وفاة الداعية التركي فتح الله غولن

23-10-2024

وفاة الداعية التركي فتح الله غولن

محمد نور الدين:

عبر موقع «هرقل ناغمه» الإلكتروني، أُعلن عن وفاة الداعية التركي الشهير، فتح الله غولين، في أحد مستشفيات ولاية بنسلفانيا الأميركية، أول من أمس. وجاء في النعي، أن غولين قضى عن عمر 83 عاماً أفناها في «خدمة الإسلام والإنسانية»، على أن تُحدّد لاحقاً مراسم الدفن. وغولين، المولود في الـ27 من نيسان من عام 1941 في قضاء باسينلر في محافظة أرضروم، هو مؤسّس الجماعة التي تحمل اسمه، وقد تتلمذ على يد المفكر التركي سعيد نورسي، مؤسّس جماعة «النور»، والذي توفي مطلع الستينيات. ومع أن «الداعية» الشهير يَعتبر نفسه امتداداً لنورسي، الذي درس على كتبه، لكنه سعى إلى رسم طريق خاص به، ليتميّز عن أستاذه؛ فباتت جماعته تعرف باسم «فتح الله غولين»، أو «خدمت»، نسبةً إلى عبارة «خدمة الناس والإسلام».
وتميّزت المرحلة التي أعقبت وفاة نورسي وسطوع نجم غولين، بدءاً من الستينيات، بالتنافس الشديد بينه وبين زعيم أحزاب «النظام الوطني»، فـ«السلامة الوطني»، فـ«الرفاه»، نجم الدين أربكان، على زعامة الحركة الإسلامية في تركيا، علماً أن القاسم المشترك بينهما، كان عداءهما للنظام العلماني - العسكري. لكن ما كان يفصل بين أربكان وغولين، أن الأول اختار النضال في الساحة السياسية وعبر المشاركة الفاعلة في آليات ومؤسسات النظام، وصولاً إلى ترؤسه الحكومة عام 1996؛ فيما اختار الثاني العمل الاجتماعي بكل أشكاله الصحية والتعليمية والدعوية، فأسّس عدداً كبيراً من المدارس والجامعات داخل تركيا وخارجها. ولذا، كان رجال النظام ينظرون إليه بإيجابية، خصوصاً أن {{جامعاته كلها تدرّس باللغة الإنكليزية}}، ولا سيما في آسيا الوسطى والعالم التركي، لتهيّئ نخبة جديدة «حديثة».
وقد ألقى ذلك بظلال من الشكّ على علاقة غولين بالمؤسسة العسكرية من أجل إضعاف أربكان. لكن التطورات أظهرت لاحقاً أن «الداعية» كان يتبع أسلوب التغلغل داخل المؤسسة العسكرية من أجل انتظار الفرصة المناسبة للانقضاض عليها، وهو ما عرّض مَن اتُّهموا باتباعه داخل المؤسسة العسكرية للطرد والاعتقال. وبلغت الحملة العلمانية - العسكرية على الحركة الإسلامية بشقَّيها السياسي (أربكان) والاجتماعي (غولين)، في الـ28 من شباط 1997، ذروتها، عندما انعقد مجلس الأمن القومي، إبان عهد حكومة أربكان، ووجّه إنذاراً إلى الأخير من أجل أن يبادر بنفسه إلى تصفية الحالة الدينية وطرقها ورموزها ومؤسّساتها. وحين رفض أربكان الاضطلاع بهذا الدور، استقال من منصبه في الـ18 من حزيران من العام نفسه، وما لبث أن حوكم ومُنع من العمل السياسي. وفي هذا الوقت، تحسّس غولين الخطر الذي كان ينتظره، فتمكّن، في عام 1999، وبمساعدة من «صديقه»، رئيس الحكومة بولنت أجاويد، من مغادرة تركيا بصورة قانونية إلى الولايات المتحدة، حيث استقرّ في ولاية بنسلفانيا إلى حين وفاته. وقد وجّهت إليه لاحقاً عشرات التهم، بدءاً بتزعمه منظمة إرهابية مسلّحة للقضاء على الدولة، والعمل على تنظيم عصيان على الجمهورية، وغيرهما. وكانت المدة الفاصلة بين عامَي 1999 وانتخابات 2002، مفصلية بالنسبة إلى غولين، الذي عقد مع رئيس «حزب العدالة والتنمية»، رجب طيب إردوغان، «شراكةً» يوفّر فيها الأول الكوادر البشرية اللازمة للمراكز الأساسية في الدولة التي يسعى وراءها الحزب الإسلامي. وكانت تلك المرحلة بدايةً لهيمنة مهمّة لجماعة غولين على مفاصل الدولة العسكرية والقضائية والأمنية، فيما شكّل استفتاء 12 أيلول 2010 لتعديل الدستور، وقص أجنحة المؤسسة العسكرية، ذروة التحالف بين إردوغان وغولين.
ومع أن إردوغان كان قد نسج علاقات قوية مع الولايات المتحدة واللوبيات اليهودية فيها، ولكن نُظر إلى غولين الذي ارتأى البقاء في أميركا وعدم العودة إلى تركيا، على أنه «الوكيل الأميركي» في تركيا، والمتعاون مع إسرائيل انطلاقاً من العداوة الشديدة التي يكنّها للنظام الإسلامي في إيران. 
ومع بدء احتجاجات «الربيع العربي» وتورُّط تركيا في سوريا، ثم التباين بين إردوغان وأميركا على الأولويات، ولا سيما في مسألة العلاقة بين الأميركيين والأكراد، بدأ الخلاف الشديد بين غولين وإردوغان اعتباراً من عام 2012؛ فسعت جماعة الأول إلى اعتقال حاقان فيدان الذي كان قد عيّن للتوّ رئيساً للاستخبارات التركية. ولمّا فشلت المحاولة، اتُّهم غولين بأنه كان وراء فبركة اتهامات الفساد لوزراء في حكومة إردوغان، ثم التحريض على احتجاجات حديقة «غيزي» الشهيرة.


