قرار “اوبك بلاس”.. تخسير بايدن انتخاباته النصفية!
يؤكد قرار تحالف “اوبك بلس” النفطي بخفض الإنتاج، في هذا التوقيت بالذات، ان زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن للسعودية في منتصف شهر تموز/يوليو الماضي لم تنجح في إعادة الدفء للعلاقات “الاستراتيجية” السعودية ـ الاميركية، بل جعلتها أكثر “برودة”، في هذا الزمن الطاقوي الصعب، دولياً. لو عُدنا إلى وقائع الزيارة الرئاسية الاميركية نفسها، يتبين لنا أنها جرت وسط أجواء فاترة للغاية. ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لم يستقبل ولم يودع ضيفه الاميركي في المطار، أقله أسوة باستقباله ووداعه كل قادة دول مجلس التعاون الخليجي وغيرهم من القادة العرب ممن وَفَدوا الى جدة للقاء بايدن.
كما اوعزت السلطات السعودية لمراسلة أجنبية في الرياض بسؤال الرئيس الاميركي حين جلوسه الى طاولة المباحثات مع بن سلمان “هل ما زلتم تعتبرون السعودية دولة منبوذة”؟. في ذلك الوقت، غرّد مئات وربما آلاف المغردين عبر منصة “تويتر” – ومعظمهم من المعلقين المحسوبين على “الجيش الإلكتروني السعودي” – عن “نجاح ولي العهد السعودي بإذعان بايدن واجباره على القدوم للمملكة والتحدث معه”! ولا يمكن انكار ان بايدن استطاع بزيارته تلك ان يُقنع السعوديين بزيادة حجم انتاجهم اليومي من النفط. وبالفعل، زاد السعوديون انتاجهم 3 ملايين برميل نفط يومياً – من دون الاعلان عن ذلك – وهذا الامر ادى الى انخفاض ملموس لأسعار النفط الى ما دون الـ85 دولاراً للبرميل الواحد.
تجاوبت المملكة مع طلب بايدن بزيادة انتاجها النفطي، لكنها كانت تنتظر أثماناً لذلك، أولها العمل الأميركي الحثيث لأجل تكريس اتفاق الهدنة مع الحوثيين في اليمن والضغط بشدة للتوصل الى حلول تنهي هذه الحرب التي استنزفت المملكة، جيشاً ومالاً وسمعةً واعصاباً؛ وثانيها التشدد مع ايران في مفاوضات اعادة إحياء الاتفاق النووي؛ وثالثها طي ملف مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي استخلص تقرير للمخابرات المركزية الاميركية (سي آي إيه) مسؤولية محمد بن سلمان عن قتله؛ ورابعها توجيه دعوة رسمية لولي العهد السعودي لزيارة البيت الابيض مع تقديم ضمانات بعدم اثارة ضجة (سياسية وإعلامية) حول الزيارة.
كان معروفاً في واشنطن ان توم باراك هو رجل الامارات القوي في ادارة ترامب وانه كان يستغل علاقاته ونفوذه لتعزيز وتحقيق مصالح ابو ظبي لا سيما اثناء سنوات الخلاف الاماراتي مع قطر حيث عمل على تشويه صورة قطر في الاعلام الاميركي والتأثير على مصالحها لدى الادارة الاميركية السابقة بالوقائع، عملت ادارة بايدن على تحقيق ما تريده السعودية،
فهي ضغطت من اجل تحقيق وقف اطلاق النار في اليمن وتمديده ولم تتوصل حتى الآن الى اتفاق نووي جديد مع ايران؛ لكن ملف خاشقجي بقي مُعلقاً ولم توجه دعوة رسمية لبن سلمان لزيارة واشنطن، وهذا يدل على أن الرياض وافقت قبل شهور على زيادة انتاجها النفطي مؤقتاً لمواجهة الضغوط الاميركية الشديدة عليها، وعندما أيقنت أنا ما تريده لم يتحقق كاملاً قررت التراج من خلال قرارها القاضي بخفض الإنتاج النفطي، خلافاً لإرادة الإدارة الأميركية. لا تتحمل واشنطن بالضرورة مسؤولية إنهيار وقف النار ورفض الحوثيين تمديد الهدنة في اليمن، لكن الملف اليمني عاد جرحاً مفتوحاً وقابلاً للإشتعال.
الأمر الذي أثار استياء الرياض أيضاً هو قرار الافراج عن مبلغ سبعة مليارات دولار من اموال ايران المجمدة في كوريا الجنوبية مقابل الافراج عن مواطن اميركي (سياماك نمازي) كان معتقلاً في السجون الايرانية. هذان السببان ليسا كافيين أبداً، حسب ديبلوماسيين عاملين في الخليج العربي، وهم يرون ان السبب الحقيقي وراء قرار “الاوبك بلاس” تخفيض مليوني برميل نفط يومياً من حجم الانتاج هو سبب سياسي أكبر بامتياز.
يتوقف هؤلاء الديبلوماسيون عند موعد انتخابات الكونغرس الاميركي في 8 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. “ترغب كل من الرياض وابو ظبي، وبشراكة كاملة مع موسكو، في الضغط من اجل نجاح الحزب الجمهوري – وهو الاقرب لهما – على حساب الحزب الديموقراطي في هذه الانتخابات، وذلك من خلال افشال جهود الرئيس بايدن لتخفيض اسعار البنزين التي تؤثر على حياة المواطن الاميركي بشكل مباشر”، يقول الديبلوماسيون العاملون في الخليج. والملاحظ ان اكثر دول “أوبك” سعياً لتخفيض حجم الانتاج النفطي هي دولة الامارات، بسبب العلاقات المتوترة بين قيادتها ووبين بايدن. وفي المقابل، ثمة علاقة مالية وصداقة شخصية تربط بين رئيس دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد والرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب.
ولا شك ان حماسة ابو ظبي لقرار التخفيض تأتي رداً على محاكمة واشنطن رجل الامارات في الولايات المتحدة توم باراك الذي يُحاكم حالياً بتهمة العمل وكيلاً اجنبياً لدولة الامارات. وحسب لائحة الاتهامات فان باراك متهم بأنه ساعد المسؤولين الاماراتيين في الوصول الى ادارة الرئيس السابق ترامب، كما عمل على المساعدة في تعيين مسؤولين تفضلهم الامارات في ادارة ترامب، وكان معروفاً في واشنطن ان توم باراك هو رجل الامارات القوي في ادارة ترامب وانه كان يستغل علاقاته ونفوذه لتعزيز وتحقيق مصالح ابو ظبي لا سيما اثناء سنوات الخلاف الاماراتي مع قطر حيث عمل على تشويه صورة قطر في الاعلام الاميركي والتأثير على مصالحها لدى الادارة الاميركية السابقة.
ومن خلال محاكمة توم باراك، فان ادارة بايدن تسعى إلى تهشيم صورة الجمهوريين وترامب في الانتخابات النصفية بعد حوالي الشهر، عبر القول إن الحزب الجمهوري يضم في صفوفه اشخاصاً يعملون لتحقيق مصالح دولة اجنبية على حساب مصالح بلادهم! هذا الصراع الذي نشهد فصوله حالياً بين الإدارة الأميركية وبين دولتين خليجيتين، يجعل المراقبين يذهبون بعيداً في أسئلتهم، إستناداً إلى تاريخ العلاقات الخليجية ـ الأميركية، ولا سيما السعودية ـ الأميركية: هل يمكن أن يؤثر ما نشهده على آليات إنتقال السلطة والحكم وإتخاذ القرار في الدول الخليجية من هنا جاء تحريض الامارات لمنظمة “أوبك بلاس” على تخفيض حجم الانتاج البترولي حتى ترد الصفعة لإدارة بايدن وحزبه الديموقراطي. وحتماً للسعودية مصلحة في ذلك، مثلما هي مصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يريد ان تعاني أوروبا من ارتفاع اسعار الطاقة، على خلفية موقف “الناتو” المنخرط حتى العظم في المواجهة الروسية ـ الأوكرانية على أرض أوكرانيا. وهذا من شأنه أن يُفسر ردة الفعل الاميركية العنيفة على قرار تحالف “أوبك بلاس” بخفض الانتاج، حيث سارع الرئيس الاميركي لإنتقاد القرار ووصفه بأنه “قصير النظر”.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ومدير المجلس الاقتصادي الوطني بريان ديس، في بيان عقب القرار: “يشعر الرئيس (بايدن) بخيبة أمل بسبب القرار قصير النظر الذي اتخذته أوبك+ لخفض حصص الإنتاج بينما يتعامل الاقتصاد العالمي مع التأثير السلبي المستمر لغزو بوتين لأوكرانيا”، فيما اتهمت المتحدثة باسم البيت الابيض كارين جان بيير القرار المنحاز لروسيا، وقالت “في ضوء إجراءات الاوبك + ستتشاور إدارة الرئيس أيضا مع الكونغرس حول الأدوات والسلطات الإضافية لتقليل سيطرة أوبك على أسعار الطاقة.. ويُعد إعلان اليوم -الأربعاء الماضي – بمثابة تذكير لسبب الأهمية البالغة التي تجعل الولايات المتحدة تُقلّل اعتمادها على المصادر الأجنبية للوقود الأحفوري”. هذا الصراع الذي نشهد فصوله حالياً بين الإدارة الأميركية وبين دولتين خليجيتين، يجعل المراقبين يذهبون بعيداً في أسئلتهم، إستناداً إلى تاريخ العلاقات الخليجية ـ الأميركية، ولا سيما السعودية ـ الأميركية: هل يمكن أن يؤثر ما نشهده على آليات إنتقال السلطة والحكم وإتخاذ القرار في الدول الخليجية؟
سليمان نمر-180 بوست
إضافة تعليق جديد