لماذا يجب علينا ألا نخلط بين الإسلام والإرهاب؟
أظهر هجوم كرايستشيرش Christchurch الإرهابي أننا بحاجة إلى معالجة التهديد الذي يشكله التطرف اليميني الشديد لمبادئ التعاون الاجتماعي السلمي ضمن مجتمع متعدد الثقافات. لسوء الحظ، ألقى بعض المعلقين من اليمينيين المتطرفين اللوم على قوانين الهجرة وعلى المجتمعات المسلمة نفسها بعد حادثة إطلاق النار تلك. لكن وجهات النظر هذه مبنية على معلومات غير دقيقة عن الإسلام والتاريخ.
بصفتي أكاديميًا من نيوزيلندا، يرتبط عملي بالأسئلة المتعلقة بالإسلام والتعددية الثقافية. في الماضي، جادلت بأن الوهابية – وهي شكل من أشكال الأصولية السنية للإسلام، تمارس شعائرها حاليًا في المملكة العربية السعودية – ليست متوافقة مع الديمقراطية الليبرالية، على عكس بعض مذاهب الفكر الإسلامي الأخرى.
باعتبار أن مسلمي الغرب يتعرضون للهجوم، فمن الضروري فهم وتمييز هذه الأنواع المختلفة من الفكر الإسلامي وكيفية استجابة الغرب لها. بينما هناك مشكلة على المستوى العالمي مع التشدد السني المتطرف، فالحقيقة هي أن هذا التشدد هو ظاهرة أقلية ضمن الإسلام. بالإضافة إلى ذلك، فهذه الظاهرة تشكل تهديدًا لمسلمي الشرق الأوسط أكثر مما تفعله للدول الغربية.
لا يمكن اختزال الإسلام في فكرة واحدة
كثيرًا ما يدلي المعلقون اليمينيون المتطرفون بتصريحات حول الإسلام والمسلمين هي في حقيقتها تصريحات غير صحيحة. فهم يشوهون صورة المسلمين ويعلنون أن الإسلام غير متوافق مع القيم الديمقراطية الغربية. لكن الإسلام لا يمكن اختزاله ضمن إطار لاهوتي مفرد أو وجهة نظر مبسطة نحو العالم. فقد جرت الكثير من النقاشات اللاهوتية عبر قرون حول طبيعة العلاقة بين الإيمان والعقل، وحول الدور السياسي للإسلام. هذا ما قاد إلى جعل الإسلام دينًا يملك فروع عديدة ومدارس فكرية مختلفة.
غالبًا ما يخلط منتقدو الإسلام بينه وبين الوهابية بشكل خاطئ. الوهابية هي مذهب فكري إسلامي يحرض على العنف ضد المسلمين غير الوهابيين وضد غير المسلمين بأخذهم مقاربة حرفية وغير نقدية للنصوص الإسلامية. رغم إمكانية إرجاع جذورها الفكرية إلى اللاهوتي ابن تيمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، إلا أنها أصبحت حركة سياسية حقيقية في منتصف القرن الثامن عشر فقط. كان ذلك عندما دخل آل سعود في تحالف ديني سياسي مع محمد بن عبد الوهاب. هذا التحالف لا يزال هو الأصل في تشكل المملكة العربية السعودية التي نعرفها الآن.
ولولا الدعم الغربي للمملكة العربية السعودية المعاصرة الذي استمر لما يقارب قرنًا من الزمن، لربما كانت قد بقيت الوهابية ظاهرة هامشية في تاريخ الإسلام.
كثيرًا ما يكون المسلمون ضحايا للتطرف الوهابي
في العادة تكون الخطوة التالية التي يتخذها رموز الجناح اليميني أولئك هي الزعم بأن الوهابية تمثل جوهر الإسلام، وأن “المسلمين المعتدلين” هم فقط أناس لا يتبعون نصوصهم المقدسة. وينطلقون من خلال انتقاء آيات قرآنية وروايات تاريخية لإثبات أن النبي محمد كان أمير حرب، وبيدوفيلي وإرهابي.
إنهم يتجاهلون تمامًا حقيقة وجود مناقشات على مدى قرون داخل الإسلام حول السياق التاريخي والتفسير وحتى حول دقة هذه الأجزاء المنتقاة من المجموعة الضخمة للنصوص الإسلامية. ولا يذكرون بقية النصوص المقدسة التي تشجع على الرحمة والعدالة والتعددية أبدًا. في الواقع، بالعديد من الحالات، لا يختلف المجتمع المسلم الأوسع مع التأويل الوهابي من الناحية الدينية فحسب، بل عادة ما يكون هذا المجتمع نفسه أحد ضحايا التطرف الوهابي.إلى جانب كون هذا الموقف العدائي تجاه الإسلام غير أمين فكريًا، فإنه يساهم بشكل كبير في الشعور السائد المعادي للمسلمين في الغرب.
التطرف اليميني يعزز التطرف الإسلامي
من خلال الدمج بين الوهابية وبين الإسلام السائد، يخلق اليمين المتطرف قوة لعدوه ويعززها. فإبعاد المسلمين ومضايقتهم في الغرب ينطوي على مخاطر تطرف بعضهم. وباتخاذ حجة عدم توافق الإسلام مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، سيبدو أن القراءة الوهابية للإسلام هي في الحقيقة القراءة الوحيدة الصحيحة. كل هذا يعزز نظرية صراع الحضارات التي تزعم أن النظرة الغربية والنظرة الإسلامية للعالم غير متوافقتان بشكل جوهري لدرجة أنه من المقدر لهما أن يتصارعا دومًا.
تاريخيًا، عزز صانعو سياسة الجناح اليميني في بعض الدول الغربية القوة الاقتصادية والعسكرية للأيديولوجيات الوهابية من خلال إقامة تحالفات مع مؤيدي هذه العقائد في أماكن مثل المملكة العربية السعودية وأفغانستان. حتى إسرائيل التي تعتبر عادةً معقلًا للقيم الديمقراطية في الشرق الأوسط، تتقرب الآن من المملكة الوهابية بسبب خوفهما المتبادل من إيران.
اسمحوا لي أيضًا بتسليط الضوء على أن المسلمين أنفسهم كانوا ولايزالون يشكلون النسبة العظمى لضحايا الفكر الوهابي. بدءًا من هجوم الوهابيين على كربلاء في عام 1802، إلى صعود كل من تنظيم طالبان وتنظيم القاعدة، وانتهاءً بالدولة الإسلامية في العراق والشام، فقد عدد لا يحصى من الأبرياء أرواحهم، كانوا أساسًا مسلمين وذلك بسبب الفكر الوهابي في الشرق الأوسط.
يجب على الغرب إعادة تقييم سرديته حول الإسلام
من الطبيعي أن نرغب في فهم الأسباب العميقة والجذرية لمذبحة كرايستشيرش والدور المحتمل الذي لعبه التطرف الإسلامي فيها. لكن الجاني سيبقى نفسه، وهو أولئك الذين يدعمون فكرة تعارض الإسلام مع القيم الديمقراطية الليبرالية. فهم يشوهون صورة المجتمعات المسلمة بخلطهم بين الإسلام وبين الفكر الوهابي الذي عمل الغرب على تمكينه لسنوات عديدة.
نعم هنالك عنصر تطرفي إشكالي داخل العالم الإسلامي، لكن الجهات الغربية الفاعلة وعلى وجه الخصوص الجناح اليميني، ساعدت الفكر الوهابي في أن يصبح ظاهرة عالمية على حساب المسلمين أنفسهم. بدلًا من إلقاء اللوم على هجرة المسلمين وعلى التطرف الإسلامي في حصول مذبحة كرايستشيرش، حان الوقت لكي ينظر الغرب إلى نفسه في المرآة ويعيد تقييم رؤاه وأفعاله الخاصة إزاء الإسلام والعالم الإسلامي.
المحطة - حمزة الفيل
إضافة تعليق جديد