع.
ورغم توقع اعتراف سريع من قبل الغرب باستقلال كوسوفو، فإنه ليس بوسع الإقليم توقع حصوله على العضوية في الأمم المتحدة في المستقبل القريب نظرا لمعارضة روسيا حليفة صربيا، وبالتالي فإنّ إعلان الاستقلال سيثير مسائل شائكة سواء في ما يتعلق بالقانون الدولي أو على الصعيد الدبلوماسي.
وترى العديد من الحكومات الغربية أن قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1244 الصادر في 10 حزيران ,1999 الذي يطالب صربيا بسحب قواتها من الإقليم، لا ينص صراحة على استقلال الإقليم، لكنه يعتمد المبادئ العامة التي سطرها مجلس وزراء لمجموعة الثماني الكبار.
وتنص هذه المبادئ التي أعدت قبل القرار الدولي، على ضمان «حضور دولي مدني و أمني» في كوسوفو، و«تسهيل العملية السياسية الهادفة إلى تقرير الوضع النهائي لكوسوفو».
ولتعليل قرار إرسال بعثة الأمن والقانون تلك، أصدر الاتحاد الأوروبي وثيقة تعتمد في مجملها على ما تقدم من «حجج»، وهي أن روح القرار الدولي، وليس نصه الحرفي، تؤيد الاستقلال. وتشير الوثيقة الأوروبية إلى أن ما تضمنته مقدمة القرار الدولي من أن كوسوفو جزء من الجمهورية الفدرالية اليوغوسلافية غير ملزم.
أما حجج بلغراد ضد استقلال الإقليم فهي أقل تعقيدا، فصربيا، الدولة ذات السيادة، لم تقبل باستقلال كوسوفو، كما لم يصدر عن مجلس الأمن الدولي أي قرار يأذن بانفصال الإقليم عن صربيا، لذا فإن الاستقلال يفتقر إلى الشرعية.
وتُذكِّر صربيا وروسيا بالبند العاشر من القرار الدولي الرقم 1244 الذي يسمح «باستقلال ذاتي موسع، في إطار الجمهورية الفدرالية اليوغوسلافية»، وهو ما يعني بالنسبة للصرب، أن الأمم المتحدة تعارض استقلال الإقليم.
وترى صربيا وروسيا أن استقلال كوسوفو ينسف إحدى أهم دعائم القانون الدولي، وهي أن الحدود لا ينبغي تغييرها إلا بعد التوصل إلى اتفاق.
وفيما تقرّر أن يواكب الاتحاد الأوروبي استقلال الإقليم، من خلال بعثة قوامها 2500 عنصر يتوقع أن تحل مكان بعثة الأمم المتحدة، فإنّ الدول الأعضاء منقسمة حول هذه المسألة، إذ ستمتنع ست دول أوروبية على الأقل (قبرص واليونان واسبانيا وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا) عن الاعتراف به خوفاً من أن يشكل سابقة لحركات انفصالية أخرى، في وقت يتخوف كثيرون من أعمال عنف جديدة مع إعلان الأقلية الصربية (حوالى 120 ألف نسمة) عزمها تأسيس برلمان خاص ورفضها ما تعتبره «خطوة انفصالية».
ويتوقع أن تمارس بلغراد ضغوطاً لإعاقة استقلال الإقليم. وفيما أكد المسؤولون الصرب أنّهم لن يلجأوا إلى العنف المسلح، فإنّه يتوقع أن يواصلوا دعمهم للأقلية الصربية، كما أنهم سيمتنعون عن تقديم المساعدة للبعثة الأوروبية، فيما يتوقع محللون أن تعمد الحكومة الصربية إلى إغلاق حدودها مع «الدولة» الجديدة إضافة إلى فرض حظر تجاري عليها وعدم الاعتراف بجوازات السفر الصادرة عنها، وربما قطع خدمات المياه والكهرباء والهاتف والانترنت عن الإقليم.
وفي حين تتمتع بلغراد بقدرة كبيرة على الرد فإنّ الأزمة السياسية التي تواجهها داخلياً قد تعيق هذه الإجراءات، خصوصاً أنّ رئيس الدولة بوريس تاديتش ينتهج سياسة أكثر اعتدالا تجاه الاتحاد الأوروبي خلافاً لرئيس الوزراء فويسلاف كوستونيتشا الذي يتخذ منحى متشدداً.
وليس بعيداً عن صربيا، تنظر الأقلية الألبانية في مقدونيا إلى كوسوفو، في ظل وجود جناح متشدد في ما بينهم، وهذا الأمر قد يؤدي بنظر البعض إلى اندلاع أعمال عنف تتخطى حدود الإقليم، مع وجود أكثر من 400 ألف قطعة سلاح غير مرخصة لم يسلمها «جيش تحرير كوسوفو»، فيما يتوقع آخرون أن تكون الدولة الجديدة مسرحاً للجريمة في أوروبا (الهجرة غير الشرعية، السلاح، المخدرات، الدعارة، والفساد). وبناء عليه، يبقى السؤال ماذا لو فشلت الدولة الجديدة في تأمين شروط استمرارها؟
أرقام وحقائق:
العاصمة: بريشتينا.
