مشاكل الخطاب الإسلامي

31-01-2023

مشاكل الخطاب الإسلامي

د.سامح عسكر:

صديق يسأل لماذا غالبية انتقاداتك موجهة لرجال الدين؟..ألا توجد مشكلة أخرى تشغلنا بها غير هؤلاء؟

قلت: صديقي أنا صاحب قلم واحد وعقل واحد، لا يمكن الكتابة في كل الموضوعات، وقد انشغلت فترة بالسياسة والاقتصاد حتى خصمت من جهدي العلمي الكثير..

دعنا نتفق أننا في مشكلة إرهاب دولي ومحلي، وخطر الأصوليين المسلمين هو الأول عالميا منذ عقود ويتجدد باستمرار جراء فشل المواجهة الفكرية له بالطرق العلمية السليمة..

لدينا مشكلة خطاب عام لا يستثني ، فلدينا مشكلة خطاب سياسي واقتصادي وديني واجتماعي ..إلخ، لكن المحرك الأول لكل هذه المشكلات هو (الخطاب الديني) الذي شبهته قديما بأن تجديد الخطاب العام هو (مدرسة) وتجديد الدين هو (بوابة تلك المدرسة) فلا يمكن أن يتجدد خطابنا الإنساني والحضاري بدون تجديد الدين، فهي المشكلة التي نعاني منها قبل 3 أجيال تقريبا ولم يفلح أي جيل منهم في علاج المرض بل استفحل وزادت تبعاته ونواغصه بشكل محزن كلما يتقدم بنا الزمن أو نواجهة بطريقة خاطئة..

مشكلة رجال الدين أن فكرتهم واحدة (خلافة وإمامة وشريعة) لكن يدعون إليها بصياغات مختلفة، فهم لا يختلفون في الجوهر لكن مختلفين في التعبير والصياغة أو الطريقة التي يقدمون بها الفكرة للناس، وهذا الذي يخدع البعض ويظن أنهم مذاهب..وهذا غير صحيح، لقد انتهت المذهبية الإسلامية في القرن 20 وتوحدت المذاهب الأربعة تقريبا في نسخة تدين واحدة هي التي سادت الآن ونعرفها بالإسلام السياسي أو الوهابية أو الدين الصحوي، فلو تابعت فتاوى أئمة السنة بالخصوص تجدهم لا يدعون لمذهب فقهي واحد ولكن لعنوان غامض ومطاطي اسمه (الكتاب والسنة) وبرغم أن سلف المسلمين لم يتفقوا على هذا العنوان لكن الوهابية خدعت الناس وظنت أن بإمكانهم توحيد المسلمين لهذا العنوان إما بالاختيار أو الإجبار..

نعم فكرتهم واحدة ولكن الصياغات مختلفة

كلهم يدعون لسلطة دينية وشريعة قديمة جدا لم تُحدّث منذ قرون، لكن بطرق مختلفة أدبية منها وخطابية وسياسية واجتماعية وأخلاقية وعقلية ومؤسسية..

خد عندك مثلا جانب الخطابة وهو متنوع، فالذي يجمع خطابة محمد حسان العنيفة والفظة، بخطابة عمرو خالد الرقيقة والهادئة، وخطابة حازم شومان الداعية للوم الذات وتحقير النفس..جميعهم يدعون لسلطة دينية واحدة في الأخير اسمها دولة إسلامية على الكتاب والسنة..

وجانب الأدب برع فيه العديد منهم كسيد قطب والغزالي والقرضاوي وعلي طنطاوي، وجانب التاريخ برع فيه السرجاني والصلابي..وغيرهم، كذلك جانب السياسة والاجتماع والرقائق فكرتهم فيها واحدة لكن صياغاتهم مختلفة..

حتى أن هناك من ينتسب للتيار العلماني وهو يدعو لنفس الفكرة، لكنه يعترض على الصياغة، ومن أمثال هؤلاء الكاتب "بلال فضل" فهو مؤيد لنفس الفكرة السلفية الداعية لدولة إسلامية على الكتاب والسنة، لكنه يعترض دائما على كل الصياغات التي ظهرت تحت لوائها، فيظن البعض أنه معارض للفكرة وهذا غير صحيح، فالرجل له باع قديم في تكفير المثقفين وعقليا لم يتطور بشكل جذري عن ما كان عليه في زمن مبارك، وميزاته الكبرى في القصص والحكايات والكاريزما يوظفها الآن لإعادة صياغة أفكاره القديمة بطريقة جديدة دون أي انفتاح على التيار العلماني..فهو كان ولا يزال معارضا لعلمنة الدولة أو صبغها بهوية غير دينية..

بلال فضل لم يغادر مربع (مقاصدية الشريعة الإسلامية) وأعترف أنني كنت يوما ما أنتمي لهذا المربع لكن قراءتي الغزيرة واطلاعي وانفتاحي الكبير على الرأي الآخر هو الذي سمح لي بالمغادرة، بينما بلال ما زال يكتب ويبشر بالشريعة الإسلامية ولكن بعبارات مختلفة حسبما يتبدى له الظرف وتسنح له الفرصة ويكون آمنا على نفسه من النقد والهجوم..

هذا هو سر انتقادي في الغالب لرجال الدين

أنت لا تتعامل مع شخوص ولكن مع فكرة يتم إعلانها بطرق مختلفة وتنظيمات مختلفة وأشخاص مختلفين، هي أس المشاكل التي يعاني منها الشرق الأوسط حاليا وتقف حاجزا أمام تطويره ونهوضه، وفي اعتقادي أنه لو تم تطعيم مناهج التعليم  - خصوصا الأزهرية منها – بالعلوم والاكتشافات الحديثة مع مخاطبة واقع الناس دون إغراقهم في الماضي وعزلهم عن محيطهم الاجتماعي سوف ينهض المسلمون على أيدي الجيل القادم..لأن الجيل الحالي صعب جدا إصلاحه لتمكن الفيروس الأصولي وتفضيله التقليد على التفكير، والكراهية على الحب، ولولا سطوة الإسلام السياسي مع تمكن هذا الفيروس وغرس ثوابته الضيقة لتصبح ثوابت أمة..!!

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...