فقراء لبنان "الجدد" يواجهون كسادا طويل الأمد
يقضي حسين حمادة يومه في البحث عما يساعده على تجاوز أزمة اقتصادية ممتدة يخشى بعض اللبنانيين أن تكون قد تحولت إلى وضع طبيعي، إذ لا يجد الرجل البالغ من العمر 51 عامًا عملًا يمكنه من إعالة أسرته المكونة من أربعة أفراد.
وفقد حمادة وظيفته المستقرة في مجال النجارة وأصيب بمرض يحتاج أدوية باهظة الثمن، واعتاد الرجل اصطياد السمك وبيعه لتحقيق دخل إضافي، لكنه قال إن الزبائن في منطقته الساحلية الفقيرة بجوار مطار بيروت لم يعد بمقدورهم شراء السمك، أو إنهم لا يشترونه لأن انقطاع الكهرباء المتكرر يعني عدم إمكانية الاحتفاظ به في الثلاجة.
ومثل كثير من اللبنانيين، تتأرجح أسرة حمادة على شفا الوقوع في الفاقة، لكنها لا تسقط أبدًا في براثنها، لتحيا حياة مُرهِقة مليئة بالتوتر تجعله مشوشًا وغير قادر على التخطيط للمستقبل.
وقال حمادة: "اليوم بيومه.. ما في مستقبل عندنا"، بينما تدرس طفلتاه البالغتان تسع سنوات و13 سنة على الضوء الخافت الآتي عبر نافذة في الشقة غير المضاءة المكونة من غرفة واحدة.
وتهاوى النظام المالي للبنان، الذي كان سابقًا ضمن فئة البلدان متوسطة الدخل في 2019 ، مما أدى لانهيار في العملة أدى بدوره إلى سقوط أربعة من كل خمسة لبنانيين في براثن الفقر، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة.
وخلصت دراسة نشرتها مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى أن نحو ثلاثة من كل أربعة أشخاص شاركوا في الاستطلاع في لبنان عانوا توترًا "على مدى جزء كبير"، وهي ذروة جديدة لمؤشرات القياس في البلاد منذ بدأتها قبل 16 عامًا. وقال نحو 63 بالمئة من المشاركين إنهم سيهاجرون من البلاد للأبد لو أتيحت لهم الفرصة.
وتعيش أسرة حمادة على المساعدات، "يأتي نحو 200 دولار منها من الأقارب وبرنامج الإعانة الاجتماعية الحكومي، بالإضافة إلى الجيران الطيبين الذين لا يبخلون بالمساعدة عندما يمكنهم ذلك. وتتحمل جمعية خيرية الجانب الأكبر من المصروفات الدراسية لابنتيه، كما أن جزءًا من أدويته مدعوم من الحكومة" كا يقول.
وأضاف حمادة "اليوم تغدينا.. تعشينا.. يعني خلاص بكرة نتركه لبكرة. كنا قبل نخطط لشهر لسنة لسنتين لعشر، كان عندنا إستراتيجية، والآن فقدنا الإستراتيجية"، لافتًا إلى أن "رؤية المطاعم ممتلئة في أحياء بيروت الراقية تملؤه بالحزن"، حيث يقول: "فيها جرح، ما بنكر إنو فيها جرح، بس متعودين خلاص، اتعود جلدنا يعني مثل ما بيقولوا عفوًا (تمسحنا)".
دولة تعيش على المساعدات
وكانت الأزمة، باعتراف كبار الساسة، نتيجة لعقود من الإسراف في الإنفاق واستشراء الفساد، مما أدى لانهيار النظام المالي، وهو مُقرض رئيسي للحكومة.
ويقول خبراء اقتصاديون إن الأزمة ستتفاقم ما دام الساسة يؤجلون إقرار الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان واللازمة للحصول على مساعدات بمليارات الدولارات.
وتداعت الخدمات الحكومية الأساسية بينما رُفع الدعم عن جميع السلع وترك عشرات الآلاف من اللبنانيين بلادهم بحثًا عن وظائف بالخارج في أكبر موجة هجرة منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.
ووصف البنك الدولي أزمة لبنان بأنها "كساد متعمد" من تدبير النخب السياسية والمالية، بينما تقول الحكومة إنها لا تزال ملتزمة بتنفيذ الإصلاحات التي ستمهد الطريق لاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
لكن ضغط الناس من أجل الإصلاح تراجع إلى حد كبير بعدما بلغ ذروته في احتجاجات 2019 وبعد انفجار مرفأ بيروت 2020، واستمرت الأحزاب التي حكمت البلاد لعقود في حصد أغلبية كبيرة من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/أيار.
وقال محمد شمس الدين أخصائي السياسة والأبحاث لدى شركة "انفورميشن إنترناشونال" للاستشارات ومقرها بيروت، إن "الشعب اللبناني يقبل ويتأقلم مع كل الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية".
وذكر أن أسرًا كثيرة عدّلت أوضاعها تبعًا للموقف بالعيش على المعونات وبضع مئات من الدولارات يرسلها لها الأقارب المغتربون كل شهر، وأضاف أنه في حين أن لبنان اعتمد لفترة طويلة على تحويلات العاملين بالخارج، فقد زادت تلك التدفقات مع هجرة نحو 200 ألف شخص إلى الخارج منذ 2019.
وفي الوقت نفسه تحصل الوظائف الحكومية الأساسية على دعم من المانحين الدوليين الذين يسعون للحيلولة دون الفشل الكامل للدولة، ويدعم برنامج الأغذية العالمي وحده ثلث سكان لبنان البالغ عددهم ستة ملايين نسمة بالغذاء والمساعدات النقدية، في حين أن تكاليف العلاج والدراسة وحتى رواتب العاملين بالأجهزة الأمنية يمولها بنسبة كبيرة مانحون دوليون.
وأصبح الاقتصاد مقسمًا بين طبقتين إحداهما يمكنها الحصول على العملة الصعبة وتسمى بطبقة الدولار "الطازج" وهي التي يمكنها تحمل نفقات الذهاب للمطاعم أو إرسال أطفالها إلى مدارس راقية، بينما تحصل الثانية على دخلها بالعملة المحلية ولا يمكنها تحمل أي شيء يذكر باستثناء النفقات الأساسية.
رويترز
إضافة تعليق جديد