تاريخ الاستقلال: 17 شباط 2008 (عن صربيا).
المساحة: 10.877 آلاف كيلومتر مربع.
الموقع الجغرافي: تحده ألبانيا من الجنوب الغربي، ومقدونيا من الجنوب الشرقي، ومونتينغرو في الغرب.
عدد السكان: 2.2 مليون نسمة (تقديرات 2005).
العرقيات: 92 في المئة ألبانيو الأصل، 5.3 في المئة صرب، 2.7 مختلف.
اللغات: الألبانية والصربية والتركية.
الديانة: 90 في المئة مسلمون.
العملة: اليورو.
الثروات الطبيعية: الرصاص والزنك والفضة والذهب والكروم والحديد والنيكل والفحم الحجري والمغنيزيوم والألومينيوم والنحاس والزئبق.
الناتج القومي المحلي: لا تقديرات متوفرة.
كيف تفككت جمهورية يوغوسلافيا؟
يشكل استقلال إقليم كوسوفو الصربي المرحلة الأخيرة في تفكك يوغوسلافيا الذي بدأ في التسعينيات كنتيجة للحروب التي مزقت البلقان. ولم تتمتع كوسوفو بوضع جمهورية في إطار يوغوسلافيا، ما قدم لصربيا حجة إضافية لمعارضة انفصال إقليم تعتبره مهدا لتاريخها وثقافتها.
وفي الآتي عرض للانهيار اليوغوسلافي تدريجيا:
سلوفينيا: هي الجمهورية الاولى التي تنفصل عن الاتحاد، وحصلت على استقلالها بطريقة سلمية نسبيا. ففي 23 كانون الأول ,1990 أعرب 88 في المئة من السلوفينيين في استفتاء عن تأييدهم للاستقلال الذي أعلن في 25 حزيران ,1991 وبعد عشرة أيام انسحب الجيش الشعبي اليوغوسلافي بعد مناوشات بسيطة، فيما نالت الجمهورية الجديدة في أقل من عام اعتراف المجموعة الاقتصادية الأوروبية والولايات المتحدة وأكثر من 30 دولة.
كرواتيا: بعد وصول فرانيو توديمان إلى الرئاسة في 30 ايار,1990 أجريت تعديلات دستورية أثارت امتعاضا في صربيا، وأعلنت المناطق الكرواتية المأهولة بالصرب عن حكمها الذاتي في 21 كانون الأول .1990 وفي استفتاء 19 أيار 1991 الذي قاطعه الصرب، الذين شكلوا آنذاك 12.6 في المئة من السكان، أيد 92 في المئة الاستقلال، الذي أعلن في اليوم نفسه لاستقلال سلوفينيا، وأصبح رسميا في 7 تشرين الأول. لكن الاشتباكات المسلحة بين تشكيلات كرواتية من جهة وأخرى صربية إلى جانب الجيش الشعبي اليوغوسلافي، تحولت في آب 1991 إلى حرب مفتوحة استمرت حتى أواسط العام .1995 واعترفت المجموعة الاقتصادية الأوروبية والولايات المتحدة وأكثر من ثلاثين دولة أخرى بكرواتيا وسلوفينيا في آن، فيما تبادلت كرواتيا وجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاعتراف في آب .1996
البوسنة والهرسك: في 15 تشرين الأول 1991 أعلن البرلمان البوسني الاستقلال. وفي شباط ,1992 وبعد محادثات في لشبونة تحت إشراف المجتمع الدولي، وقع البوسنيون والكروات والصرب، اتفاقية بتقسيم البوسنة والهرسك إلى ثلاثة كانتونات، لكن الرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش سحب توقيعه بعد يومين ونظم استفتاء قاطعه الصرب، وفيه تمت الموافقة على الاستقلال بنسبة 62.8 في المئة، وقد أعلن الاستقلال في 5 نيسان 1992 مع بدء النزاعات المسلحة، ففي اليوم التالي بدأ حصار سراييفو الذي دام حتى نهاية الحرب العام .1995 اعترفت بلغراد بالبوسنة في إطار اتفاقيات السلام في دايتون، التي وضعت حدا للحرب في 21 تشرين الثاني .1995
مقدونيا: نالت مقدونيا استقلالها من دون إراقة الدماء، فبعدما نال الاستقلال التأييد الشعبي بنسبة 95 في المئة في استفتاء 8 أيلول ,1991 تم إعلانه بعد أسبوع.
مونتينيغرو (الجبل الاسود): هي الجمهورية اليوغوسلافية الأخيرة التي ظلت متعلقة بصربيا، حليفتها التاريخية، بعد حرب التسعينات. في نيسان 1992 شكل البلدان جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية التي أصبحت في شباط 2003 اتحادا مرنا سمي دولة صربيا ـ مونتينيغرو. غير أن المشاعر الانفصالية تغلبت في مونتينيغرو وأدت إلى استفتاء في 21 أيار 2006 وتأييد الاستقلال بنسبة 55.5 في المئة، وقد أعلن استقلالها في 3 حزيران .2006
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد