أطفال يمارسون مهنا خطرة لإعالة أسرهم
يقول عمر البالغ من العمر 16 عاماً: “لا أفضّل السير بالطريق الممتد من البرامكة إلى زقاق الجن وحتى الفحامة حيث تنتشر ورش تصليح السيارات التي أصبحت تستقطب الكثير من رفاقي على مقاعد الدراسة لتعلم صنعة تساعدهم على إعالة أسرهم الفقيرة”.
ويضيف عمر: “على مدى ثلاث سنوات وللمصادفة أصدقائي في المدرسة والحارة بحي الدحاديل تركوا الدراسة بحجة أنهم لا يحبون الدراسة ويرغبون بتعلم مهنة تكسب ذهب كما كان يقول ابن جيراني محمد الذي يعتبر نفسه الآن معلم ميكانيك سيارات”.
رفاق عمر وغيرهم الكثير، مشهد بات مألوفاً للمارة بالعاصمة دمشق أكثر من غيرها من المدن السورية لأطفال بعمر لا يتجاوز الـ 12 عاماً وحتى أقل يعملون بمهن مختلفة وخطيرة منها: إصلاح السيارات والبناء، أو العتالة لساعات طويلة وشاقة طبعت آثارها القاسية في أجسادهم النحيلة ووجوههم البائسة”.
تختلف الأسباب التي دعت محمد ويزن ورافع وغيرهم لترك الدراسة والعمل في إحدى ورش بخ ودهان السيارات، فبعضهم قال: إن والده متوفى ويساعد أمه في مصروف البيت، وآخر علل بأنه لا يحب الدراسة واكتفى بشهادة السادس الابتدائي؛ ولكن الأغلب قال: الظروف صعبة والدراسة مشوار طويل وتحتاج إلى تكاليف ووافق والده بالرأي لتعلم مصلحة مجبراً أو مختاراً لا تفرق، فما أسهل إقناع الطفل وإن بدا على جسده بعض الخشونة التي اكتسبها من قسوة معلمه في المصلحة أو الورشة فأصبح رجل قبل أوانه.
يقول محمد ذو الـ11 عاماً: “منذ شهرين أعمل مع أخي محمود البالغ 17 عاماً في إحدى ورش النجارة بمنطقة المزة 86 كي نساعد أهلنا في المصاريف”، ويتابع لـ”أثر”: “المعلم يحب أخي أكثر مني؛ لأنه سريع التعلم ونشيط وأنا ما أزال أرغب بالعودة للمدرسة ولم أحب النجارة بعد على الرغم من أني أحاول، ربما العمل في إحدى المطاعم أسهل أو أقل خطر، أنا أكره صوت المنشرة”.
بدورها، تقول إحدى الأمهات (ابنها يعمل بمهنة تعتبر خطيرة) : إن الأطفال كانوا يساعدون الأهل دائماً بمواسم الحصاد وقطاف الزيتون وغيره بمختلف المحافظات والآن تغيرت الظروف وأصبح مورد واحد لتأمين حاجات الأسرة لا يكفي حتى الطفل، وتتابع: “لا اعتبر ابني طفل بل شاب، وهو لا يقبل أن يأخذ مصروف من والده وهو يعلم أن الوضع المادي صعب”.
اختلفت آراء الأسر بين محتاج برر لنفسه عمالة أولاده وآخر اعتبر تعلم مهنة ومصلحة أفضل من دراسة فرع غير الطب والصيدلة، وهنا الرأي للعم أبو معتز الذي اعتبر الوظيفة لا تطعم خبزاً ولا تسد جوعاً، مضيفاً : “الأسر في سوريا بين المطرقة والسندان لأكثر من كارثة؛ فمن الحرب إلى الزلزال إلى ارتفاع الأسعار”.
من جهته، أحد أصحاب الورش بدمشق (فضّل عدم الكشف عن اسمه) ذكر: أن طلب العمل لديه يزداد يوماً بعد آخر لحاجة الأسر إلى العمل، متابعاً: “بالفعل تعلم المهنة بعمر صغير أفضل وأنا أحرص على مراعاة أعمار بعض الشغيلة لديّ خصوصاً من ناحية عدم التأخير ليلاً أو السماح لهم بالتدخين”.
إذاً، عمل الأطفال ينتشر بمعظم المدن السورية خصوصاً التي يوجد بها مدن أو مناطق صناعية ونجدهم في البقاليات والمحال التي تبيع مختلف السلع يساعدون في توصيل الطلبات أو تنظيف المحال وغير ذلك أو ضمن ورش أعمال البناء وأسواق الهال ينقلون الأحمال الثقيلة ونظرات أغلبهم تفضح تعب أجسادهم الصغيرة.
ولا يقتصر العمل على الأطفال الذكور فمعظم صالونات الحلاقة النسائية استقطبت الفتيات القاصرات الراغبات بتعلم حرفة تكسب ذهب، فتقول أم عهد: إنها أصبحت ترفض طلب الكثير من الأسر التي ترسل بناتها لتعلم مهنة الكوافير، بينما تصر أم إحداهن على اختيار صالون حلاقة بجانب منزلها لتوفير أجرة الطريق ولتحقيق أمان أكثر لابنتها ذات الـ15 عاماً، وإن لم تستطع سوف تبحث عن صالون آخر بمنطقة قريبة على الرغم من أن تعليم هذه الحرفة أصبح يكلف الكثير لقاء دورات التعليم كما تقول وهناك صالونات تعطي شهادات معترف فيها.
يذكر أن قانون العمل رقم 17 لعام 2010 الناظم للعمل بالقطاع الخاص يشمل مواد تتعلق بعمل الأطفال فوق سن 15 عاماً وفق أسس وشروط يلتزم صاحب العمل بتطبيقها منها ساعات العمل والراحة ونوعه وتوفير بيئة عمل آمنة وصحية، إضافة إلى قانون حماية الطفل الذي صدر عام 2021 الذي يهدف إلى تعزيز دور الدولة بمختلف مؤسساتها العامة والخاصة في حماية الطفل ورعايته وهو يضمن معالجة ظاهرة عمل الأطفال ويمنع استغلال الطفل اقتصادياً أو في أداء أي عمل يكون خطير أو يمثل عائقاً لتعليمه أو ضاراً بصحته.
وزاد عدد الأطفال الذين يعملون بمختلف المهن بالأسواق حالياً؛ وحتى منهم من امتهن التسول؛ بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها سوريا نتيجة الحرب والزلزال والعقوبات الاقتصادية.
يشار إلى أن دول العالم تحيي اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال في 12 حزيران من كل عام، وتشير تقديرات منظمتي العمل الدولية والأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” إلى أن عدم وجود استراتيجيات للتدخل المبكر للحد من عمل الأطفال سيؤدي إلى ارتفاع عددهم، إذ تجاوز عددهم العام الماضي 160 مليون طفلاً معظمهم ضمن الفئة العمرية من 5 إلى 11 عاماً.
اثر برس
إضافة تعليق جديد