الشعائر بين الدين والسياسة
عندما أعد روبير بندكتي كتابه: "الشعائر بين الدين والسياسة في الاسلام والمسيحية"، كان حافزه الرئيسي الخروج بدراسة انتروبولوجية معمّقة عن هذا الموضوع. وقد توخى فيها "مقاربة العلاقات المعقّدة بين المقدس والدهري وروافدهما من اخروي – دنيوي في المجال الاجتماعي – الثقافي والطائفي – السياسي في ميدان تنظيم الحكم والدولة، في اطار المجتمع المحلي العربي"، على ما كتب في مقدمة كتابه.
ثلاثة ابحاث توزعت على عشرة فصول، وفي كل منها درس المؤلف احتفالين دينيين في لبنان: جناز المسيح في بلدة بنايا الروم الكاثوليكية، وذكرى عاشوراء في بلدات جبل عامل والنبطية، وشكلت هذه الفصول محطات وسّع فيها المؤلف الوقائع والافكار والنتائج.
"يندرج هذا البحث في منظور نظر مزدوج يسعى الى فهم ما يحدث في هذه المواسم الاحتفالية وتفسيره"، يقول المؤلف. وانطلاقا من ذلك، يركز اهتمامه على "استنباط السمات الشكلية المشتركة بين كلها، من اجل بلورة البنى المتماثلة التي تدلنا بدورها على البنية العميقة الحاضنة".
امر آخر يسعى اليه المؤلف في دراسته – الكتاب. "الحرص على استطلاع المعاني المصيرية التي يعيشها المحتفلون وهم يقيمون الشعائر الدينية... ويعيشون فيها خبرة وجدانية جامحة". وفي ضوء كل هذا، وبالاستعانة "بمنهجية عمل مركبة"، توصل المؤلف الى "رصد ظاهرة الطائفية واستطلاع خفاياها، كما تتجسم في ممارسة اعضاء مجتمعين محليين ينتمون الى جماعتين دينيتين".
الطائفية تبقى الخط الاسخن. ويمضي المؤلف الى النهاية الى البحث في هذه الطائفية و"خطورتها" ونتائجها. "الطائفية عملية ذهنية راسخة في الطبقة غير الواعية لخبرة الافراد المعرفية – الروحية، وشكل من اشكال التنظيم المجتمعي"، على ما يقول، واصفا اياها "بأنها ظاهرة مركبة معقدة".
المؤلف يدقّ، نوعا ما، جرس الانذار. وتتلخص الفكرة المحورية في ان "الطائفية بلغت درجة من الالفة، تحول بالكثير من الناس، ان لم تكن غالبيتهم، دون التنبه الى خطورتها، بل تحدو بهم الى اعتبارها امرا بديهيا".
من البداية، قد ينطوي عنوان الكتاب، على اجابة واضحة توصل اليها الكاتب في دراسته، واعلنها صراحة، بخط احمر عريض، على الغلاف الخارجي. "الاحتفال الديني منبر سياسي في المجتمع اللبناني المعاصر". الكتاب صدر عن "دار مصر المحروسة"، ويقع في 275 صفحة من الحجم الوسط. وقد اهداه المؤلف الى "ذكرى والديه".
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد