الى سورية من سيعود؟

رشاد كامل:

لن اتحدث عن مالا اعرفه تخميناً، بل ساتحدث عن عشرات وربما اكثر من الاشخاص الذين اعرف انهم غادروا سورية قسرا، خوفا، طمعاً، فرصة، ام طرداً، وهل سيعودون الى سورية اذا ما سنحت لهم الظروف؟

استطيع ان اجزم ان معظمهم عدا الشباب من هم في عمر الجندية الاجبارية قد عاد زيارة الى سورية ان لم يكن للسياحة او الاطمئنان على الاهل فلمتابعة معاملات او الاطمئنان على الاملاك، وكثير منهم زار سورية للاستطباب..

لايوجد من معارفي ابدا ولا شخص في المخيمات، ابدا، ولكن معظمهم لايمانع ان يعيش على مساعدات من هذه الدولة او تلك، لايمنعهم عن ذلك لا دين، ولا نخوة، بل هو موروث سوري اخذناه من ايام العصملي تحت شعار " شعرة من قفا الخنزير مكسب" والقصد اي شيء تحصله من الحكومة مكسب... ولا استغرب هذه الثقافة ونحن من سرقت اموالنا من حكومات ادعت الفتح الاسلامي الى تاريخه لا نستطيع طي التوجس التاريخي او الاستكساب التاريخي الذي بني في نفوسنا من ١٥٠٠ سنة مضت.

اذا ممن اعرفهم اجزم ان من سيعود الى حضن الوطن هم ، الكبار بالسن ممن سيرغبون في قضاء ايامهم الاخيرة برأفة البلاد، ومنهم نساء كبيرات بالعمر وجدوا ملاذ سورية الامن بعد شنططة بين بلدان مختلفة واولاد لم يعودوا قادرين على تحمل عيش امهاتهم مع اسرهم في بيوت اوروربا وتركيا.

هناك المرضى وخاصة من لديه امراض طفيفة مثل السكر والضغط وخلافه، وهناك القسم الذي فشل بالاندماج لاسباب كثيرة وهذا اخطر قسم عائد الى سورية..

معظم من ذكرتهم سيعودون ومعهم مايكفي من الاموال وسيأتيهم اموال من اولادهم بما يكفي لاستقلالهم ماليا عن قروش الدولة السورية،  لابل من الممكن ان يصبحوا احد زبائن اقتصاد الاستقرار، كون التدفق المالي الذي سيجلبونه يعادل مئات ملايين الدولارات في الشهر الواحد..

لكن مما اسمع، ومن احاور ، لن يعود الشباب ، ولن يعود حتماً الاولاد ، خلال السنوات الخمس القادمة اولاد السوريين في اوروبا وتركيا سيكونوا قد وجدوا فرصة حياة جديدة كاملة في مجتمعات تحتاجهم، لن يعودوا الا ربما سياحة الى سورية، او لن يعود منهم الا من تطرف ويحمل بذور صناعة دولة اسلامية انتقامية من احساسه بالدونية في دولة ومجتمعات تجاوزته حضاريا بالف سنة ...

ان نجاح السوريين في الخارج سيشجع مزيد من النزوح والهجرة لسوريي الداخل، معادلة بسيطة، لا تحتاج الى تحليل عميق.. انعدام فرص حقيقية في سورية المستقبل مقابل اساطير نجاح من سبق في الهجرة .. ضف على تلك المعادلة، الخدمة العسكرية، والعنجهة الأمنية، والخطاب السوري الحكومي التقليدي،  يصبح نزوح اي خبرة شابة امر حتمي، لا بل خطة تعد له او لها ، ويباركها المجتمع.
سيعود سوريو المخيمات ورغم اني لا اخاف ممن اعتاد على ان يأكل ويتكاثر على حساب الامم المتحدة لكن بعد عشر سنوات واكثر من هذا الاسلوب في الحياة ، لا اعرف كيف سنعيد تاهيلهم ليعملوا بأي شيء لكسب اللقمة .. غالبا لن يعملوا.

اذا شكل القوى العاملة المنتجة للسوريين العائدين لا تبشر بالخير .

نعم هناك بعض الاطباء ممن سيفتحون مشفى هنا او هناك، وبعض التجار من كسبوا مهارات تجاوزت سوريتهم، سيفتحوا متاجر اشبه بمتاجر دبي او اوروبا ومطاعمها ، وستستهدف معظمها اما من اغتنى من حرب البلاد او السوريين من سيعتمدون سورية مصيفاً.

اذا نزيف الخبرات باتجاه خارج سورية لن يتوقف، ولم يكن سببه فقط الحرب وانما الحرب اعطته دفعة قوية، وطول فترة الصراع اسس لاستقرار ملايين الشباب والشابات السوريات في مجتمعاتهم الجديدة، وانا اتحدث عن المنتجين الجيدين منهم.

والتحدي الهائل الذي سيواجه سورية في المستقبل ان افترضنا انه مستقبل هادئ تصالحي قريب، هي في رسم خططه التنموية واعادة الاعمار في ضوء فقدان كوادره الحقيقية ، واليات تحفيز عودة تلك الكوادر، دون احداث شرخ تمييزي بين من بقي في سورية بخبرات محدودة، ومن هو ات من اوروبا وبخبرات كبيرة.

من الممكن ايضا ان نطوي فكرة انه لدينا سوريين متميزين في الخارج وننساهم في معادلات التنمية ونتذكرهم فقط كسياح و مصدر شراء لمساكن في مجمعات سياحية مخصصة لهم  كما فعل قبلنا لبنان، و نركز على من تبقى ونعيد بناء كوادرنا المحلية على قدراتها، هذه خطة ستاخذ ٢٥ سنة على الاقل .

لاحلول سهلة ولا مكافآت ، ولا استثمارات تعويضية، وانما خطط لاغلاق جرح نازف
والتعافي مع الزمن

وهضم من بقي من السوريين وهضم انواع العائدين منهم..

الى الان نحن بلا خارطة للسوريين في الداخل

وبلا خارطة للسوريين في الخارج

هذا ولم ادخل في المعادلة سوريين عاشوا تحت كنف فصائل جهادية في ادلب لمدد مقلقة
ولا سوريين عاشوا عقد كامل تحت رايات صفراء امريكية كردية.

تحدي كبير رسم خارطة المستقبل

سورية اليوم ، لا تشبه سورية ٢٠١٠

لذلك لايمكن ادارتها بنفس الادوات.

ببساطة