منصور الرحباني يقرع أبواب زنوبيا
دقَّ منصور الرحباني باب زنوبيا، ناداها بأعلى صوته، استيقظي يا ملكة تدمر، أيتها السمراء النحيلة، نريد ان نعرف الحكاية، استيقظي من سباتك لأدوِّن تاريخك بقلمي، وأرسم من أخبارك لوحات ورقصات وأغاني وموسيقى. استفاقت الملكة من موتها، بعد قرون لتساعد منصور في مبتغاه. إنها لا تزال جميلة كغزالة بريَّة. تتزين بحلاها الدمشقيّة وأسنانها البيض، أخبرته القصة وعادت الى رقادها من جديد.
«زنوبيا» عمل مسرحي جديد لمنصور الرحباني، يريده أن يوصل صورة إمرأة سبقت عصرها في مفاهيم التحرر والثقافة والقيادة والمقاومة والثورة المدنيّة قبل العسكرية، لتكون قبيلة من النساء مجموعة في أنثى واحدة.
وعلى رغم تناول مسلسلات تلفزيونية عربية كثيرة هذه الشخصية التاريخية، الا أن العمل الرحباني الجديد يتميّز من نواح عدة بحسب ما يوضح غدي الرحباني مصمّم الانتاج والمنسق العام للعمل. ويقول لـ «الحياة» إن المسرحية تتناول آخر خمس سنوات من حياة الملكة، أثناء فترة زواجها من «أذينة» ملك الشرق، وبعد اغتياله عندما تسلمت زمام الحكم باسم ولدها القاصر «وهب اللات»، وعندما قرّرت أن تتحرَّر من الحظيرة الرومانية وتستقل. ويشير الى ان العمل «يصوِّر طموح الملكة ونجاحها في فتح مصر والاسكندريّة وآسيا الصغرى وكيليكيا وإنطاكيا، ولحظة وقوعها في الأسر بين يدي «أورليانوس» إمبراطور روما. وهذا ما لم تقدمه كل الاعمال التلفزيونية التي تناولت ملكة تدمر، إذ يدخل منصور الرحباني ككاتب للنص في عمق الأحداث ويصوغها بلغة أدبيّة شعريَّة جديدة وحديثة. وتعرض المسرحية شخصية كيلوباترا، المثال الأعلى لملكة تدمر. وتظهرها وكأنها ضمير زنوبيا وهذا ما لم يتطرَّق له أحد من قبل».
وعن مكان العرض وظروف الاخراج يقول غدي: «المسرحية من إنتاج حكومة دبي، وستعرض فيها في الثامن عشر من نيسان (أبريل) المقبل على مسرحٍ في الهواء الطلق، بُنِي للعرض المسرحي على مساحة 70 الف متر مربع، ويتسع المسرح لأكثر من ثلاثة آلاف مشاهد. وستبنى مدينتان حقيقيتان تجسدان تدمر وروما اللتين احتضنتا أحداث الحقبة التاريخية المذكورة. ويضم العمل أكثر من 130 ممثلاً وممثلة من بيروت ودبي. وستتخلل العرض معارك حقيقية بالمنجنيقات والأسهم والنيران المشتعلة، إضافة الى الخيول والجمال والمبارزات بالسيوف. ويعود كل ذلك لأن «اورليانوس» حاصر تدمر ولم يستطع ان يخترقها الا بعد سنتين من حصارها». والعمل من تأليف منصور الرحباني وتلحينه، وإخراج مروان الرحباني، وشارك في التلحين غدي وأسامة ومروان والياس الرحباني. وهو من بطولة كارول سماحة(زنوبيا)، غسان صليبا (زبداي)، وأنطوان كرباج (اورليانوس).
يوضح غدي أن كل ما تتناوله وسائل الاعلام عن مشكلات حصلت بين الرحابنة ولطيفة التونسية التي كان من المفترض أن تلعب دور زنوبيا، عارٍ من الصحة، ويقول: «بدأت لطيفة بالتمارين الأولى للمسرحيَّة الا ان تأجيلها الى 18 نيسان المقبل لأسباب تقنية، أدى الى انسحابها من العمل لارتباطها بعقود عمل سابقة. ولم تمانع كارول سماحة من لعب الدور خصوصاً أنها شاركت في أعمال رحبانية سابقة. وفي هذا السياق أهدى منصور لطيفة أغنية جديدة تغنيها قريباً.
ويعتبر غدي أن السبب الاساس وراء اختيار منصور الرحباني المسرحيات التاريخية هو شغفه بالتاريخ، فهو يرى ان قراءة التاريخ توضح المستقبل وتكسب المرء آفاقاً جديدة وفضاءات شاسعة إضافة الى إسقاط هذا التاريخ على الحاضر، ويمكن المؤلف استخدامه في هذا المنحى بحريّة، ويضيف: إن من يقرأ «زنوبيا» يلاحظ ان الاحداث والشخصيات تتكرَّر اليوم بأسماء وأمكنة مختلفة، على رغم ان أحداث العمل تعود الى سنة 270 بعد الميلاد. وإن التاريخ مرآة للإنسان، تعكس الحقائق وتجرِّدها، والمثل على ذلك المحاكمة غير العادلة التي خضع لها الفيلسوف سقراط يوم اجتمع أكثر من 500 قاضٍ ليثبتوا أن أفكاره تخرِّب عقول الشباب آنذاك». ويخلص المنسق العام للمسرحيّة قائلاً: «إن منصور الرحباني من خلال «زنوبيا» يريد ان يقول إن العدالة الموجودة في العالم هي كاذبة ووقحة، فثمّة شعوب وأنظمة تخضع لأوامر إمبراطور نرجسي».
لا يوافق غدي على أن الرحابنة الجدد هم إمتداد للأخوين الرحباني. إذ أن لكل من الفريقين تجربة فريدة ومميّزة، ويرفض حصر الفكرة ضمن إطار واحد خصوصاً أنه واسامة ومروان الرحباني تولوا بمهمة التأليف والتلحين والكتابة لعدد من المسرحيات ومنها «الانقلاب»، «ممر الى آسيا» التي طرحت رؤية جديدة للنص والموسيقى.
ويعارض غدي تسمية مسرح منصور الرحباني بالاستعراضي ويفضل المسرح الغنائي الشامل الذي يعتمد الغناء والرقص والتلحين والتمثيل واللوحة المشهدية والسينوغرافيا والديكور والمكياج والازياء. ولا يرى أي بُعد غربي في المسرح الرحباني ما عدا بعض التقنيات الصوتية أو اللوجستية، «لأن الاعمال التاريخية التي يقدمها منصور نابعة من البيئة الخصبة التي نعيش فيها ومن الشخصيات البارزة التي حُفرت في ذاكرتنا العربية. إن هذا العمل المسرحي يعيد الى الحاضر مرحلة رائعة من أيامنا الغابرة، ووجه امرأة عربية قاومت أكبر إمبراطورية في التاريخ.
محمد غندور
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد