التأريخ الشفوي: السوريون يوثقون حياتهم
الجمل ـ نبيل صالح: كلما ابتعد السوريون عن لوحة حربهم المجنونة كلما توضحت لهم رؤيتها ، وقد لاحظت ذلك في مشاركات الدورة الثالثة لمسابقة "حكايتي" السنوية التي تمنحها مؤسسة "وثيقة وطن للتأريخ الشفوي" لأفضل حكاية عن الأحداث التي عاشها المواطنون في سورية من خلال إشرافي على لجنة تحكيم نصوص المسابقة بالتعاون مع نخبة من النقاد السوريين خلال سنواتها الثلاث ..
توثيق الأحداث السورية بلسان شهودها كان ضروريا بعد هذا الكم الهائل من الأكاذيب الممولة جيدا من قبل الدول التي عملت على تدمير سورية وتراثها وخصوصية مجتمعها المتنوع وإلغاء حضورها المؤثر في القضايا العربية.. فشهادات السوريين عن الأحداث التي عايشوها تدحض أكاذيب الخصوم لمن أراد أن توثيق الحقيقة..
منذ بداية الحرب عملت على توثيق أحداثها على موقع "الجمل" ساعة بساعة، حيث أصدرت كتابي الأول عن الحرب في منتصف عام 2012 ثم أصدرت الكتاب الثاني 2014 والكتاب الثالث 2016 . ولأن التوثيق عمل مؤسسي كبير لايقدر عليه فرد واحد فقد كنت سعيدا بدعوة الدكتورة بثينة شعبان لانضمامي إلى مجلس أمناء مؤسسة وثيقة وطن ، ذلك أن التأريخ الشفوي علم حديث نسبيا في العالم، وهو يوثق الأحداث برواية الناس ليقترب التأريخ من حقيقة الوقائع أكثر، بعدما كانت المؤسسات الرسمية هي من توثقه وتصدره بما يتلاءم مع توجهاتها، بحيث بات لدينا كما هائلا من التاريخ المزور الذي أضعف قراءة الباحثين وحرف استنتاجاتهم عن التاريخ المعاش .
شارك في حكايات المسابقة 611 نصا، وتنافس على الجائزة 160 حكاية لتفوز تسع منها، وهذا لايعني أن الحكايات غير الفائزة أقل أهمية، ولكن النقاش بيننا كلجنة تحكيم استمر ساعتين ونصف توافقنا في النهاية إلى تحديد أسماء الفائزين وهم:
الفئة الأولى تحت سن 25 سنة: نبال باسم فطيمة. آية آغا أيوب. وئام محمد الدخيل.
الفئة الثانية بين سن 25 و 45 : أسامة الحداد. حاتم اسماعيل سليمان. ديانا خضر السلامة.
فئة مافوق 45 سنة: الوليد خالد المفلح. ميادة شيبان. محمد عامر مارديني.
شارك في التحكيم الأساتذة: حسن م يوسف. مالك صقور. إنصاف حمد . أمل دكاك، ونبيل صالح.
قيمة الجوائز رمزية وهي: 7200000 ليرة سورية، مليون ليرة لكل ذهبية و800 ألف لكل فضية و600 ألف لكل برونزية .
وسيصدر عن المؤسسة قريبا كتاب يضم حكايات الفائزين في الدورة الأولى والثانية، وأما شهادات الدورة الثالثة فستضم كل الحكايات المهمة إلى جانب الفائزة وهي بحدود 90 حكاية، بغية توسيع الخريطة التفاعلية لشهادات السوريين عن الأحداث في المدن والبلدات والقرى الموزعة على أراضي الوطن، بحيث يمكن للمتابع مستقبلا تكوين صورة تقريبية عن الحرب التي احترقنا بنارها. وهي شهادات لأبطال مخلصين تقدم موعظة جيدة للناس كي لايكرروا مستقبلا أخطاء الماضي .. ولو قامت المؤسسات الرسمية بتوثيق أحداث سبعينيات القرن الماضي التي أشعلها التنظيم العالمي للإخونج فلربما كنا تجاوزنا حربنا السورية دون أن نقع في فخ الأكاذيب التي حرضتنا ضد بعضنا فقمنا بالحرب ضدنا نيابة عن أعداء وطننا.
لقد أبكتني بعض شهادات السوريين، وكانت شهادات الفئة الثالثة (من هم فوق سن 45) الأكثر قدرة على فهم الحدث واستقراء فلسفة التاريخ، إضافة إلى سلاسة الأسلوب والسرد المشوق. لهذا السبب قسمنا المسابقة إلى فئات عمرية، إذ ليس من العدالة أن تتسابق الجياد من أعمار وخبرات مختلفة مع بعضها، فلكل عمر خبرته وقدرته..
مبارك لجميع من شاركوا في كتابة أحداث "الرواية التي اسمها سورية" ولسوف تشكل حكاياتهم مادة درامية عظيمة لكل من سيكتب أو يخرج أفلاما عن حياة السوريين وعظمتهم في مواجهة الآلام والصعاب.
نعمل في مؤسسة "وثيقة وطن" لتدوين حياة السوريين في الطعام والشراب والأزياء والحرف والهندسة والحرب والسلم وكل مايوثق يومياتهم، بحيث نساهم جميعا في رسم وتوضيح مقومات الهوية السورية بالتعاون معكم. فالتوثيق هو ذاكرة الأمة التي تحفظ كيانها وتحميها من التشتت والضياع في غياهب العولمة وأمواجها العاتية .
إضافة تعليق جديد