الكشف عن الأسباب الفعلية لتراجع التيار الكهربائي
تشهد البلاد تراجعاً حاداً في ساعات التغذية الكهربائية بكل المناطق ، علماً أن تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي في سوريا، ليس بجديد، وإنما هي سيناريو متكرر اعتاد عليه السوريون خلال سنوات الحرب، خاصة خلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية، وهذه الأزمة تتكرر في كل عام مرّتين الأولى في منتصف فصل الصيف مع بلوغ درجات الحرارة أعلى معدلاتها حيث يرتفع الاستهلاك بشكل كبير مقابل انخفاض المجهود الفعلي لمحطات التوليد، والثانية؛ تحصل خلال الذروة في فصل الشتاء حيث تنخفض درجات الحرارة ويزاد الطلب أيضاً، وبالتالي تتضاعف الأحمال على الكميات المولدة المحدودة.
ومع الأيام الأولى من شتاء هذا العام، شهدت البلاد تراجعاً حاداً في عدد ساعات التغذية الكهربائية على العموم، حيث بلغت وسطياً في جميع المحافظات نحو 3 ساعات وصل متفرقة، مقابل 4 ساعات قطع متفرقة أيضاً، نتيجة انخفاض إنتاجية محطات التوليد إلى 1500 ميغا تقريباً مقارنة بـ 2000 ميغا قبل 10 أيام، بحسب ما ذكرته مصادر مطلعة في مؤسسة توليد الكهرباء.
وكان تأثير التراجع الحاصل في التوليد، واضحاً على أحياء العاصمة دمشق والتي تراجعت فيها ساعات التغذية خلال اليوم الواحد بشكل ملحوظ، حيث كانت تغذى بعض أحياء المدينة بساعتين وصل مقابل 4 ساعات قطع، بينما وصل إلى فترات تقنين لامست 8 ساعات في بعض الأحياء كمشروع دمر، وبرزة وركن الدين والمزة، والميدان، مقابل ساعة أو ساعة ونصف وصل، وأحياناً تكون متقطعة نصف ساعة وصل مقابل 7 ساعات قطع، بحسب ما ذكره عدد من سكان المدينة .
وبحسب السكان المحليين، كانت المدينة مستقرة خلال الفترة الماضية من جهة التغذية الكهربائية إلى حداً ما، ولو كانت دون المأمول، ولكن لحظوا مع أول موجة برد بدأت هذا الشتاء وجود انخفاض واضح في حجم التغذية الكهربائية، مشيرين إلى أنّهم كانوا مستبشرين خيراً هذا العام على خلفية إقلاع مجموعات جديدة في محطة توليد حلب.
وبحسب أهالي من منطقة ‘‘حي الورود’’، الملاصقة للعاصمة تراجع مستوى التغذية الكهربائية لديهم بشكل واضح عما كان عليه قبل أسبوع، حيث أصبح معدل ساعات الوصل ساعة يومياً وبشكل متقطع مقابل 23 ساعة قطع.
مناطق أخرى في ريف دمشق لا تصلها الكهرباء خلال اليوم سوى نصف ساعة كــ “تل منين، معربا، الضمير، عدرا، دوما، المعظمية، الجديدة وصحنايا..” وغيرها من المناطق الأخرى، والتي أكد سكانها أنّ واقع التغذية مسبقاً كان سيئ ولكن حالياً ازداد سوءاً ولا تصل طوال اليوم إلا لدقائق فقط، مؤكدين أنّ ما يجري غير مسبوق خاصة وأن “الشتوية” على حدّ وصفهم بــ “أولها”، ولا تزال درجات الحرارة مقبولة طوال اليوم ليلاً نهاراً.
الواقع الرهن لمستوى التغذية الكهربائية لا يخفى على أحد، وبات الحديث فيه هم كل السوريين، وهذا دفع العديد منهم لـ ‘‘استهجان’’ ما يحصل، متسائلين عن الوعود التي كانت تُطلق من المسؤولين في الوزارة خلال الفترة الماضية، وخاصة بعد إخال مجموعات جديدة للشبكة الكهربائية، وإعادة تأهيل أخرى.
فالوضع العام لمستوى التغذية الكهربائية الذي تمر به دمشق وريفها، ينطبق على جميع المحافظات الأخرى، وما يحدث به أهالي دمشق، هو على لسان كل شخص يبحث عمّا يُنير له ظلام بيته، إلا أنّ ما هو أهم من ذلك، البحث عن الأسباب الفعلية لما يحصل، والوصول إلى طبيعة تلك الأسباب وماهيتها، وسبب ظهورها في هذا التوقيت، والمقاصد منها.