غير أن نقطة التحوّل الكبرى، كانت في الـ15 من تموز 2016، عندما حاول الجيش القيام بمحاولة انقلاب ضدّ إردوغان، سقط على إثرها العشرات من الجنود والمدنيين. ومع فشل المحاولة، اتهم الرئيس التركي، غولين، ومن خلفه الإمارات والولايات المتحدة، بالوقوف وراء الانقلاب، ما حدا به إلى إطلاق حملة هي الأقسى والأشمل على كل العناصر التابعة لغولين في المؤسسات كافة، والتي جاءت محصلتها الأكبر داخل الجيش الذي خسر عشرات الضباط وآلاف الجنود. كذلك، اعتقل وطرد الآلاف من الموظفين في القطاعات التعليمية والصحية والإعلامية، حتى كاد العدد يصل إلى 250 ألفاً، فيما دعا إردوغان إلى إعادة هيكلة الجيش من جديد، وبدأ يطلق على جماعة غولين اسم «منظمة غولين الإرهابية».


وهكذا، تحوّل مصير غولين إلى أحد ملفات الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة، إذ طالبت أنقرة سبع مرات بتسليمها الداعية التركي، لكن واشنطن رفضت ذلك دوماً، على اعتبار أنه سيشكّل سابقة سلبية للمتعاونين من الأتراك مع الولايات المتحدة. ولم تتوقّف حملة إردوغان على غولين يوماً، حيث كانت الشرطة تشنّ عمليات اعتقال شبه يومية في مختلف المناطق ضدّ متهمين بالانتماء إلى جماعته، وهي حملات يبدو أنها ستستمر حتى بعد رحيل الرجل. 
أما مَن سيخلف غولين في موقعه، فهذا ليس بالسهولة المتوقعة. ومع أنه يتداول بأسماء من مثل رجل الأعمال مصطفى أوزجان، أو الإعلامي المعروف عبد الله آيماز، غير أن افتقادهما البعد الديني في شخصيتيهما قد لا يساعد على اختيار أحدهما.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...