من الدولة إلى الشركة متعددة الجنسيات
خليل عجمي:
في دراسة تم تنفيذها خلال الربع الأخير من العام المنصرم بين الجامعة الافتراضية السورية والهيئة العليا للبحث العلمي ولجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا (الإسكوا)، وستنشرها الإسكوا خلال الأسابيع القادمة تحت عنوان (خريطة طريق للاقتصاد القائم على المعرفة في سورية)، كانت حالة كازاخستان إحدى الحالات المرجعية التي تم إدراج تجربتها ضمن الدراسة في مجال التحول من الاقتصاد التقليدي الموجه ذي الطابع الشيوعي، نحو الاقتصاد الحديث، وهي حالة فيها تشابه كبير مع حالة سورية وانتقالها منذ تسعينات القرن الماضي نحو نمط حديث من الاقتصاد.
مناسبة هذا الكلام هو ما يحدث في كازاخستان اليوم مقارنةً بما حدث في سورية عام 2011، ووجه التشابه الكبير في التفاصيل بين الحالتين، وخصوصاً أن كازاخستان كانت خلال السنوات الخمس الماضية قد بدأت تقطف ثمار الخطة الاستراتيجية التي وضعتها منذ عام 1997 وأعادت تصويبها عام 2014 للتحول نحو اقتصاد حديث يقوم على المعرفة والتكنولوجيا، ويتحرر من سطوة الاعتماد على الموارد الطبيعية الكبيرة التي تميزها، وهي حالة تشبه من حيث النمو (مع اختلاف الأسباب والعوامل) ما كان يحدث في سورية في الفترة الممتدة بين عامي 2006 و2011 رغم كل المآخذ التي قد تكون لدى البعض على خطة الانفتاح الاقتصادي التي اتبعتها الحكومات السورية المتعاقبة حينها.
باختصار، وبعيداً عن نظريات المؤامرة الخشبية، لا يمكن لأي عاقل برأيي إلا أن يستنتج بأن نموذج التطور المطلوب عالمياً لدول من خارج منظومة دول الغرب الأميركي والأوروبي، هو النموذج الخليجي فقط، أي نموذج "الشركة متعددة الجنسيات" التي تأخذ شكل دولة دون أن يكون لها مقومات الدول من وزن ديموغرافي بشري واستقلالية قرار اقتصادي وسياسي، وهي "شركة-دولة" قابلة للإلغاء أو البيع والشراء في أي لحظة تفقد فيها قيمتها الاقتصادية أو السياسية كحال أي شركة في الأسواق المالية، وما عدا ذلك، يجب أن تتحطم أي دولة خارج هذا النموذج (سواءً بعوامل سوء الإدارة الداخلية أو بعوامل حصار وحرب خارجية)، وهو ما يحدث اليوم في كازاخستان، وما حدث ويحدث لنا سواءً في سورية أو العراق أو حتى مصر والجزائر وليبيا رغم اختلاف الظروف.
يبقى الحل الوحيد لمجتمعاتنا ودولنا هو محاربة عوامل التخريب الداخلية والتوجه الفعلي نحو ترسيخ العلم والمعرفة كأدوات لا غنى عنها في توليد الثروة في هذا العصر، كل ذلك للإفلات من هذه الحروب التي ستستمر ولن تنتهي، ولنا في تجارب دول كماليزيا وفيتنام وإيران وراوندا خير مثال عن هذا.
إضافة تعليق جديد