والمتابع الباحث عن الأسباب التي أدت إلى ارتفاع ساعات التقنين في البلاد خلال الأيام القليلة الماضية، سيجد أن العديد من التفسيرات الرسمية التقليدية للأزمة الكهربائية تتمثل في زيادة الاستهلاك بسبب انخفاض درجة الحرارة ولجوء الأهالي إلى استخدام الطاقة الكهربائية للتدفئة بشكل أساسي، إضافة إلى تراجع إنتاجية مجموعات التوليد في المحافظات بسبب انخفاض كميات الغاز والفيول اللازمة للتشغيل.
إلى جانب ذلك، هناك أسباب أخرى ظهرت أبعد مما هو متعلق بوزارة الكهرباء، فقد تم منذ 10 أيام تشغيل معمل الأسمدة في محافظة حمص لإنتاج السماد محلياً لتأمين مستلزمات الخطة الزراعية للموسم الزراعي الحالي، والتي تتطلب توفير مادة السماد (يوريا 46) لمحصول القمح، والذي لا يمكن تأمينه كاملاً من الخارج نتيجة الحصار الاقتصادي، وبالتالي، وبحسب ما ذكره، وزير الكهرباء غسان الزامل منذ أسبوعين، فإنّه مع تشغيل المعمل ‘‘سينخفض إنتاج الكهرباء لأن المعمل يحتاج 1.2 مليون متر مكعب من الغاز لتصنيع السماد من خلال مادة الأمونيا الموجودة فيه وليس لاستهلاك الكهرباء’’.
مصدر مطلع في المصرف الزراعي التعاوني أكّد ” أنّ المصرف بدأ منذ فترة قريبة باستقبال طلبات المزارعين للحصول على مادة السماد للموسم الزراعي الحالي، مشيراً إلى أنّه سيتم التوزيع بدءاً من بداية الشهر المقبل.
ولفت المصدر، إلى أنّ الخطة الزراعية الحالية تتطلب توفير كميات معينة بحسب المساحات المزروعة، وبالتالي لا بد للحكومة من توفيرها بمختلف الطرق، لافتاً إلى أنه خلال الفترة الماضية قامت وزارة الاقتصاد عن طريق مؤسسة التجارة الخارجية، بتوفير جزء من المادة المطلوبة للموسم الزراعي عبر الاستيراد من الخارج، حيث تم توفير كميات جيدة من مادة (سماد اليوريا) من إحدى الدول الأوروبية ولكنها غير كافية وفقا للموقع المحلي أثربرس.
وبحسب المصدر، سيتم تعويض الكميات اللازمة من السوق المحلية عبر معمل الأسمدة والذي دخل بالعملية الإنتاجية منذ 10 أيام ريثما يتم توفير ما هو مطلوب كون السماد المنتج منه ذو فعالية عالية تضاهي أجود أنواع الأسمدة عالمياً، مجدداً التأكيد على أن الاستيراد من الخارج لكامل الكميات المطلوبة غير ممكن لعدةّ أسباب أولها أن ذلك يتطلب توافر قطع أجنبي وثانياً، صعوبة الاستيراد نتيجة الحصار الاقتصادي الغربي على البضائع الداخلة إلى سوريا.
وفي السياق ذاته، كان مصدر حكومي، بحسب صحيفة ‘الثورة’’ السورية، بين أنّ القرار الحكومي بتشغيل المعمل مؤقتاً، يندرج تحت بند ضمان نجاح تنفيذ الخطة الإنتاجية الزراعية للموسم الزراعي الحالي 2023 – 2024 لجهة توفير كميات من مادة السماد للفلاحين، وبالتالي تأمين الأمن الغذائي للبلاد.
بدوره أكد عدد من الفلاحين وخاصة مزارعي القمح حيث أنّهم مستبشرين خيراً في الموسم الزراعي هذا العام، معوّلين على الدور الحكومي في توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي وخاصة الأسمدة خلال هذه الفترة والتي تعد مصيرية لموسم القمح الذي يعد الركيزة الأساسية للأمن الغذائي في سورية.
موقف الفلاحين، ربما لا يتفق معه أغلبية سكان المدن، ولكن وفقاً لرأيهم فإن تشغيل المعمل ولو جاء متأخراً مقارنة بالأعوام الأخرى، أهم من تأمين الكهرباء خاصة وأن مادة السمادة (يوريا 46) أو ما هو معروض لديهم (السماء الأبيض) هو ضروري جداً للقمح في بداية نموه. مشيرين إلى أنّ توفير الأسمدة اللازمة للموسم سينعكس إيجاباً في حجم الإنتاج النهائي للقمح والذي تجاوز هذا العام المليون طن.
يذكر أنه خلال العام الماضي، تم إيقاف معمل الأسمدة عن العمل أيلول 2022 حيث استطاع توفير كميات من المادة اللازم للموسم الزراعي آنذاك في وقت مبكر، إذ يحتاج المعمل يومياً إلى ما يقارب 1.5 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وذلك من إجمالي الكميات التي كانت تورد يومياً لمحطات توليد الكهرباء العاملة على الغاز والبالغة نحو من 7 ملايين متر مكعب يومياً.
أثر
إضافة تعليق جديد