"داكابو" زياد الرحباني تنتشل بيروت من رعبها
أضفت حفلتا زياد الرحباني تحت عنوان «دا كابو» أمس وأول من أمس، رونقاً خاصاً وفريداً على بيروت المحاصرة بالخوف والقلق إثر التوترات الأمنية على وقع أحداث «نهر البارد» والانقسامات السياسية الحادة.
بعد ثلاث سنوات من الانتظار أي منذ حفلات زياد في بعقلين وأنفه في العام 2004، لبّى الجمهور اللبناني دعوة زياد إلى الحفلتين بكثافة، ليكسر روتين الحياة اليومية، وليستمتع بمقطوعات موسيقية جديدة خارج كل تصنيف. ففي الليلة الأولى، وعلى عكس التوقّعات التي كانت ترجّح الحضور الخفيف، تحدّى الناس الاشاعات حول حظر التجوّل بسبب انعقاد مجلس الأمن الدولي لإقرار المحكمة الدولية، وأتوا من مختلف المناطق اللبنانية ومختلف الانتماءات السياسية، لتجمعهم الموسيقى.
زياد الرحباني «المشاكس» دائماً في كتاباته وفي موسيقاه، لم «يُفطر جمهوره على بصل» بعد «صوم» عن إنتاج اسطوانات موسيقية خاصة به وحده، و «صوم» عن إحياء حفلات مع أوركسترا ضخمة كهاتين الحفلتين (منذ 1985). حضّر في ظروف استثنائية لحفلتين استثنائيتين بعنوان إيطالي «دا كابو»، وهي عبارة تستعمل في التدوين الموسيقي، تعني «من الأول» أي إعادة جملة موسيقية ما من الأول». على مدى ساعتين من الوقت تقريباً، نسي الجمهور (1300 شخص في كل حفلة) الذي احتفت به قاعة قصر الأونيسكو، ما يدور في الشوارع وعلى الألسنة من أحاديث عن الانفجارات والتطوّرات السياسية المتسارعة والحرب والموت. وانتشلتهم موسيقى زياد الرحباني على أنغام أوركسترا ريفان الأرمينية من خلال العزف على آلات الساكسوفون والترومبيت والترمبون والهورن، إضافة إلى آلات النفخ والكونترباص، بمشاركة موسيقيين لبنانيين نضال أبو سمرا (تينور ساكس)، فؤاد عفرا (إيقاعات)، خضر بدران (كيبورد وكورس)، وآفو توتنجيان (ألتو ساكس)، ووليد ناصر (إيقاعات شرقية)، ورافي مندليان (غيتار كهربائي)، وهنادي توتنجي (فلوت وبيكولو)، وزياد (بيانو وكيبورد). كما شارك الأوركسترا عازفون من سورية هم باسل داوود (عود)، ورأفت بوحمدان (بزق)، ونزار حمدان (ترومبيت)، وفراس شهرستان (قانون). وطبعاً لا يمكننا أن ننسى عازف الدرامز الهولندي المتميّز أرنو فان نيونهويز، الذي رافق زياد في أسطوانتي «ولا كيف» و «مونودوز».
برنامج «دا كابو» الذي لم يشِ به زياد لأحد، بدأ بمقطوعة «هيدا غيتو» بمرافقة الكورس الذي «احتلّته» خمس صبايا جميلات وبارعات في الأداء (سابين، سولاف نجار، جويل خوري، لارا مطر، سوزي أبي سمرا، ميكاييلا)، شاركهن خضر بدران. ثم تلتها مقطوعة «أمراض مزمنة داخلية» كتبها في العام 1986، ثم أغنية «إين» كتبها عام 1995 وهي مأخوذة من فكرة القوافي الشعرية التي تنتهي بـ «إين» على وزن «لحم بعجين»، فمقدمة الفصل الثاني من «لولا فسحة الأمل»، وأغنية «بذكّر بالخريف». وبعدها جاءت مقطوعة «ضحكة الـ 75 ألف» وهي «مهداة إلى لويس ارمسترونغ العازف الأميركي الأسود الذي استطاع أن يخرق حظر البيض على عزف السود في الأماكن المخصّصة لهم في أميركا»، كما قال زياد.
أما مفاجأة السهرة، فكانت «القنبلة الحمراء... سابين» كما أطلقت عليها معرّفة الحفلتين وعضو الكورس جويل خوري. وما ان خرجت سابين بفستانها الأحمر اللافت وقفازين أبيضين وتسريحة أنيقة لشعر أشقر، على غرار ريتا هيوارث في فيلم «غيلدا»، حتى علا التصفيق. وبدت سابين إضافة إلى كونها مؤدية ماهرة لأغنية من ثلاث كلمات فقط «شو هيدا ولو»، نجمة إغراء لكن على طريقة زياد الرحباني. ثم جاءت مقطوعة «وصّلو على بيتو»، لتليها مقطوعة «أبو علي»، وانتهى الفصل الأول بأغنية «صبحي الجيز» (1975) التي أدّاها خالد الهبر مع الكورس.
الفصل الثاني، تتخلّله على التوالي مقطوعات «بالنسبة لبكرا شو» و«يوميات» و «القافلة»، ثم أغنية «شو بخاف» بصوت لارا مطر منفردة، ثم أغنية «ما تفلّ» بصوت ميكاييلا. وأثناء أداء هذه الأغنية في الليلة الأولى، بدأت الهواتف الخليوية تشتغل في الصالة كخلية نحل. شخص يخرج وآخر يدخل. «يقولون إنفجار» يهمس أحدهم. لا أحد يعطي الخبر أهمية، قلّة هم من تزحزحوا عن كراسيهم، ثم عادوا إليها سالمين. فالناس هنا استسلموا للموسيقى كأنهم يريدون الانسلاخ عن الواقع الأليم، ولو لساعتين!
في هذه الأثناء، أقرّ مجلس الأمن المحكمة. لكن الحفلة تابعت برنامجها في شكل عادي، فعزفت «مهووس» ثم أغنية «ضربت». كما عرّف زياد في الليلة الأولى، جمهـــوره على عيسـى (الشخصية التي يكتب عنها أحياناً)، الذي تلا مقطع من سلسلة «العقل زينة»، وفي الليلة الثانية كان دور مخايل. وبعد ذلك عزفـت مقـطوعة «ضربة - ديار بكر»، و «يف 71»، واختتم البرنامج بأغنية «روح خبّر».
رنا الحاج
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد